تستنكر الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لجوء السلطات إلى الحلول الأمنية في التعامل مع مشكلات قطاع الرعاية الصحية، فمنذ انتشار فيروس كورونا في مصر، وحالات الإصابة والوفاة والاعتقال التعسفي بين الأطباء في زيادة مستمرة، حيث أنه بالتوازي مع حالات الوفاة التي وصلت إلى 37 ، وحالات الإصابة التي وصلت إلى 372 طبيبًا على الأقل، بدأت حملة من الرقابة على نشاط الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، ما كان سببًا في إدراج عدد منهم كمتهمين على ذمة قضايا أمن دولة.
وفي الوقت الذي تقول فيه الهيئة العامة للاستعلامات أن “مصر من أكثر دول العالم في التصدي لوباء الكورونا”، يتأكد أن أداة التصدي الوحيدة التي تلجأ إليها الدولة المصرية هي جهاز الأمن الوطني. وبدلًا من دعم العاملين بالقطاع الصحي الذين تضعف مواردهم – المتردية من الأصل – نتيجة محاربة تفشي الوباء، والذين وصلت نسبة الإصابة بينهم – وفقًا لمنظمة الصحة العالمية- إلى 11 % من إجمالي المصابين في مصر ، تزيد الحملة الأمنية الوضع سوءً لتساهم في العجز الذي طال الأطقم الطبية بسبب الوباء.
أطباء متهمون
عدد من المساعدات الطبية أعلنت الحكومة المصرية عن إرسالها لدول مختلفة منذ بداية انتشار الفيروس عالميًا، وهو ما تفاعل معه الأطباء بأن انتقدوا السياسة التي تفضل تلميع الصورة الخارجية على تلبية الاحتياجات الأساسية، وأطلق عدد من الأطباء استغاثات من نقص المعدات اللازمة لمواجهة الوباء في ظل الوضع الراهن، وهو ما تعاملت معه الدولة بعنف في محاولة لفرض تعتيم إعلامي على أوضاع القطاع الصحي، لتصبح النتيجة هي القبض على عدد من الأطباء وحبسهم احتياطيًا.
قضية واحدة تضم ثلاثة أطباء وصيدلي، يواجهون اتهامات بالانضمام إلى جماعة أسست على خلاف القانون ونشر وإذاعة أخبار كاذبة هدفها إلقاء الرعب بين الأفراد، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب تفاعلهم مع المشهد الحالي أو تعبيرهم عن رأيهم، وكانت البداية مع آلاء شعبان حميدة عبد اللطيف، 26 عامًا، طبيبة تعمل بمستشفى الشاطبي التابع لجامعة الإسكندرية، وبعد قيام ممرضة باستخدام هاتفها للإبلاغ عن وجود حالة إصابة بفيروس كورونا بالمستشفى، أبلغ عنها مدير المستشفى لما وصفه بتعديها اختصاصاته وتم القبض عليها في 28 مارس 2020 من مقر عملها، واختفت قسريًا لمدة يومين، ليتم التحقيق معها على ذمة القضية 558 لسنة 2020. وفي 4 أبريل 2020 ألقي القبض على الصيدلي محمد كامل غانم مصطفى السايس،27 عامًا، واختفي قسريًا لمدة 5 أيام، حيث سئل من قبل الأمن الوطني عن صاحب الشركة التى يعمل بها وعن عمله وزملائه بالجامعة، وبعد تفتيش هاتفه والعثور على ما كتبه على موقع فيسبوك من انتقاد لأداء وزيرة الصحة.، قررت النيابة حبسه احتياطيًا.
هانى بكر علي كحيل، 36 عامًا، جراح عيون بمستشفى طوخ القليوبية، ألقي القبض عليه في 10 أبريل 2020 من منزله بمركز طوخ محافظة القليوبية، واختفى قسريا لمدة 18 يومًا، ليظهر أمام النيابة بسبب نشره على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، منتقدًا المساعدات الطبية التي أرسلتها مصر إلى إيطاليا وإشارته إلى أحقية المستشفيات المصرية بها. وعلى ذمة القضية نفسها وبالاتهامات ذاتها، تم التحقيق مع أحمد صبرة إبراهيم، 44 عاماً، أستاذ مساعد بكلية الطب جامعة بنها، الذي ألقي القبض عليه في 16 أبريل 2020 من عيادته الخاصة فى مدينة بنها، واختفى قسريًا لمدة 12 يومًا. وكلا الطبيبين محبوس احتياطيًا الآن على ذمة القضية.
إلى جانب ذلك انتشرت أخبار عن القبض على كل من الطبيب إبراهيم بديوي – ممارس عام- والصيدلي محمد حلمي جودة، وكلاهما ما زال مختفيًا، حيث لم يستطع أحد من أهلهم تحديد مكانهم أو التواصل معهم، ولم يتم التحقيق معهما أمام النيابة حتى الآن.
المستشفيات في مواجهة الأمن الوطني
وصلت أعداد الأطباء العاملين بالقطاعين الحكومي والخاص في فبراير 2019 إلى 212835 طبيبًا، وفقًا لسجلات نقابة الأطباء، على صعيد آخر أعلنت وزارة الصحة عن عن إجرائها ما يزيد عن 10 آلاف مسحة PCR للأطقم الطبية منذ بداية الجائحة، وبعملية حسابية بسيطة يظهر أن 4.7 % تقريبًا هي نسبة الأطباء الذين تم الكشف عليهم، في غياب أي إشارة للممرضين والصيادلة وغيرهم من العاملين بالقطاع الطبي في مواجهة يومية مع الفيروس، مما يجعل هذا الرقم من المسحات غير دال على أي شيء خاصة مع امتناع وزارة الصحة عن الإفصاح عن الإصابات بين الأطقم الطبية.
بعد وفاة الطبيب وليد يحيى -32 عامًا- يوم 24 مايو 2020، متأثرًا بإصابته بالفيروس أثناء تأدية عمله بمستشفى المنيرة بالقاهرة بسبب تقاعس الوزارة في توفير سرير رعاية له، قدم زملاؤه استقالة جماعية بسبب نقص الاستعدادات ووسائل الحماية في المستشفى وانخفاض المرتبات، وقد وصف مدير مستشفى المنيرة هذه الاستقالات بـ “الفراغ العاطفي“، وأصدرت وزارة الصحة بيانًا متناقضًا قالت فيه إن هناك أوجه للقصور الإداري في التعامل مع حالة الدكتور وليد، ونفت في الوقت نفسه عدم تلقي الحالة للرعاية اللازمة، لاحقًا تم التعامل مع الأزمة بأن اجتمع ضباط من الأمن الوطني مع أطباء المستشفى الذين سحبوا استقالتهم بعد ذلك.
أما مستشفى منشية البكري التي بدأت في استقبال حالات مشتبه في إصابتها بالفيروس في منتصف مايو، وتأكدت إصابة 23 طبيبًا بها، استمر العاملون بها في المطالبة بإجراء فحوص للمخالطين لهم دون رد، ما اضطر الأطباء للامتناع عن العمل لدعم مطالبهم بإجراء الفحص وتوفير وسائل الحماية والتدريب وهو ما تعاملت معه إدارة المستشفى بأن هددت بالإبلاغ عنهم لدى جهاز الأمن الوطني. تكرر التهديد بعد مذكرة من وزارة الصحة التي أرسلتها إلى المستشفيات في محافظة البحيرة وثلاث محافظات آخرين، لتحذير العاملين من أنهم سيتعرضون لمساءلة قانونية إذا سربوا معلومات عن فيروس كورونا. فضلًا عن استجواب لجنة الشؤون القانونية التابعة لوزارة الصحة لطبيب بمحافظة الدقهلية بسبب اتهامه للوزارة على فيسبوك بغياب الشفافية.
بدلًا من السعي لحماية حقوق الأطباء وتوفير بيئة العمل الملائمة لقيامهم بمهامهم في هذا التوقيت الدقيق، تستمر السلطات في حبس عدد كبير من الأطباء بسبب اتهامات أقل ما توصف بأنها كيدية، أبرزها الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، الأمر الذي طال عددًا من الأطباء الذين مازالوا قيد الحبس الاحتياطي من قبل ظهور أزمة الكورونا، والذين كان من الأولى إخلاء سبيلهم لدعم القطاع الصحي بدلًا من زيادة أعداد الأطباء المحبوسين دون إدانة، ومنهم على سبيل المثال، الطبيب وليد أحمد شوقي المتهم في القضية 621 لسنة 2018 أمن دولة والمحبوس منذ أكتوبر 2018، والطبيب أحمد الديداموني والمحبوس في القضية 488 لسنة 2019 لرفعه مطالب نقابية مع أطباء آخرين لمجلس النواب ورئاسة الوزراء ووزارة الصحة في إطار حملة “أطباء مصر غاضبون”. كما تستمر السلطات في حبس الطبيب حسن عبد العظيم المتهم في القضية 955 لسنة 2017 أمن دولة رغم حبسه لأكثر من عامين، بمخالفة القانون منذ القبض عليه في أكتوبر 2017. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي يعاني من تدهور حالته الصحية، مازال محبوسًا لما يزيد عن عامين دون محاكمة على ذمة القضية 440 لسنة 2018، وذلك قبل تدويره وإدراجه على ذمة قضية جديدة.
في بداية تفشي الوباء كان وصف الخطاب الرسمي للقطاع الصحي بأنه “جيش مصر الأبيض” إلا أنه بعد ظهور مطالب وشكاوى الأطباء من الوضع الحالي، أصبح الجيش الأبيض منتميًا لجماعة إرهابية، وأصبح الحل من وجهة نظر السلطات هو تكميم الأفواه، بدلًا من التعامل مع المشكلات الحقيقية. وعليه، تحمل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان كامل المسؤولية لوزارة الصحة والسكان المصرية، وتعتبرها المسؤول الأول لما وقع من وفيات بين الأطباء نتيجة الإهمال، فضلًا عن كونها السبب الرئيسي في عمليات القبض التعسفي على الأطباء، وتحث الجبهة المصرية نقابة الأطباء على متابعة أحوال كل من تم القبض عليه من المنتمين للنقابة، وتطالب الجبهة السلطات المصرية بضرورة الإفراج الفوري عن جميع الأطباء المحبوسين دون إدانة، والاهتمام بدعم القطاع الصحي وتلبية مطالبه، بدلًا من اللجوء للحل الأمني.