تدين الجبهة المصرية الإجراءات التعسفية الموسعة التي قامت بها السلطات والأجهزة الأمنية المصرية، والتي طالت أعداد كبيرة من المواطنين، وذلك في إطار دعوات بالتظاهر طالبت برحيل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عن حكم البلاد يوم الجمعة المقبلة 27 سبتمبر، في تطبيق غير مسبوق لحالة الطوارئ المستمرة من أبريل 2017، وكأن البلاد مُقبلة على حرب أو كارثة طبيعية، وليس مجرد تظاهرات سلمية، في حالة وإن أتاحت سلطة أوسع للحكومة، فإنها لا تتيح انتهاك الحريات الأساسية. وترى الجبهة بأن السلطات المصرية في تعاملها مع المطالب السياسية تبدو كأنها لا تفرق بين النظام والدولة، وتعتبر بأن أى دعوات لرحيل رأس النظام هو تهديد للدولة، وهو ما يمكن أن يفسر هذه الحالة من التأهب القصوى والاستعدات الأمنية المشددة، بما صاحبها من انتهاك واسع للحقوق والحريات الشخصية.
كانت السلطات المصرية خلال أسبوع كامل، وبعد تظاهرات عفوية انطلقت في عدد من المحافظات المختلفة منذ مساء 20 سبتمبر، قد فرضت حالة واسعة من الإجراءات الاستثنائية تمثلت في عدد من المظاهر، على رأسها التطويق الأمني مستمر لأماكن التظاهرات المحتملة، والقبض العشوائى لمئات المواطنين، واحتجازهم والتحقيق معهم في ظروف سيئة، فضلًا عن انتهاك الخصوصية الشخصية للمواطنين عبر حملات مداهمة المنازل والتوقيف المتكرر في الشوارع. في تطبيق أكثر صرامة لحالة الطوارئ المعتادة، وهي الحالة التي تعطي صلاحيات استثنائية للسلطة التنفيذية، مثل القبض للاشتباه ومداهمة المنازل، لمواجهة حالة غير عادية، وتستعملها السلطات عندما ترى بأن القوانين والإجراءات العادية عاجزة عن مواجهتها.
بممارستها هذه الإجراءات الاستثنائية المتوسعة تخالف السلطات المصرية الحقوق المنصوص عليها في دستور 2014 المعدل، والفقرة 1 من المادة 4 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والتي توجب عدم تعطيل الحقوق والحريات الأساسية حتي في ظل حالة الطوارىء، حيث تنص على أنه: “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة، والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ، في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع، تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد، شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي.” وبالنظر للانتهاكات التي قامت السلطات بارتكابها على خلفية هذه الإجراءات، فقد تم انتهاك الحق في التظاهر والتجمع السلمي، والحق في المشاركة السياسية، وعدم المعاملة القاسية، فضلًا عن الحق في الحصول على وسائل انتصاف فعالة ومحايدة.
ووفق شهادات عدة من محامين وشهود عيان، فقد فرضت السلطات طوقًا أمنيًا واسعًا حول أماكن التجمعات والتظاهرات وقامت بالإنتشار الأمني المكثف في هذه المناطق، وعلى رأسها منطقة وسط القاهرة، حيث قامت بعمل كمائن متحركة في الشوارع، والتوسع في دائرة الاشتباه في المواطنين العاديين، واستيقافهم من قبل شرطيين يرتدون زيًا مدنيًا، وتفتيش أغراضهم وبطاقاتهم الشخصية، وفحص هواتفهم المحمولة وحساباتهم الشخصية ووسائل التواصل الاجتماعي بهدف التعرف على مواقفهم السياسية. ليس هذا فحسب، فوفق شهادات أخري، قامت الأجهزة الأمنية بشن حملات مداهمة عشوائية لبيوت مواطنين، خاصة ممن قاموا بتصوير التظاهرات في مناطقهم مثل الصحفي سيد عبد اللاه، والذي تم تدمير منزله أثناء عملية القبض عليه، أو القبض على أشخاص من بيوتهم لمجرد قيامهم بمشاهدة قنوات تلفزيونية معارضة مثل قناة الجزيرة. وهو ما يعد انتهاكًا صريحًا للمادة 57 من الدستور المصري، والذي ينص على أن : “للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفي الأحوال التي يبيّنها القانون”.
كما عمدت السلطات على خلفية المظاهرات إلي الاستيقاف والقبض العشوائي على مئات المواطنين، تقدرهم مؤشرات حقوقية بما يقترب من الألفي شخص، فيما تم التحقيق خلال أربعة أيام سابقة لما يصل إلي 900 شخص. كان قد ألقي القبض على عدد كبير من هؤلاء الأشخاص لمجرد تواجدهم حول الأماكن التي شهدت تظاهرات يوم الجمعة، وذلك مع عدم اشتراكهم فيها، وعدم انتمائهم للحركات وأحزاب سياسية، وانحدارهم لطبقات شعبية بسيطة. وقد تعرض المتهمون في هذه القضايا لأنواع مختلفة من الانتهاكات تخل بحقوقهم المكفولة بالقانون والمواثيق الدولية، حيث احتجازهم في معسكرات قوات الأمن في ظل أوضاع احتجاز سيئة مثل التكدس وسوء أوضاع التغذية والرعاية الطبية، وعدم تمكينهم من التواصل مع ذويهم أو محاميهم. وعند عرضهم على النيابة، تم التحقيق مع بعضهم بشكل جماعي. وذلك في ظل التضييق على المحامين، وتقييد تمكينهم من تقديم حق الدفاع المكفول للمتهمين.
وفي سياق متصل، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة شملت معارضين وأعضاء أحزاب وحركات سياسية، حيث ألقت القبض على عدد من قيادات أحزاب مثل: الكرامة والتحالف الشعبي والدستور والاستقلال، وعدد من المعارضين أبرزهم الأكاديميان البارزان حسن نافعة وحازم حسني. في حين ألقت قوات الأمن القبض على بعض الأشخاص من جنسيات مختلفة في محيط ميدان التحرير واتهامهم بارتباطهم بالتظاهرات الدائرة، وهو ما يمكن في ضوئه فهم تحذير السفارات الأمريكية لرعاياها من التواجد في محيط أماكن التظاهرات في مصر.
تفتح هذه الحالة المتصاعدة للإجراءات الاستثنائية الباب على مصراعيه أمام تساؤلات عدة، مثل ماهية المعيار الذي على أساسه قررت السلطات المصرية رفع حالة الطوارئ للدرجة القصوى، لدرجة إرهاب المواطنين وبث الفزع والرعب في نفوسهم وتخويفهم من ممارسة حقوقهم وحرياتهم في أى وقت؟ وإلى متى يمكن أن تستمر الأجهزة الأمنية في هذه الحملة الأمنية المشددة، خاصة مع اتساع دائرة الاشتباه هذه المرة لتشمل عموم الناس.
تطالب الجبهة المصرية السلطات بالتوقف فورًا عن التطبيق غير المسبوق لحالة الطوارئ في مصر، والتي انتهكت على خلفيتها حقوق وحريات المئات إن لم يكن الآلاف من عموم المواطنين، فضلًا عن إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية هذه الأحداث. وترى الجبهة المصرية بأنه كان من الواجب على السلطات، ةبديلًا عن القمع الافتراضي لحراك عفوى، العمل على الإنصات الكامل لهذه الدعوات و ما تحمله من مطالب ودلالات سياسية، واحترام حقوق المواطنين وحقهم في التظاهر والتعبير عن الرأي والتجمع السلمي، بل و ضمان حمايتها.