في البدء، كان الاعتقال الإداري هو الحل الأمثل للدولة المصرية حينما يكون الأمر مرتبطًا بالمعارضين، أو أي شخص يمكن أن يسبب إزعاجًا للسلطات، فكان الأمر ينتهي بقرار يصدره رئيس الجمهورية، يتم بموجبه تقييد حرية المرء موضوع القرار إلى أجل غير مسمى، لكن الوضع تغير، فبعد حكم المحكمة الدستورية في 2 يونيو 2013 بإلغاء جزء من المادة 3 من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، والتي تنص على أنه “يحق لرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابى أو شفوي القبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية” أصبح الأمر أكثر صعوبة، حيث لم يعد من الوارد تقييد حرية الأفراد واحتجازهم إلا بسبب حبسهم احتياطيا على خلفية اتهامهم بشكل معلن، في إحدى القضايا.
فيما يخص الحبس الاحتياطي، كان الأمر يرجع إلى المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية والتي تنص على أنه “في جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”
ولأن الاحتجاز عامين ليس كافيًا من وجهة نظر السلطات، لم يمضي كثيرًا على حكم محكمة النقض، حتى أصدر عدلي منصور الرئيس المؤقت في ذلك الحين، قرارًا رئاسيًا،برقم 83 لسنة 2013،لتعديل المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية حيث أُضيفت الفقرة الآتية، ” ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرًا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها فى الفقرة السابقة”
إذًا، لم يعد الاعتقال الإداري متاحًا، لكنه مازال من الممكن تعديل القانون و وإضافة فقرات وخلق استثناءات تقنن احتجاز الأفراد ومعاقبتهم بشكل استباقي دون حكم محكمة إلى ما لانهاية.
الوضع الآن اختلف كثيرًا، فإلى جانب التحايل على القانون وإتاحة تفصيلُه بشكل يجعل من الاستثناء قاعدة، أصبح هناك ممارسات جديدة، حيث تفتق ذهن السلطات عن أداة جديدة، لم نحتجز الأفراد على ذمة قضية واحدة مادام ممكنًا أن نغرقهم في تفاصيل أكثر من قضية، صار من الممكن الإبقاء على الاعتقال الإدارى في شكل جديد بالتحايل على حكم المحكمة الدستورية، باستخدام ثغرات القانون التي خلقت عمدًا.
في 15 ديسمبر، عمت حالة من الدهشة والاستنكار، بعد أن واجه محمد القصاص، نائب رئيس حزب مصر القوية والمحبوس منذ ما يقرب من عامين ، على ذمة القضية رقم 977 لسنة 2017، اتهامات جديدة كانت سببًا في ضمه إلى قضية جديدة برقم 1781 لسنة 2019ما أدى إلى حبسه احتياطيًا من جديد بعد أن صدر قرار لا رجعة فيه من النائب العام بإخلاء سبيله قبل وقت قصير من انتهاء المدة القانونية لحبسه احتياطيًا.
يواجه القصاص، المحبوس احتياطيًا في زنزانة انفرادية على خلاف ما نصه القانون في شأن المحبوسين احتياطيًا، اتهامات بتقديم الدعم المادي لجماعة الإخوان المسلمين لتنفيذ مخططهم وإعطاء تكليفات لبعض العناصر المرتبطة بالتنظيم ومن بينهم، وعقد لقاءات أثناء تردده على النيابات والمحاكم لتجديد حبسه مع بعض قيادات جماعة الإخوان لتفعيل دور لجان الدعم المالي لعناصر التنظيم. وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل، كيف يمكن لإنسان تقتصر تعاملاته الاجتماعية على الزيارات التي يتلقاها من أهله في سجن طرة على فترات متباعدة باذن من نيابة أمن الدولة، إلى جانب تجديدات حبسه في النيابة التي تتم كل 45 يومًا أن يقوم بعقد اجتماعات وتمويل جماعات أسست على خلاف القانون؟
أمامنا خيار من اثنين، إما أن جهاز أمن الدولة الذي قام بإجراء التحريات اعتمد على التلفيق دون الاستناد على أدلة حقيقية بغرض الإبقاء على القصاص محتجزًا بسبب عدم إمكانية اللجوء إلى الاعتقال الإداري، وهو ما يعني أن هذه الاتهامات غير حقيقية، وإما أن ما ورد في التحريات أمر يستند على أدلة ملموسة وهو ما يعني أن هذه التحريات من المنطقي أن توجه اتهاماتها لممثلي وزارة الداخلية بالتبعية لأنه في حال صحة كلام نيابة أمن الدولة فلا مفر من أن يكون موظفو وزارة الداخلية من الضباط القائمين على إدارة السجن وقوات التأمين في مبنى النيابة متورطين في مساعدة القصاص، في عقد هذه اللقاءات بتوفير الوقت والمكان لهذه اللقاءات وتأمين عقدها وإتمامها وبالتالي يجعل وزارة الداخلية بشكل ما شريكة في الاتهام.
ما يمكن أن نستخلصه من وضع القصاص القانوني الحالي، هو أن أجهزة الدولة المصرية في مواجهة نفسها الآن، حيث أنه عليها إما أن تثبت صحة تحرياتها وبالتالي تعلن فساد وزارة الداخلية فيما يخص إدارة السجون وتأمين المحتجزين، و إما أن تبريء وزارة الداخلية وبالتبعية تؤكد على فساد جهاز أمن الدولة الذي يلفق اتهامات تحايلًا على القانون، رغبة منه في إيجاد بديل للاعتقال الإداري.
محمد القصاص ليس الوحيد الذي يتعرض إلى التنكيل باستخدام القانون، حيث أصبح هناك توجه جديد من قبل الدولة تطور من خلاله أنماطًا وآليات عدة تساعد على إبقاء الكثيرين محتجزين مهما اختلفت أوضاعهم القانونية سواء كانوا متهمين محبوسين احتياطيًا أو خاضعين لتدابير احترازية، أو حتى محكومين أنهوا عقوباتهم أو في خضم تأدية عقوباتهم التكميلية الممثلة في المراقبة الشرطية.
توضح الجبهة المصرية في الجزء التالي، 6 أنماط ابتكرتها السلطات في ” تدوير ” القضايا وجعل المواطنين يدورون في حلقات مفرغة من الاتهامات القائمة على تحريات غير مفصلة بالرغم من أن هذه التحريات لا يمكن أن تعتبر قرائن اتهام.
هذه الأنماط هي:
1- الحبس على ذمة قضيتين من البداية
2- الحبس على ذمة قضية جديدة بعد شهور من الحبس
3- فتح قضية جديدة بعد إخلاء السبيل من قضية أولي
4- الحبس بعد إخلاء السبيل وأثناء قضاء التدابير
5- الحبس أثناء مرحلة إخلاء السبيل بعد تنفيذ حكم بالسجن
6- الحبس أثناء قضاء حكم المراقبة الشرطية
أولًا: تدوير القضايا في مراحل الحبس الاحتياطي وبدائله
1- الحبس على ذمة قضيتين من البداية
في هذه الحالة تقوم السلطات بوضع المتهم في قضيتين منذ الأيام الأولي لحبسه، واتهامه في القضيتين بتهم شبه مماثلة، والتي تكون بناءً على محضر مقدم من أشخاص أو من النيابة نفسها. الأمر الذي يؤدي لاستمرار حبسه حتي بعد إخلاء سبيله من قضية لحين انتهاء النظر في القضية الأخرى.
حدث هذا مع الناشط محمد عادل، والذي تم إلقاء القبض عليه من قسم أجا بمحافظة الدقهلية أثناء قضائه المراقبة الشرطية يوم 19 يونيو 2018 وعرضه على نيابة المنصورة الكلية التى قامت بحبسه على ذمة القضية رقم 5606 لسنة 2018 إداري أجا بتهمة نشر أخبار كاذبة وذلك بناءً على بلاغ مقدم من أحد المواطنين يتهمه بكتابة منشورات تستهدف استقرار الدولة المصرية على صفحته على موقع فيسبوك، ليفاجىء بعد أسبوعين فقط في 5 يوليو بأنه يتم التحقيق معه في نيابة مركز شربين في قضية جديدة متهم فيها باتهامات مماثلة للقضية الأولي وهي قيادة جماعة أسست على خلاف القانون (حركة 6 أبريل) هدفها التحريض على كراهية الدولة ومؤسساتها بالإضافة لنشر أخبار كاذبة.
تعرضت أيضًا لهذه الحالة الناشطة أمل فتحي والتي تم إلقاء القبض عليها فجر 11 مايو 2018 على إثر نشرها فيديو تتحدث فيه عن واقعة تحرش ومثلت للتحقيق في نيابة المعادى على ذمة القضية رقم 7991 لسنة 2018 جنح المعادي، على خلفية اتهامها بـ إساءة استخدام وسائل الاتصالات ونشر مقطع فيديو يتضمن أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام. لتفاجأ هي والمحامين في نفس اليوم بوجودها على ذمة القضية 621 لسنة 2018 أمن دولة، والمحبوس على ذمتها نشطاء آخرين، بتهمة مماثلة للقضية الأولي وهي: الانضمام لجماعة إرهابية، واستخدام موقع على شبكة المعلومات الدولية بغرض الترويج لأفكار ومعتقدات الداعية لارتكاب أعمال إرهابية، وإذاعتها عمداً أخبار وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة.
2- الحبس على ذمة قضية جديدة بعد شهور من الحبس
في بعض الحالات تقوم النيابة بوضع متهمين بعد شهور عدة من استمرار حبسهم على ذمة قضية أخري بناءً على محضر اتهام، والتي غالبًا ما تكون اتهاماته شبه مماثلة لاتهامات القضية القديمة، ما يجعله مثل الحالة الأولى حتى في حال إخلاء سبيله من واحدة فإنه سيكون تلقائيًا على ذمة قضية أخرى.
أبرز من واجه هذا النمط هما الحقوقيان عزت غنيم وعزوز محجوب، المحبوسان منذ بداية مارس 2018 على ذمة القضية 441 على خلفية تواصلهم ودفاعهم مع السيدة أم زبيدة إبراهيم المشكوك في اختفاء ابنتها قسريًا والمتهمين بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون والدستور والعمل على تعطيل مؤسسات الدولة ومنعها من ممارسة عملها، ليُفاجئا بعد أكثر من عام في 28 يوليو 2019 بالتحقيق معهما على ذمة القضية 1118 لسنة 2019 أمن دولة، بتهم شبه مماثلة وهي الانضمام لجماعة إرهابية، وهو ما يجعلهما حاليًا على ذمة قضيتين في نفس الوقت، يتم النظر في الثانية عند انتهاء نظر الأولي.
جدير بالذكر بأن استمرار حبسهما حتى اليوم على ذمة القضية 441 لسنة 2018، كان نتاج انتهاك آخر من قبل الأجهزة الأمنية، وهو أنه وعند قرار المحكمة إخلاء سبيلهما عبر استبدال حبسهم الاحتياطي بالتدابير الاحترازية في 4 سبتمبر 2018 تم إخفائهما قسريًا واقتيادهما من مركز شرطة الهرم بمحافظة الجيزة إلى مكان آخر غير معلوم لأكثر من 4 شهور، ما جعل محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار حسن فريد تصدر قرارا بسرعة ضبطهم وإحضارهم لعدم تنفيذهما التدابير الاحترازية، وعند ظهورهما في معهد أمناء الشرطة في 10 فبراير قررت المحكمة برئاسة فريد استمرار حبسهما على ذمة نفس القضية، وذلك على الرغم من دفعهم أمام المحكمة بأنهم كانوا مختفيين قسريًا بمعرفة السلطات طوال هذه المدة.
3- فتح قضية جديدة بعد إخلاء السبيل من قضية أولي
هذه الحالة هي الأكثر شيوعًا من بين حالات تدوير القضايا، وهي أن تقوم النيابة بعد قرار إخلاء سبيل المتهم من المحكمة أو حتى من نفس النيابة سواء قبل أو بعد انتهاء الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، وقبل خروجه حرًا أو ” على الأسفلت” يتم استدعاء المتهم مرة أخري بناءً على محضر اتهام أمني، بتهم شبه مماثلة أو بتهم تتعلق بأمور داخل السجن، حتي لو كانت بعيدة عن المنطق، ومن ثم يتم حبسه مرة أخري على ذمة القضية الجديدة.
أبرز هذه الحالات هو ما تعرض له الناشط محمد القصاص ونائب رئيس حزب مصر القوية من ضمه يوم 15 ديسمبر 2019 إلي القضية 1781 لسنة 2019 بتهم الانضمام لجماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وذلك أثناء انتظاره الإفراج عنه بعد إخلاء النيابة سبيله في 12 ديسمبر 2019 بعد 22 شهر من حبسه انفراديًا في سجن شديد الحراسة 2 على ذمة القضية 977 لسنة 2017 والمتهم فيها بالانضمام لجماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد بقصد تكدير السلم العام في إطار أهداف جماعة الإخوان الإرهابية.
تعرض لهذا النمط أيضًا المدون إسلام الرفاعي (خرم) والذي بعد إخلاء سبيله على ذمة القضية 977 لسنة 2017 حصر أمن دولة، تم وضعه على ذمة القضية 441 لسنة 2018 عقب محضر تحريات من جهاز الأمن الوطني يفيد تواصله مع منظمات حقوقية أجنبية منها منظمتي هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية للضغط على السلطات لإطلاق سراحه فى القضية السابقة.
واجه هذا الأمر أيضًا المحامي إبراهيم متولي والذي تم إلقاء القبض عليه أثناء سفره لجنيف لاجتماع مع الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، فبعد إخلاء سبيله منتصف أكتوبر 2019 بعد عامين من حبسه احتياطيًا على ذمة القضية 900 لسنة 2017 بتهم تنظيم جماعة أسست على خلاف القانون، تم إخفاؤه قسريًا في مقر الأمن الوطني بمحافظة كفر الشيخ ليظهر بعدها على ذمة القضية 1471 لسنة 2019 بتهم شبه مماثلة وهي الانضمام لجماعة إرهابية وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الجماعات الإرهابية.
ويمكن القول بوجود عدد من قضايا أمن الدولة ظهرت مع منتصف 2019 قوامها عملية التدوير، على رأسها، القضايا رقم 800، 1118 لسنة 2019، فعقب إخلاء سبيل علا القرضاوي بعد عامين من حبسها على ذمة القضية 316 لسنة 2017 أمن دولة والمتهمة فيها بالانضمام لجماعة إرهابية، تم حبسها على ذمة القضية 800 لسنة 2019 أمن دولة بتهم شبه مماثلة وهي الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها من داخل محبسها، وهي نفس القضية المحبوس على ذمتها الآن سمية ناصف ومروة مدبولي، وذلك عقب إخلاء سبيلهما بعد 7 أشهر من حبسهما على ذمة القضية 1552 لسنة 2018، هذا بالإضافة لعدد كبير من المتهمين تم وضعهم عقب إخلاء سبيلهم على ذمة هذين القضيتين.
4- الحبس بعد إخلاء السبيل وأثناء قضاء التدابير
يظهر هذا النمط عند إخلاء سبيل المتهم بالتدابير الاحترازية، وبعد شهور من التزام المتهم بقضاء التدابير الاحترازية وتردده على القسم في الفترات المحددة له أسبوعيًا، يتم القبض عليه وإخفائه قسريًا لفترات، ليظهر بعدها في النيابة بناءً على محضر اتهام، ويتم حبسه على ذمة قضية أخري.
تظهر هذه الحالة بوضوح مع ما حدث للشاب أحمد محيي والذي قام برفع يافطة “ارحل” في ميدان التحرير، والذي تم حبسه على ذمة القضية 1739 لسنة 2018 أمن دولة بتهم التجمهر ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، واساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، وبعد إخلاء سبيله في يوليو 2019 بالتدابير الاحترازية وأثناء قضائه لها، تم القبض عليه مجددًا ووضعه على ذمة القضية 488 لسنة 2019 بتهم شبه مماثلة هي الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.
حدث هذا أيضًا مع المحامي العمالي هيثم محمدين، والذي تم إلقاء القبض أثناء قضائه التدابير الاحترازية على ذمة قضية سابقة، وتم وضعه على ذمة القضية 741 لسنة 2019 والمتهم فيها بمشاركة جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف أحكام القانون، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة. تم ذلك في 16 مايو 2019 حيث ألقت قوات قسم الصف بالجيزة القبض عليه أثناء قضائه للتدابير الاحترازية كبديل لحبسه الاحتياطي على ذمة القضية 718 لسنة 2018 والمعروفة بقضية “معتقلي المترو”و المخلي سبيله فيها في أكتوبر 2018.
حدث هذا أيضًا مع الناشط محمد أكسجين والذي أخلي سبيله بالتدابير الاحترازية على ذمة القضية 621 لسنة 2018 أمن دولة في 20 يوليو 2019، ليتم القبض عليه مجددًا أثناء قضائه للتدابير الاحترازية في 21 سبتمبر 2019 من قسم شرطة البساتين، وظهر بعد إخفاء قسري دام حوالي أكثر من أسبوعين في نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 1356 لسنة 2019 بتهم مشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة واساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي
ثانيًا: تدوير القضايا مع مراحل تنفيذ الأحكام القضائية
1- الحبس أثناء مرحلة إخلاء السبيل بعد تنفيذ حكم بالسجن
في هذه الحالة تقوم النيابة، وأثناء إخلاء السلطات سبيل محكوم عليهم بعد تنفيذهم مدة العقوبة المقررة في الحكم القضائي بإحالتهم لقضية جديدة بناءً على محضر أمني باتهامات جديدة، يبدأون فيها دورة جديدة من الاحتجاز.
نموذج آخر على هذا النمط ما حدث مع المحكوم عليه جهاد الحداد، فعقب إخلاء سبيله بعد 6 سنوات بعد الحكم ببراءته من قضيتي التخابر مع قطر وغرفة عمليات رابعة، وقبل إخلاء سبيله عمليًا تم وضعه على ذمة قضية أخرى رقمها 1400 لسنة 2019 أمن دولة باتهامات تولي قيادة جماعة ومدّها بمعلومات وتعليمات خلال سجنه.
2- الحبس أثناء قضاء حكم المراقبة الشرطية
ووفقًا لهذا النمط تقوم السلطات بالحبس مجددًا لمتهمين يقضون عقوبة المراقبة الشرطية الواردة في الحكم الصادر عليهم، والذين يلتزمون وفقًا لها بالتواجد في قسم الشرطة التابعين له لمدة 12 ساعة يوميًا، بموجب القانون رقم 99 لسنة 1945 وذلك عبر وضعهم على ذمة قضايا جديدة وحبسهم احتياطيًا فيها.
أبرز الأمثلة على هذا ما حدث مع الناشط علاء عبد الفتاح، والذي رغم إخلاء سبيله في مارس 2019 بعد سجنه 5 سنوات على ذمة القضية المعروفة بقضية مجلس الشورى، وتطبيقه لعقوبة المراقبة الشرطية في قسم الدقي، إلا أنه ألقي القبض عليه صباح 29 سبتمبر من القسم ووضعه في القضية رقم 1356 لسنة 2019 أمن دولة بتهمة نشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة إرهابية إيثارية أسست على خلاف القانون- رفضت السلطات تحديد اسمها وهويتها- وتمويل جماعة إرهابية، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
مثال آخر على هذا ما تم مع الناشط عبد الرحمن طارق والمخلى سبيله بعد سجنه على ذمة القضية 12058 لسنة 2013 جنايات قصر النيل، والمقيدة برقم 1343 لسنة 2013 كلي وسط القاهرة و المعروفة إعلامياً بمجلس الشوري ، إلا أنه اختفى قسريًا يوم 10 سبتمبر بعد إلقاء القبض عليه من محل مراقبته في قسم قصر النيل ليتم وضعه بعد ذلك على ذمة القضية 1331 لسنة 2019 أمن دولة بتهم الانضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها.
خلاصة
ستة أنماط، قابلة للزيادة، ساعدت في خلق عشرات القضايا التي تضم مئات المتهمين، اعتمادًا على اتهامات واسعة وفضفاضة، مثل الانضمام لجماعات أسست على خلاف القانون ولا أحد يعرف لها اسمًا، أو نشر الأخبار الكاذبة، والإضرار بالمصلحة العامة أو التحريض على كراهية الدولة. وبالنظر إلى التحريات التي هي أساس هذه الاتهامات يتضح أنها لا تستند على أي أدلة ملموسة أو شهود بخلاف رجال الشرطة، ويتأكد ان الوضع الحالي ليس سوى حالة جديدة من الطوارئ التي تسبق عام 2013 لكن بشكل وتصدير جديد.
تنص المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد. لكن الوضع الحالي ليس سوى دائرة مفرغة من انتظار اتهامات متشابهة وغير محددة تكون سببًا في احتجاز المئات تعسفيًا حتى إشعار آخر.
على الدولة المصرية أن تحدد موقفها وأن تكون أمينة مع نفسها قبل أن تكون أمينة مع المواطنين، وفي سبيل أن تحفظ هيبتها واحترامها في أعين المصريين، عليها أن تتوقف عن هذه الأساليب الملتوية في التحايل على عدم إمكانية اللجوء للاعتقال الإداري، وأن تحترم القانون بحق.
يجب أن تتخلى السلطات المعنية، عن الإصرار على اللجوء للحبس الاحتياطي، في ظل تواجد بدائل يمكن اعتمادها، وإفراجها عن جميع المحبوسين ممن لهم محل سكن معلوم ولا يخشى هروبهم. فضلًا عن ضرورة تيسير أعمال دفاع المتهمين بإطلاعهم على المصادر الحقيقية للتحريات، ذلك بخلاف أهمية احترام ذكاء الآخرين عند توجيه الاتهامات لأن الارتكان على السلطة وعدم قدرة أحد على مناقشة الدولة فيما توجهه من اتهامات جعلها تقع في فخ الاستسهال، والذي سيساهم في توجيه الاتهام للدولة بذاتها، ذلك إما بكون موظفيها متواطئين في حال كانت الاتهامات صحيحة أو بكونها تلفق الاتهامات رجوعًا لنية سيئة في حال كانت الاتهامات غير حقيقية.