تعرب الجبهة المصرية عن بالغ قلقها من الظروف الكارثية للمحتجزين في أقسام الشرطة المصرية، والاستهانة التي تتعامل بها الأجهزة الأمنية مع فيروس كورونا (كوفيد – 19)، مما قد يؤدي لتحولها قريبًا إلى بؤر تفشي للوباء يصعب السيطرة عليها. ففي ظل جائحة عالمية وازدياد استثنائي لوتيرة الإصابة اليومية في مصر، والتي تخطت حاجز الألف حالة يوميًا، يبدو أن السلطات الأمنية تفضل سياسة التعتيم الإعلامي على أخبار الإصابة بفيروس كورونا بدلًا من اتخاذ إجراءات احترازية جادة تضمن سلامة المتواجدين بالأقسام من محتجزين وإداريين أو أفراد أمن لمنع انتشار الفيروس بينهم. وإجراء المسحات للمشتبه بإصابتهم، وسرعة عزل المصابين منهم. وذلك في ظل إصرار حثيث على زيادة وتيرة عمليات القبض، خاصة في قضايا الرأي أو حتى المقبوض عليهم لخرقهم حظر التجوال، الأمر الذي يساهم في الاكتظاظ داخل الأقسام، ما يساهم في تحويلها إلى بيئة خصبة لانتشار المرض.
في نهاية شهر مارس، أعلنت وزارة الداخلية اتخاذ الإجراءات الاحترازية تطبيقًا لخطة الحكومة الوقائية لمواجهة فيروس كورونا، وذلك في كافة المنشآت والجهات الشرطية، وبعد ذلك نشرت صورًا ومقاطع مسجلة لمصلحة السجون تقوم بتطهير السجون لسلامة جميع المحتجزين والعاملين. من ناحية أخرى لم يتم الإعلان عن عمليات مشابهة لتطهير وتعقيم أماكن الاحتجاز في أقسام ومراكز الشرطة. وتجدر الإشارة إلى أنه رغم هذه الإجراءات المُعلن عنها في السجون، ترددت أنباء وأخبار عن الكثير من حالات الاشتباه بالإصابة بالفيروس إلى جانب عدد من حالات الوفاة بالسجون، بينما لم تقم وزارة الداخلية بالتفاعل مع هذه الأخبار لتؤكد أو تنفي صحتها، ذلك في ظل تعليق زيارات الأهالي لذويهم وغياب أي معلومة توضح الوضع الصحي لديهم، وهو الوضع ذاته الذي يسري على أقسام الشرطة، إن لم يكن أسوأ، حيث تحولت من أماكن احتجاز مؤقتة يقضي بها المتهمون فترة بعد القبض عليهم قبل إيداعهم في السجون، لتصبح أماكن احتجاز مطول في ظروف غير آدمية بالمرة ، وفي إطار متابع الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لأداء منظومة العدالة الجنائية في مصر في ظل انتشار فيروس كورونا، حاولت الجبهة تقصي أوضاع المحتجزين في بعض أقسام الشرطة، وذلك من خلال التوثيق مع ثمانية من أهالي المحتجزين ومحاميهم.
أماكن احتجاز غير رسمية: أوضاع المحتجزين بأقسام الشرطة في غياب لوائح أو قواعد منظمة
في ظل الوضع الحالي، تزداد أعداد المحتجزين في أقسام الشرطة نتيجة لارتفاع وتيرة القبض على خلفية كسر حظر التجوال من ناحية، إلى جانب ارتفاع أعداد المقبوض عليهم على ذمة قضايا أمن الدولة بدعوى اتهامهم بنشر أخبار كاذبة من ناحية أخرى، ما يجعل أقسام الشرطة وتحديدًا في القاهرة بها تكدسات عالية.
تنص المادة 1 مكرر من القانون 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، على أن “يودع كل من يُحجز أو يُعتقل أو يُتحفظ عليه أو تُسلب حريته على أي وجه، في أحد السجون المبينة في المادة السابقة” ونصت هذه المادة السابقة على أن السجون أربعة أنواع وهي:
(أ) ليمانات.
(ب) سجون عمومية.
(ج) سجون مركزية.
(د) سجون خاصة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية، تعين فيه فئات المسجونين الذين يودعون بها وكيفية معاملتهم وشروط الإفراج عنهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوضع القانوني لأماكن الاحتجاز الملحقة بقسم الشرطة، مبهم وغير واضح، حيث أن قانون تنظيم السجون أسقط تعريفها بين أنواع السجون في مصر، ما يعني أن أقسام الشرطة بلا لوائح أو قواعد منظمة، وهو ما يجعلها خاضعة إما للعرف السائد، أو لأهواء القائمين عليها من ضباط وزارة الداخلية.
يختلف تعامل النيابات في قضايا كسر الحظر، فهناك نيابات تقوم بإخلاء سبيل المتهمين بعد عرضهم عليها ونيابات أخرى -كنيابات شمال الجيزة – تحيل المقبوض عليهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ ويصدر ضدهم أحكام بالحبس، لكنهم يظلون فى أقسام الشرطة، بمخالفة المادة 18 من قانون العقوبات التي تنص على أن تنفيذ عقوبة الحبس يتم في أحد السجون المركزية أو العمومية، حيث تمتنع السجون عن استلام المحتجزين الجدد بصفة عامة بدون تحليل كورونا، بينما لا تستطيع الأقسام إجراء تحاليل للمتهمين. وبالتبعية يظل المحتجزون عالقين بالأقسام في وضع حرج، خاصة مع وجودهم في أماكن غير مخصصة لاستقبالهم لفترات طويلة، حيث يحرمون من الإضاءة والتهوية ومن حقهم في التريض والرعاية الصحية المطلوبة، والحد الأدنى من الظروف المعيشية الآدمية.
أما فيما يخص المحبوسين احتياطيًا، فيمكن القول أن وجودهم في القسم لفترات مطولة مخالف للقانون، حيث تنص المادة المادة 41 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “لا يجوز حبس أي إنسان إلا في السجون المخصصة لذلك” وبما أنه لم يتم تحديد أماكن الاحتجاز الملحقة بأقسام الشرطة في قانون تنظيم السجون، على أنها أماكن مخصصة لاستقبال المحبوسين احتياطيًا، فإنه لا يمكن اعتابارها سوى مكان احتجاز غير رسمي. ومن خلال ما قامت به الجبهة من توثيق يتأكد أن المحتجزين في أقسام الشرطة لشهور بمخالفة القانون لا يتمتعون بأي من حقوقهم بوصفهم محبوسين احتياطيًا والتي تنص عليها المواد 14، 15، 16، من قانون تنظيم السجون، كونه قانون غير مخصص للتطبيق بأقسام الشرطة.
تكدس أقسام الشرطة وغياب الرعاية الصحية
فيما يلي نعرض عددًا من الأمثلة للأوضاع الاستثنائية للمحتجزين بعدد من أقسام الشرطة بالقاهرة.
قسم مدينة نصر أول وثانٍ: أكثر الأقسام تشددًا فى قبول المتهمين بتحليل كورونا، أحد المتهمات والتي ألقي القبض عليها في أبريل 2020 تتواجد بقسم شرطة مدينة نصر أول حتى كتابة هذه السطور، ولم يتمكن أهلها ومحاميها من عمل تحليل لها ولا حتى بتأشيرة الأمن الوطنى، في سبيل انتقالها إلى أحد السجون.
تم تعليق الزيارات بالقسمين منذ بداية الأزمة وتقتصر فقط على إدخال الطعام والملابس والمطهرات وأدوات النظافة، وأُجبر الأهالي في قسم مدينة نصر أول على شراء الوجبات لذويهم من مطعم محدد يقوم بإرساله للقسم، كما يوجد تكدس كبير بالحجز حيث إن مدينة نصر تشهد محاضر تلبسات كثيرة يوميًا بسبب موقعها الجغرافي الذي يشرف على عزبة الهجانة، ولا يتم نقل المحتجزين إلى السجون لرفض السجون استلامهم دون إجراء تحليل الإصابة بالفيروس ولا تستطيع الأقسام عمل التحاليل.
لا يوجد تعقيم للإعاشات بعد استلامها من الأهالى ونقلها للمحبوسين بالداخل ولا يجري تعقيم لأماكن الاحتجاز. ولا يتم نقل المتهمين سوى للعرض على النيابة الخاصة بالتلبسات فقط. وقد تداولت أخبار بين الأهالي عن حدوث اشتباه فى ارتفاع درجات الحرارة لبعض المحبوسين في قسم مدينة نصر أول وتقدم الأهالي بشكاوى للقائمين على القسم، لكن نفت وزارة الداخلية وجود إصابات وأنها مجرد شائعات لإثارة البلبلة ذلك دون توضيح الوضع الصحي للمحتجزين أو عن إجراء التحاليل اللازمة لهم.
قسم عين شمس: في مطلع شهر مايو أصيب ثلاثة محبوسين بسبب اختلاطهم بأمين شرطة يعمل في القسم، تم حجزه في المستشفى الجوي، وانتشرت العدوى بينهم نتيجة لتعنت إدارة القسم في التعامل مع الأمر حتى وصل عدد المشتبه بإصابتهم إلى 15 متهمًا بظهور أعراض عليهم، علاوة على تدهور الحالة الصحية لاثنين منهم. ومؤخرًا، قامت إدارة القسم بطلب الإسعاف لهم وأخبرهم المسعف بالاشتباه بإصابتهم بالفيروس وأنهم يحتاجون إلى علاج وتلقي الرعاية الصحية. ونتيجةً لما سبق، سُمح للأهالي بإدخال الأدوية المطلوبة ولكن ما زال عدد االمُشتبه بإصابتهم يقدر بـ 15 أو16 مصابًا ولم تتحسن حالتهم وبدأ ظهور حالة ضيق تنفس لدى أحدهم ولم يتم نقله إلى المستشفى حتى الآن.
تخشيبة الخليفة: تقسم التخشيبة من الداخل إلى أقفاصٍ يودع بكل قفص مأمورية معينة. وتعتبر ملتقًى لكل المحبوسين الجدد على مستوى الجمهورية، فعند نقل المحبوسين المحكوم عليهم بعقوبة جنائية إلى السجن لتنفيذ عقوبتهم يمرون أولًا عليها، حتى تأتى مأمورية من المحافظة التي يقع بها السجن المقرر إيداعهم به. أيضًا بعد تنفيذ المحبوسين عقوبتهم ينتقلون من السجن إلى هناك حتى تأتي مأمورية لنقلهم إلى قسم الشرطة التابعين له لإنهاء إجراءات إخلاء سبيلهم.
كذلك يمر المحبوسون احتياطيًا بعد نقلهم من السجون لتنفيذ إجراءات إخلاء سبيلهم، والمقبوض عليهم في محافظات اشتباهًا بمدانين ويتم نقلهم إلى محافظة أخرى لإنهاء إجراءات القضية المشتبه بهم فيها. خلال إقامة المحبوسين في تخشيبة الخليفة لا يُسمح لهم بدخول طعام أو ملابس أو أدوات تطهير على اعتبار أنها مكان مؤقت وليس مكان احتجاز أساسي.
يتعامل المحتجزون في التخشيبة مع محبوسين يأتون من أماكن احتجاز عديدة ويتم نقلهم إلى سجون أو أقسام مختلفة، ذلك دون اتخاذ أدنى معايير السلامة والصحة. بجانب ذلك، لا يجري المسئولون هناك سوى قياس درجة الحرارة فقط وإذا وجدوا أن أحدهم حرارته مرتفعه يسمحوا له بالاستحمام بماء بارد فإذا هدأت حرارته يقوموا باستلامه وإذا ظلت الحرارة مرتفعة يرفضوا استلامه دون أخذ الاحتياطات الكافية.
بخلاف الوضع الصعب، والمفروض على المحتجزين بأقسام الشرطة، هناك حالات أخرى لأفراد محتجزين بمديربات الأمن مثل مديرية أمن الإسكندرية، وهو المكان الذي لا يمكن اعتباره مكان احتجاز رسمي بأي حال، وعليه نطالب بما يلي:
أولًا: وزارة الداخلية
- الشفافية والإعلان بشكل دوري ومفصّل عن الوضع في أماكن الاحتجاز، بخصوص أعداد المصابين، وحالات الاشتباه، وأعداد الوفيات، إلى جانب إجراء حصر لأعداد المحتجزين في أقسام الشرطة والبت في أمرهم سريعًا، على أن يتم نقل كل منهم في مكان الاحتجاز الخاص بوضعهم القانوني.
- التنسيق مع وزارة الصحة لتوفير العدد الكافي من مسحات الـ PCR، للمحتجزين الذين من المفترض نقلهم إلى السجون.
- التنسيق بين جهاز الشرطة ومصلحة السجون فيما يخص نقل المحتجزين بشكل دوري مع أخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم إصابة أي محتجز وتسهيل إجراءات المسحات المطلوبة.
- وجوب السماح لكافة المحتجزين بالتواصل مع ذويهم بالمراسلة أو عن طريق الهاتف، خصوصًا مع تعليق زيارات الأهالي، وذلك طبقًا للمادة 38 من القانون 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون.
- عدم التعنت في استقبال المستلزمات الطبية والإعاشة من الأهالي.
- الحرص على تقديم الرعاية الطبية اللازمة، وتطبيق العزل الصحي، وإجراء المسحات الطبية في حالات الاشتباه أو في حالة المخالطة لأحد المصابين.
- الاستجابة لطلبات الأهالي والمحامين بعمل مسحات لذويهم داخل أماكن الاحتجاز، خاصة في ظل انتشار الفيروس وإبلاغهم بالنتيجة.
ثانيًا المجلس القومي لحقوق الإنسان:
- العمل مع وزارة الداخلية بشأن إعداد قوائم بالمحتجزين بأقسام الشرطة، وأوضاعهم القانونية، بهدف تصحيح أوضاع احتجازهم
- زيارة أماكن الاحتجاز بأقسام الشرطة، وتقييم أوضاع المحتجزين بمختلف أوضاعهم القانونية وفئاتهم من أطفال وبالغين.
- الالتزام بنص المادة 214 من الدستور المصري وإبلاغ السلطات المختصة بكافة الانتهاكات الواقعة على المحتجزين من خلال إعداد تقرير مفصل عن أوضاع المحتجزين على أن يتم رفعه لكل من النائب العام ومجلس النواب، بهدف أخذ خطوات سريعة لإنهاء الوضع الحالي.
ثالثًا: النيابة العامة
- الالتزام بإخضاع أقسام الشرطة إلى الإشراف القضائي وقيام النيابة بدورها في التفتيش الدوري والمفاجئ على أماكن الاحتجاز وفقًا لما يلزمها به الدستور المصري في مادته رقم 55، واتخاذ اللازم بشأن تصحيح أوضاع المحتجزين الحالية.
وأخيرًا نؤكد على مطالبتنا بإخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا، خاصة في ظل وجود بدائل قانونية لحبسهم، مثل إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه وفق المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي يمكن الاحتكام لها تجنبًا لوقوع كارثة محققة حال تفشي الوباء في أماكن الاحتجاز المصرية.