توجه الجبهة المصرية أصابع الاتهام إلي المستشار محمد شيرين فهمي بالمسؤولية عن وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء محاكمته، عبر قيامه بالقصد الاحتمالي تعريض حياة المتهمين في القضايا التي يفصل فيها للخطر، عبر إصراره على التعنت مع حقوق المتهمين وعدم تورعه وضعهم في ظروف من شأنها أن تؤدي إلي تدهور أوضاعهم الصحية. كما تندد الجبهة المصرية بقرار السلطات المصرية مؤخرًا بإنشاء دائرة مستقلة لقضايا الإرهاب والعنف السياسي يكون على رأسها المستشار المذكور، وتعتبر هذا القرار بمثابة ضوء أخضر لكافة الإجراءات التعسفية التي تمارس بحق المتهمين في هذا النوع من القضايا.
ويعرف القصد الاحتمالي، وفقًا لتعريف أحمد فتحي سرور بأنه أحد صور القصد الجنائي العام، عبر توقع حدوث الوفاة كنتيجة ممكنة لمجموعة الأفعال. فهو وإن لم يرد تحقق هذه النتيجة فقد قَبِل بوقوعها وهو ما تحقق هنا في الاتهام الموجه لفهمي بالقتل البطيء لمرسي، عبر تعنته في التجاوب مع شكاوى مرسي حول أوضاعه الصحية، وتسريعه إجراءات المحاكمة وجعلها بشكل يومي على حساب صحة المتهمين، فضلًا عن عدم السماح للمتهمين مع مرسي باسعافه بشكل طارئ عقب سقوطه مغشيًا عليه.
ثلاثة محاور تتهم بها الجبهة المصرية رئيس الدائرة 11 بمحكمة جنايات القاهرة المستشار محمد شيرين فهمي بالتورط في القتل البطيء لمحمد مرسي ووفاته أثناء محاكمته؛ المحور الأول بأنه وعلى على مدار ثلاث سنوات منذ مباشرة محاكمة مرسي وآخرين من قيادات جماعة الإخوان المسلمين المشتركين في القضايا المعروفة إعلاميًا بالتخابر مع حماس، واقتحام الحدود الشرقية، كان فهمي يتعنت في الاستجابة لطلباتهم وخاصة طلبات مرسي بتحسين أوضاعه الصحية، ويرفض إرسال لجنة متخصصة للكشف الطبي عليه. كان مرسي يشتكى من تدهور حالته الصحية داخل السجن، بسبب تعنت الإدارة في إدخال العلاج له وإجراء الفحوصات المناسبة، باعتباره مريض سكر في الأساس، ما أدى لتعرضه لمضاعفات حادة، أدت لإصابته بغيبوبة سكر سقط فيها مغشيًا عليه أثناء المحاكمة أمامه منذ أكثر من عام، ناهيك عن وضعه أثناء نظر الجلسة في قفص منعزل عن بقية المتهمين أثناء الجلسات، بحيث لا يتسنى له سماع أو رؤية أي شخص عدا القاضي، وهو ما يعبِّر عن عزلة تامة، وذلك رغم وجود باب يصل المحبسين في قاعة المحكمة.وبالنسبة لباقي المتهمين في القضيتين المذكورتين والتي يفصل فيهما فهمي، فهم يعانون من أوضاع احتجاز متردية، فهم ممنوعون من الزيارات، ومن التريض، فضلًا عن عدم توفير العلاج لهم، يبدو هذا الاختلاف في معاملته الجيدة مع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أثناء إدلائه بشهادته في قضية اقتحام الحدود الشرقية
المحور الثاني من الاتهام الموجه له بالمسؤولية وفاة مرسي وتعريض حياة وصحة باقي المتهمين للخطر، فهو بناءًا على التسريع الشديد لإجراءات المحاكمة من خلال عقده جلسات المحاكمة منذ أربعة شهور، بشكل يومي، لمدة 6 أيام في الأسبوع في ثلاثة قضايا: هي التخابر مع حماس، اقتحام الحدود الشرقية، ومكتب الإرشاد، والكثير من المتهمين يشتركون في الثلاثة قضايا، ما يسبب عبء وإرهاق بالغ للمتهمين، خاصة للطاعنين في السن، والذين يتوجب عليهم الحضور بشكل يومي لحضور الجلسات، وكذلك على دفاع المتهمين الذي لا يجد الوقت الكافي لتقديم دفوع. أبرز الأدلة على إصرار فهمي على تسريع إجراءات المحاكمة؛ هو أنه وبعد تأجيل جلسات المحاكمة لمدة خمس أيام بسبب غياب أحد المتهمين في القضية (رشاد بيومي) لمرضه ووجوده في مستشفى السجن، إلا أنه ومع عودته استأنف فورًا عقد الجلسات بشكل يومي ابتداء من 16 يونيو قبل يوم من وفاة مرسي. وفي نفس يوم وفاة مرسي في 17 يونيو، وقبل مرافعته، طلب كل من المتهمين: سعد الكتاتني وصفوت حجازي الحديث، واشتكوا من انعقاد الجلسات بشكل يومي، وطالبوا هيئة المحكمة بأن يكون انعقاد الجلسات بشكل أسبوعي، وهو ما ردت عليه المحكمة بالتجاهل.
وبالرغم من توقف جلسات المحاكمة وتجديد الحبس في مجمع محاكم طرة بشكل كامل في الفترة الواقعة بين 20 يونيو 2019 إلى 19 يوليو 2019 بسبب تعذر نقل المتهمين الذي قدمته وزارة الداخلية بسبب تأمين مباريات كأس أمم أفريقيا، إلا أن فهمي التمس استمرار انعقاد جلسات قضاياه. وفي يوم 29 يونيو تقدم المتهم عصام العريان بالتماس يطالب فيه بألا تكون الجلسات بشكل يومي، وأفاد بأن هذا الإنعقاد اليومي يؤثر سلبًا على صحة المتهمين الذين تجاوز عدد كبير منهم الستين أو السبعين من عمره، حيث يؤدي الانعقاد اليومي للجلسات من حرمانهم من الحصول على وجباتهم اليومية في السجن (التعيين) نظرًا لعدم وجودهم في السجن أثناء توزيع الطعام، فضلًا عن حرمانهم من حقهم الضروري في الحركة والحصول على هواء نظيف، وهو ما لا يمكن الحصول عليه أثناء جلوسهم لفترات طويلة في المحكمة،وكعادة الطلبات المقدمة إلي فهمي فقد قوبل طلبه بالتجاهل.
أما المحور الثالث من الاتهام بالتورط في وفاة مرسي فيستند على عدم تعامل هيئة المحكمة بجدية ومسؤولية تجاه سقوط محمد مرسي مغشيًا عليه في قفصه يوم 17 يونيو 2019، ووفقًا للمحامين، حاول أكثر من شخص من المتهمين العبور إلى محبس مرسي عبر الباب الذي يفصل بين المحبسين لإسعافه، نظرًا لامتهان بعضهم مهنة الطب، إلا أن أمن المحكمة رفض ذلك متعللًا بوجود تعليمات بعدم اتصال أي متهم بمرسي. وتُرك مرسي لما يقارب النصف ساعة قبل أن يصل طبيب لفحصه. ووفقًا لكلمة عصام العريان في جلسة المحاكمة في 29 يونيو، أفاد بأن المحكمة تعنتت في إسعاف مرسي، وأضاف بأن حالته الصحية كانت تستدعي تدخل سريع لإنقاذه من الموت، من خلال تدليك منطقة الصدر والقلب، وإنعاش قلبه بصاعق كهربائي، وهو ما لم يحدث. ولم تترك المحكمة لبقية المتهمين الفرصة في المساعدة، رغم استثنائية الوضع.
كان حريًا على السلطات المصرية فتح تحقيق مباشر في ملابسات وفاة محمد مرسي و التأكد المتأني من أسباب الوفاة المفاجأة لمرسي فضلًا عن تدهور حالته الصحية، والتي يمكن القول بأن المسئولية مشتركة بين هيئة المحكمة برئاسة شيرين فهمي مع إدارة السجن، كما أوردنا أعلاه، ومن ثم العمل على محاسبته عن التجاهل/ تأخير النظر في الطلبات المقدمة من المتهمين في قضاياه التي يفصل فيها حول ما يتعرضون له من انتهاكات، وعدم قيامه بتكليف النيابة العامة بالتحقيق فيها، إلا أنه وبدلًا من ذلك قررت السلطات مكافأته في يوليو 2019 و وأنشأت إدارة جنائية، تابعة لمحكمة الاستئناف، تُسند إليها كافة الأعمال الإدارية والفنية المتعلقة بنظر قضايا الإرهاب يكون هو رئيسها، الأمر الذي يكشف عن رغبة السلطة الحالية في تعزيز هذا التوجه في إدارة مرفق القضاء، خاصة في القضايا التي تحتوي على وقائع عنف سياسي، ما ينذر بتزايد الانتهاكات التي يتعرض لها المتهمين و وتعريض حياة وصحة متهمين كثر للخطر الشديد.
تطالب الجبهة المصرية السلطات بمحاسبة المستشار محمد شيرين فهمي لمخالفته القانون عبر تعسفه ضد حقوق المتهمين المكفولة بالدستور والمواثيق الدولية، وذلك بدلًا من السعي لمكافأته وتصعيده إداريًا. وتحمل الجبهة المصرية فهمي مسئولية الاشتراك في وفاة مرسي، وقبله المرشد الأسبق محمد مهدي عاكف، وتعنته في السماح بتحسين ظروف احتجازهم ومحاكماتهم، مع علمه بالآثار السلبية لهذا التعسف على حياتهم وتدهور أوضاعهم الصحية السيئة بالفعل.كما ترى الجبهة المصرية بأن هذه الأفعال لا يمكن فصلها عن مواقفه السياسية من معارضي النظام الحالي من تيارات علمانية وإسلامية، والتى تتضح من أحكامه القاسية ومنطوقها الذي يكشف عن عقيدة سياسية مشابهة للرواية الرسمية للدولة، خاصة تجاه الأحداث التي تلت ثورة يناير 2011، بما يخالف مبدأ حياد القاضي.