تستنكر الجبهة المصرية لحقوق الإنسان إصرار الدولة المصرية على اللجوء للحل الأمنى العنيف في تعاملها مع دعوات التظاهر بالتزامن مع 20 سبتمبر والتي لاقت تفاعلًا محدودًا في عدد من أحياء القاهرة ومحافظات الصعيد، وقيامها بالقبض على عشرات الأشخاص وإدراجهم على ذمة القضية 880 لسنة 2020 حصر أمن دولة، لاتهامهم بالتجمهر والانضمام لجماعة إرهابية وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وامتدت ندية الدولة مع المواطنين، وتحول شكل تعاملها معهم لخصومة مباشرة، ليصل الأمر إلى إلقاء القبض علي أطفال أقل من 15 عامًا، لا يتحملون مسئولية جنائية كاملة،فضلًاعن كونهم لم يخالفوا القانون من الأصل. في الوقت الذي خالف ضباط الشرطة ووكلاء النيابة ما لا يقل عن 4 مواد من قانون الطفل المصري رقم 12 لسنة 1996 والمعدل برقم 126 لسنة 2008.
وفقًا للقانون، لا يحاكم الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 15 سوى أمام محكمة الطفل، ولا يتم الحكم عليهم بعقوبات جنائية عند مخالفتهم للقانون بأي حال، إلا أنه في الفترة الأخيرة وبسبب عشوائية وزارة الداخلية في القبض على المواطنين، احتجز أطفال تتراوح أعمارهم بين 11 و14 سنة في ظروف قاسية، وغير إنسانية، على أن يتم التحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة. لم تفرق قوات الأمن بين المقبوض عليهم لتؤكد على أن محاولة الدولة لفرض السيطرة لن تفرق بين طفل وبالغ، حيث احتجز ضباط وزارة الداخلية على الأقل خلال هذه التظاهرات طفلين (11 و 12 عامًا) في أسوان، إلى جانب 8 أطفال في أطفيح تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عامًا، وذلك في الوقت نفسه الذي صرح فيه نائب أطفيح أن “لا صحة لخروج مظاهرات كما يروج الإخوان” وهو ما يتنافى مع التحقيق الرسمي الذي أجرته النيابة.
وفي هذا الصدد، على الحكومة المصرية أن تحدد إذا كان ضباط وزارة الداخلية ووكلاء النيابة يجهلون القانون، أم قرروا ببساطة مخالفته وتعمدوا عدم الالتزام به. 4 مواد، على الأقل، من قانون الطفل المصري، لم يتم أخذها في الاعتبار عند التعامل مع أطفال أسوان وأطفيح، ما يستوجب التحقيق والمحاسبة لرجال الشرطة بسبب ما قاموا به من انتهاكات بحق الأطفال، ولوكلاء النيابة بسبب عدم الوقوف في وجه هذه المخالفات وتصحيحها، بدلًا من التعامل معها على أنها أمر طبيعي.
تحديد السن:
تنص المادة 2 من قانون الطفل على أنه : تثبت السن بموجب شهادة الميلاد أو بطاقة الرقم القومى أو أى مستند رسمى آخر.فإذا لم يوجد المستند الرسمى قدرت السن بمعرفة إحدى الجهات التى يصدر بتحديدها قرار أصلا من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الصحة.
بعد القبض على أطفال أسوان وأطفيح لم يسعى أي من ضباط وزارة الداخلية التحقق من أعمار الأطفال، وأحالوهم للنيابة التي أجرت التحقيق الأول معهم دون وجود ما يثبت أعمارهم، ولم يتم التواصل مع أي جهة مختصة لتقدير سن الأطفال، الأمر الذي تسبب في نقلهم للقاهرة لعرضهم على نيابة أمن الدولة بمخالفة القانون.
الاحتجاز مع بالغ:
وفقًا لمحامين أكدوا للجبهة المصرية، احتُجز طفلي أسوان في معسكر الشلالات لمدة يومين وهو مكان احتجاز غير رسمي وغير معد قطعًا لاستقبال الأطفال، ناهيك عن أن أطفال أطفيح احتجزوا لمدة من يوم إلى يومين بقسم شرطة أطفيح الذي لا يوجد به مكان مخصص للأطفال، ذلك قبل أن يصدر القرار بترحيل جميع الأطفال لنيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة، وهو ما يعني بقائهم لساعات سفر طويلة في سيارات الترحيلات مع بالغين. لم يخطر على بال أحد من ممثلي وزارة الداخلية أو وكلاء النيابة الذي أصدروا ونفذوا قرار تحويل الأطفال لنيابة أمن الدولة العليا، أن المادة 112 من قانون الطفل تنص على الآتي: لا يجوز إحتجاز الأطفال أو حبسهم أو سجنهم مع غيرهم من البالغين فى مكان واحد ، ويراعى فى تنفيذ الاحتجاز تصنيف الأطفال بحسب السن والجنس ونوع الجريمة . تلفت الجبهة المصرية نظر النائب العام إلى أن المادة نفسها تنص على أنه: يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن آلف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل موظف عام أو مكلف بخدمة عامة احتجز أو حبس أو سجن طفل مع بالغ أو أكثر فى مكان واحد.
تجدر الإشارة إلى أنه مع عرض الأطفال على النيابة ظهرت عليهم أعراض الإجهاد والإعياء، ذلك لشعورهم بالجوع والعطش، فضلًا عن وصولهم مبنى أمن الدولة بالقاهرة حفاة دون أحذية، وبملابس بالية، فضلًا عن تعرض طفل من أسوان لإصابات ناتجة عن سحلة أثناء القبض عليه يوم 20 سبتمبر، ولم يتم عرضه على طبيب حتى الآن.
الحبس الاحتياطي:
في البداية صدر قرار بحبس أطفال أطفيح لمدة 15 يومًا على ذمة التحقيق، ذلك لأن أحدًا لم يشغل باله بالتأكد من سن الأطفال، ما تسبب في مخالفة ضباط الشرطة ومعهم وكلاء النيابة للمادة 119 من قانون الطفل، والتي تنص على الآتي:
لا يحبس احتياطيًا الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة ، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لاتزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب إذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه، على ألا تزيد مدة الإيداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها لقواعد الحبس الإحتياطى المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية . ويجوز بدلًا من من الإجراء المنصوص عليه فى الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة علي وتقديمه عند كل طلب ، و يعاقب على الإخلال بهذا الواجب بغرامة لاتجاوز مائة جنيه.
في تخبط وانعدام كفاءة واضحة، قامت النيابة بإصدار قرارات حبس احتياطي غير قانونية، لتتراجع عنها فيما بعد عندما اكتشفت أخيرًا مخالفتها للقانون، لتقوم بإصلاح خطئها بشكل صوري، حيث أمرت النيابة بإيداع الأطفال إحدى دور الرعاية – دون الإعلان عن اسمها- إلى جانب طفلي أسوان الذين أعلنت النيابة أهلهم برجوعهم إلى أسوان بالقطار صباح اليوم 26 سبتمبر، إلا أن ذلك لم يحدث ومازال مصيرهما مجهولًا حتى الآن، مما يجعلهم في حال عدم تواصلهم مع أهلهم أو محامينهم لأكثر من 24 ساعة في عداد المختفين قسريًا.
التحقيق أمام نيابة أمن الدولة:
رغم أن قانون الطفل يحتاج إلى تعديل فيما يخص السماح بمحاكمة الطفل أمام محاكم الجنايات وأمن الدولة عند ارتباطه مع بالغ وكان أكبر من 15 عامًا، إلا أن الأمر واضح فيما يخص أطفال أسوان وأطفيح، تنص المادة 122 من قانون الطفل على أن: تختص محكمة الأحداث دون غيرها فى أمر الطفل عند اتهامه فى إحدى الجرائم أو تعرضه للإنحراف. بينما تنص المادة 123 على أنه: يتحدد اختصاص محكمة الأحداث بالمكان الذى وقعت فيه الجريمة أو يقيم فيه هو أو وليه أو وصيه بحسب الأحوال. وهو ما يعني أن سفر الأطفال قسرًا من محافظاتهم للقاهرة لا يعتبر سوى مخالفة واضحة للقانون، وإهمال متعمد من وزارة الداخلية والنيابة العامة تسبب في تعريض أولئك الأطفال للخطر.
بخلاف التحقيق أمام نيابة أمن الدولة، ورغم صدور قرار بإيداع 7 أطفال على الأقل، من الفيوم والجيزة، لإحدى دور الرعاية، مازالت السلطة القضائية مصرة على مخالفة قانون الطفل، حيث قامت محكمة جنح مستأنف القاهرة بنظر أمر مد إيداع الأطفال، بدلًا من الالتزام بنص القانون الذي يحصر هذا الدور على محكمة الطفل، مما يجعل من أمر إيداع الأطفال باطلًا، ويوجب إطلاق سراح الأطفال بشكل عاجل.
تحمل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان كل من وزارة الداخلية والنيابة العامة كامل المسؤولية عن سلامة الأطفال البدنية والنفسية، وتطالب بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة الضباط ووكلاء النيابة الذين تسببوا في احتجاز الأطفال ونقلهم للقاهرة للعرض على نيابة أمن الدولة بمخالفة القانون، كما تطالب الجبهة كل من وزارة التضامن الاجتماعي بالاضطلاع بدورها في قيام مشرفين اجتماعيين بمتابعة أوضاع الأطفال حتى رجوعهم لبيوتهم، فضلًا عن ضرورة تحرك المجلس القومي للطفولة والأمومة لبحث أحوال الأطفال باعتبارهم معرضين للخطر طوال فترة وجودهم في عهدة وزارة الداخلية.