إيماءًا لتصريحاتكم المنشورة في جريدة الشروق بتاريخ 24 يوليو 2019 والتى تم فيها التطرق لعدد من الموضوعات المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر مثل عقوبة الإعدام، المراقبة الشرطية، قانون الجمعيات، السجون، فقد لاحظ فريق عمل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان وجود عدد من المغالطات والقناعات الخاطئة والتي قد تعكس رؤية وتقييم المجلس القومي لحقوق الإنسان تجاه حقيقة الأوضاع الحقوقية، ونظرته لدوره في تحسين تلك الأوضاع، بدلًا من الاكتفاء بتبني الرواية الرسمية وخلق تبريرات لانتهاكات الدولة.
في بداية خطابنا نود تعريفكم بمنظمتنا، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مستقلة تأسست عام 2017 في جمهورية التشيك، على يد عدد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان المستقلين، والغير تابعين لأى حزب أو حركة أو منظمة سياسية، ونسعي من خلال البحث والرصد والتوثيق والمناصرة إلي تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وبالنظر لتصريحكم المشار إليه حول المنظمات المنشأة حديثًا، فنتوقع أننا لسنا ضمن المنظمات التي قمتم بوصفها باعتبارها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
بالنظر للمواضيع الحقوقية التي تناولها حديثكم، وأولها عقوبة الإعدام، ذكرتم بأن “الجرائم التي يتم فيها العقاب فيها بالإعدام تنحصر“، وهو على خلاف الحقيقة، حيث أضيفت خلال السنوات القليلة الماضية عدد من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام، ليصبح الإعدام عقوبة لـ104 جريمة، منصوص عليها في 78 قانون وتشريع مختلفين،وذلك بدلًا من إجراء تغييرات تشريعية تقلص من عدد الجرائم المعاقب بها بتلك العقوبة. آخر هذه التشريعات ما ورد في قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 والذي ينص في (12) مادة منه على أن الإعدام عقوبة عدد من الجرائم مثل إنشاء وإدارة أو تمويل جماعة إرهابية أو التخابر لدى دولة أجنبية. كما تم تعديل المادة (102 أ) في قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 وتحويل عقوبة حيازة مواد مفرقعة إلي الإعدام، إذا وقعت الجريمة تنفيذَا لغرض إرهابي.
وفي مقابل حديثكم عن “عدم صدور أحكام بالإعدام من محاكم استثنائية“، فموثق لدينا إصدار المحاكم العسكرية لعدد غير قليل من أحكام الإعدام، خاصة في قضايا العنف السياسي، وذلك استنادًا على قرار تأمين المنشآت العامة الصادر من رئيس الجمهورية رقم 136 لسنة 2014، والتى تتميز بسرعة انفاذها حال تصديقها من محكمة الطعون العسكرية (30 شخص تم إعدامهم منذ يوليو 2013 في هذا النوع من القضايا). ويعد القضاء العسكري قضاءًا استثنائيًا لتبعيته المباشرة للسلطة التنفيذية، حيث يتم تعيين القضاة العسكريين بقرار من وزير الدفاع، ناهيك عن ما يتعرض له المتهمون في هذه القضايا منذ لحظة القبض عليهم لانتهاكات جسيمة، تخل بأبسط حقوقهم في الحصول على محاكمة عادلة، وهي الظروف التي يتشاركون فيها مع المحكوم عليهم بالإعدام من المحاكم المدنية.
نقطة أخري أُشير إليها في حواركم، هو أن “عقوبة المراقبة الشرطية أفضل من السجن“. والمراقبة الشرطية هي عقوبة يلتزم الشخص بمقتضاها عمليًا، وفقًا لحكمه، بالتواجد في قسم الشرطة بعد انتهاء مدة سجنه، وسلبه حريته لمدة 12 ساعة يوميًا، بما يصاحب تطبيقها من انتهاكات عدة. فبالنظر للقانون رقم 99 لسنة 1945 والمتعلق بتنظيم الوضع تحت مراقبة البوليس، نجد أنه وفقًا للمادة 5 يتم السماح للمراقب باختيار جهة المراقبة ومحل السكن، ولا يُستثنى وفقًا للمواد 6،7 إلًا من كان غير معروف السكن، وهو ما لا يحدث عمليًا، حيث يلتزم المراقبون بالمبيت في قسم الشرطة رغم معلومية مكان سكنهم. إضافة لهذا فيتعرض الشخص المُراقَب لانتهاكات تمنع اندماجه مرة أخري في المجتمع، باعتبارها الفلسفة من وراء تلك العقوبة، حيث يتعرض للمعاملة المهينة داخل قسم الشرطة، وإجباره على تنفيذ أمور خارج إطار العقوبة، وتهديده بالعودة مجددًا للسجن، ورفض إعطاءه أجازات، ناهيك عن تقييد حقه في العمل والدراسة والتنقل داخل البلاد، والمنع من التواصل مع العالم الخارجي خلال فترة المراقبة.
جانب آخر في تصريحاتكم نود التعليق عليه، وهو بأن “هناك تقدم في البنية التحتية للديمقراطية“، وفسرتم ذلك بوجود انتخابات واستفتاءات دون تدخل من الدولة. وبعيدًا عن كون هذا التصريح يعد نوعًا من تبييض وجه السلطات، إلا أنه يتضمن مغالطات كبيرة، حيث أن الانتخابات والاستفتاءات في حد ذاتها ليست دليلًا على الديمقراطية، إذا صاحبها عدم حرية في الترشح أو شابها تأثير من قبل السلطة التنفيذية بشكل مباشر أو غير مباشر على العملية الانتخابية وعلى الحقوق المدنية والسياسية بشكل عام، وإلا عُد وقتها غطاءًا للديكتاتورية والقمع. الأمر الذي تجلى في الانتخابات الرئاسية في مارس 2018 من تنكيل بمرشحي الرئاسة؛ حيث تم إلقاء القبض على كل من رئيس الأركان السابق سامي عنان، والعقيد أحمد قنصوة عقب إعلانهما الترشح للانتخابات، كما تم ترحيل الفريق أحمد شفيق من دولة الإمارات عقب ترشحه للانتخابات. ناهيك عن القبض على عشرات المعارضين والنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان بالتوازى مع هذه الانتخابات، و اتهامهم بالإنضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، ما أدي إلي حصار العديد من الحقوق على رأسها الحق فى حرية الرأي والتعبير والتنظيم والتجمع السلمي.
وبالإشارة لمشروع قانون الجمعيات الأهلية المعروض على البرلمان باعتباره بديل للقانون رقم 70 لسنة 2017، ورأيكم بأنها تمثل “نقلة أمام المجتمع المدني”، وهو الطرح الذي نعارضه، ونرى بأنه لا يختلف كثيرًا عن القانون قبل التعديل، حيث استبدل العقوبات في هذا القانون من السجن إلى الغرامات المالية التي تصل إلي مليون جنيه، وإعطاء الأجهزة الأمنية سلطة الإشراف على أنشطة المجتمع المدني من خلال وحدة الوحدة المركزية للجمعيات التابعة للوزير المختص، والتى ستحدد اللائحة التنفيذية علاقتها بأجهزة الدولة الأخرى. بالإضافة لعدد آخر من الاعتراضات مفند بالتفصيل في بيان مشترك من 10 منظمات حقوقية يرفضون هذا القانون، ويعتبره إعادة تسويق للقمع.
نقطة أخرى وردت في نفس التصريحات وتستحق التأمل، وهو إدعاء “غلق السجون أمام زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان” بتبريرات أمنية مختلفة، وهو التصريح الذي يثير تساؤلات جادة حول طبيعة دور المجلس القومي ومدى صلاحياته، إذا كان نشاطه مرهون بموافقة الأجهزة الأمنية، والتى من حقها على سبيل المثال: تحديد السجون المسموح زيارتها، وتوقيت الزيارة، وحتي أسماء وفد المجلس الموافق على وجوده في هذا النشاط، وما هو الفرق الآن بينها وبين المنظمات الحقوقية المستقلة الممنوع عليها هذه الخاصية من الأساس، والتي تجعلها على إطلاع أوسع بما يحدث داخل السجون. وما إذا كان هذا التصريح دليل على قناعة المجلس بالحد الذي تسمح به الدولة من المتابعة الحقوقية، وعدم رغبته في تعزيز هذا الدور.
تثير هذه الأقوال الصادرة من رأس المجلس القومي لحقوق الإنسان، وتصريحات أخرى سابقة صادرة منه، ومن قيادات المجلس، قلقًا حول مدى إلمام المجلس بتدهور الأوضاع الحقوقية في مصر، ومدى التزامه باتفاقية باريس المتعلقة بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، والتي تنص على دور تلك المجالس في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ودورها في لفت انتباه الحكومة لإنتهاكات حقوق الإنسان، بدلًا من التماس الأعذار لها وتجميل مسلكها في ارتكاب هذه الانتهاكات الممنهجة، ناهيك عن الإدعاء بوجود حملة منظمة من كيانات سياسية معارضة تستهدف إلصاق ارتكاب الدولة لانتهاكات حقوقية واسعة، مثل التعذيب والإخفاء القسري وغياب ضمانات المحاكمة العادلة، والموثقة من منظمات محلية ودولية.