المحتويات:
-
لمحة عن القضية
-
الاحتجاز التعسفي المتكرر (التدوير)
-
انتهاك الحق في التواصل مع العالم الخارجي
-
انتهاك الحق في التمثيل القانوني
-
انتهاك الحق في عدم التعرض للمعاملة القاسية
-
قرار غير معلن بالتحفظ على أموال المبادرة المصرية
-
خاتمة
لمحة عن القضية
بالرغم من إخلاء سبيل 3 متهمين في 3 ديسمبر 2020 على ذمة القضية، مازال يقبع إلي الآن 16 متهمًا آخرين، ما بين صحفيين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان، تحت طائلة الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 855 لسنة 2020 أمن دولة عليا، وذلك استمرارًا لحالة القمع الشديد الذي تمارسه السلطات المصرية بحق المعارضين. دون أن يتم السماح لمحامييهم بالإطلاع على محاضر تحريات الأمن الوطني، تتهم نيابة أمن الدولة المحبوسين على ذمة القضية بتهم متعددة، من بينها الانضمام لجماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، واستخدام حساب خاص على شبكة المعلومات الدولية بهدف نشر أخبار كاذبة، وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. غالبية المتهمين في القضية تم “تدويرهم” على ذمتها بعد إخلاء سبيلهم، لكن دون إطلاق سراحهم، على ذمة قضايا أخرى، أو أثناء حبسهم بالفعل على ذمة قضايا أخرى، حيث سيبدأون دورة الحبس الاحتياطي مجددًا في هذه القضية بمجرد انتهاء حبسهم في القضية الأولي.
رصدت الجبهة المصرية خط سير القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة عليا، منذ لحظة إلقاء القبض على المتهمين، أو تدويرهم على ذمة القضية، مرورًا بمثولهم أمام النيابة للتحقيق معهم في ما يواجهونه من اتهامات، ووصولًا إلى جلسات نظر تجديد حبسهم. واعتمدت الجبهة في رصد خط سير القضية على المعلومات التي يقوم باحثو الجبهة بتجميعها، وفقًا لمنهجية الرصد والتوثيق بالجبهة، في قواعد البيانات ذات الصلة، والتي يتم الحصول عليها من شهادات المحامين بشكل أساسي، بالإضافة إلى المعلومات الواردة في الأخبار الصحفية والتقارير الحقوقية، وذلك بعد أن قام باحثو الجبهة بالتحقق منها.
ويرصد هذا التقرير الانتهاكات التي وقعت بحق المتهمين، حيث تعرض 2 منهم للاختفاء القسري، و13 “للتدوير”، والذي أصبح في الآونة الاخيرة وسيلة متكررة تستخدمها نيابة أمن الدولة العليا لتضمن استمرار حبس النشطاء والمعارضين تعسفيًا. إضافةً إلى ذلك، تعرض أحد المتهمين في القضية لمعاملة قاسية ولاإنسانية داخل مقر احتجازه.
بدأت القضية في الخامس والعشرين من شهر أغسطس 2020 عندما اقتحمت قوات الأمن الوطني منزل المهندس والعضو السابق في حزب الدستور أحمد يسرى محمود غالي (31 عامًا)، وألقت القبض عليه على خلفية نشره منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” حول وفاة مصطفى الجبرونى داخل سجن طره.
وفي التاسع من شهر سبتمبر ألقت قوات الأمن القبض على الصحفي بموقع “درب” إسلام محمد عزت محمد اسماعيل (32 عامًا) من الشارع أثناء تأدية عمله الصحفي، حيث كان يقوم بتغطية قضية إسلام الأسترالي الذي لقى حتفه على يد أربعة أمناء شرطة بحي المنيب في محافظة الجيزة.
وفي الخامس عشر من نوفمبر ألقت قوات الأمن القبض على محمد بشير المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية من منزله، وذلك بعد زيارة قام بها عدد من السفراء المعتمدين في مصر لمقر المبادرة في يوم 3 نوفمبر.
وبعد ثلاثة أيام، في الثامن عشر من نوفمبر، أُلقي القبض على كريم عنارة مدير وحدة العدالة الجنائية بالمبادرة أثناء قضائه عطلة في مدينة دهب، وذلك بعد أن داهمت قوات الأمن منزله في اليوم السابق ولم تجده. وختامًا للهجمة الأمنية على المبادرة المصرية تم القبض على مديرها التنفيذي جاسر عبد الرازق من منزله بحي المعادي في التاسع عشر من نوفمبر، ليكون ثالث موظف في المبادرة يتم القبض عليه في أقل من أسبوع واحد. جدير بالذكر بأن جاسر وكريم وبشير قد تم إخلاء سبيلهم في 3 ديسمبر 2020 على ذمة القضية.
خلافًا للمتهمين الخمسة المذكورين سابقًا، فإن المتهمين الأربعة عشر الآخرين كانوا يخضعون للحبس الاحتياطي بالفعل على ذمة قضايا أخرى وتم “تدويرهم” على ذمة القضية 855 لسنة 2020 بعد إخلاء سبيلهم من تلك القضايا أو أثناء استمرار حبسهم على ذمتها، والمتهمون هم محمد صلاح عبد العزيز(37 عامًا) محاسب بجريدة البديل وعضو سابق في حزب الدستور، رضوى محمد (23 عامًا)، أمل كيلاني (44 عامًا)، وردة جمعة (40 عامًا) عمرو محمد عادل امام (36 عامًا) محامي فى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ماهينور محمد عبد السلام المصرى (34 عامًا) ناشطة سياسية ومحامية حقوقية، محمد حسن الباقر (40 عامًا) محامي حقوقي وعضو سابق بحزب مصر القوية، إسراء عبد الفتاح (42 عامًا) صحفية، معتز بالله محمود عبدالوهاب حسين (33 عامًا) منتج سينمائى وصاحب شركة إنتاج سينمائى، حازم حسنى أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، زياد أبو الفضل ناشط سياسي وعضو بحزب العيش والحرية، محمد إبراهيم محمد رضوان والشهير بـ”اكسجين” (26 عامًا) صحفي، سولافة مجدى (33 عامًا) صحفية، سامح سعودى (33عامًا) ناشط بحزب تيار الكرامة.
الاحتجاز التعسفي المتكرر (التدوير)
تعرض 14 متهمًا من أصل 19 في القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة عليا لما يسمى بـ”التدوير“، وهي سياسة تتبعها نيابة أمن الدولة مؤخرًا لإبقاء المعارضين السياسيين في دوامة الحبس الاحتياطي عن طريق وضعهم على ذمة قضايا جديدة في أثناء حبسهم احتياطيًا بالفعل على ذمة قضية أخرى، أو بعد إخلاء سبيلهم من القضية الأولى وقبل إطلاق سراحهم. ومن المثير للانتباه أن النيابة عادةً ما تتهم المتهمين في قضايا التدوير بنفس اتهامات القضايا التي تُحقق فيها معهم بالفعل، في تكرار متعمد لعملية التقاضي من البداية. ربما تتبع النيابة سياسة التدوير تلك لأنها تعلم جيدًا من البداية أن أغلب القضايا المعروضة أمامها لا تستند على مبررات قانونية أو أدلة ملموسة، بقدر ما تكون مبنية على محضر تحريات جهاز الأمن الوطني، وبالتالي فإن حجية إقامة الدعوى الجنائية تكون ضعيفة، بذلك يكون التدوير هو الحل القانوني الأضمن لإبقاء المعارضين تحت قيد الاحتجاز أطول فترة ممكنة، ويمكن اعتبار هذا التحايل حسب التعريف اعتقالًا تعسفيًا.
وقد وجهت النيابة التهم، لأغلب المتهمين الذين تم تدويرهم على ذمة القضية، بناءًا على ما ورد بمحضر تحريات الأمن الوطني “التواصل مع مجموعات يسارية للتحريض ضد الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات تجديد الحبس”. ولم تكشف التحقيقات، كما لم يتم السماح للمحامين بالاطلاع على محضر التحريات، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، كيف تمكن هؤلاء المتهمين من ارتكاب هذه الجريمة في أثناء جلسات التجديد، والتي لا يلتقون فيها سوي مع محامييهم لدقائق معدودة. ناهيك عن لامعقولية الفرضية الأولى للقيام بعملية التواصل تلك في خلال جلسات التجديد، فإن فرضية القيام بها من خلال الزيارات تأتي في الوقت الذي علقت فيه وزارة الداخلية الزيارات بجميع السجون منذ 9 مارس 2020، قبل أن تعاود السماح بها مرة أخرى في يوم 22 أغسطس، أي بعد كتابة محضر تحريات الأمن الوطني بأكثر من عشرين يومًا.
السياقات المختلفة لتدوير المتهمين على ذمة القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة عليا:
محمد صلاح عبد العزيز أُلقي القبض عليه في 26 نوفمبر 2019 وتم إخلاء سبيله بتاريخ 1972020 وبعد أن تم نقله إلى قسم شرطة دار السلام بتاريخ 2372020 تمهيدًا لإخلاء سبيله، فوجئ بالتحقيق معه مجددًا أمام نيابة أمن الدولة بتاريخ 2382020 وحبسه على ذمة القضية 855 لسنة 2020.
رضوى محمد تم اقتحام منزلها والقبض عليا في نوفمبر 2019 والتحقيق معها وحبسها على ذمة القضية 488 لسنة 2019، وأثناء احتجازها داخل السجن تم اصطحابها إلى نيابة أمن الدولة في 26 أغسطس 2020 واتهامها بالتواصل من داخل السجن مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد، وتم وضعها على ذمة القضية 855 لسنة 2020.
أمل عبد الوهاب كيلاني أثناء فترة حبسها في القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة، وبعد حبس طال 10 شهور منذ إلقاء القبض عليها في نوفمبر 2019، تم اصطحابها إلى نيابة أمن الدولة في نفس يوم التحقيق مع رضوي محمد في 26 أغسطس 2020، حيث اتهمتها بنفس الاتهامات الموجهة للأولي.
عمرو محمد عادل امام أُلقي القبض عليه للمرة الأولى في شهر أكتوبر 2019 على إثر مشاجرة حدثت بينه وبين ضابط في الأمن الوطني أثناء جلسات التحقيق مع متهمي أحداث سبتمبر 2019 وتم التحقيق معه ووضعه على ذمة القضية 488 لسنة 2019، ثم في 26 أغسطس 2020 فوجئ بالتحقيق معه على ذمة القضية 855 لسنة 2020 ووضعه على ذمتها متهمًا بالتواصل من داخل السجن مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد.
ماهينور محمد عبد السلام المصري تم اختطافها داخل ميكروباص من أمام نيابة أمن الدولة في 22 سبتمبر 2019 أثناء حضورها مع متهمي أحداث سبتمبر 2019 وتم التحقيق معها ووضعها على ذمة القضية 488 لسنة 2019 ثم في 30 أغسطس 2020 حققت معاها نيابة أمن الدولة العليا ووضعتها على ذمة القضية موضوع التقرير متهمة إياها بالتواصل من داخل السجن مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد .
محمد حسن الباقر تم القبض عليه في 29 سبتمبر 2019 أثناء تواجده في النيابة لحضور التحقيق مع الناشط السياسي علاء عبد الفتاح عقب القبض عليه، وأُدرج الباقر على ذمة القضية 1356 لسنة 2019 مع علاء عبد الفتاح، ثم في 31 أغسطس 2020 حققت معه نيابة أمن الدولة العليا ووضعته على ذمة القضية 855 لسنة 2020 بذات الاتهامات التي تفيد بتواصله أثناء حبسه مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد.
إسراء عبد الفتاح أُلقي القبض عليها في أكتوبر 2019 بعد توقيفها أثناء قيادتها لسيارتها وتم التحقيق معها بتاريخ 13102019 وأمرت نيابة أمن الدولة بحبسها على ذمة القضية 488 لسنة 2019 وبتاريخ 31 أغسطس 2020 تم التحقيق معها أمام نفس النيابة لاتهامها بالتواصل من داخل محبسها مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد، وتم وضعها على ذمة القضية 588 لسنة 2020 .
وردة جمعة عبد الرحمن جمعة بعد أن تم إخلاء سبيلها من القضية رقم 1235 لسنة 2019 المعروفة إعلاميًا بـ”تفجير معهد الأورام” اختفت قسريًا لمدة ثمانية أيام لتظهر مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا ويتم التحقيق معها على ذمة القضية 855 لسنة 2020 ووجهت لها النيابة تهمة الانضمام لجماعة إرهابية.
معتز بالله محمود عبد الوهاب حسين عقب إخلاء سبيله من القضية 586 لسنة 2020 بتاريخ 5 أكتوبر 2020، بعد اتهامه بالاشتراك في جماعة إرهابية وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، تم نقل إلى قسم شرطة المعادى تمهيدًا لتنفيذ إجراءات إخلاء سبيله وظل هناك إلى أن تم التحقيق معه فى 18 أكتوبر 2020 على ذمة القضية 855 لسنة 2020 بذات الاتهامات السابقة.
حازم حسني تم القبض عليه من منزله بتاريخ 2592019 والتحقيق معه فى اليوم التالي على ذمة القضية 488 لسنة 2019 أمن دولة ووجهت له النيابة اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وفي 31102020 قررت محكمة الجنايات إخلاء سبيله بتدابير احترازية نظرًا لظروفه الصحية المتدهورة وأثناء نقله من السجن لتنفيذ إجراءات إخلاء السبيل فوجئ بنقله إلى النيابة والتحقيق معه على ذمة القضية 855 لسنة 2020.
زياد أبو الفضل تم القبض عليه من منزله بالاسكندرية فجر يوم 5 مارس 2019 ونقل إلى مقر الأمن الوطني بالاسكندرية ليتعرض للاختفاء القسري إلى أن تم التحقيق معه يوم 17 مارس على ذمة القضية 1739 لسنة 2018 أمن دولة باتهامات مشاركة جماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وبتاريخ 3 نوفمبر 2020 قررت محكمة الجنايات إخلاء سبيله بتدابير احترازية ونُقل من سجن طرة الى تخشيبة الخليفة تمهيدًا لنقله إلى الاسكندرية لتنفيذ القرار، لكنه نُقل من التخشيبة إلى نيابة أمن الدولة للتحقيق معه على ذمة القضية موضوع التقرير.
محمد إبراهيم محمد رضوان الشهير (اكسجين) القي القبض عليه 21 سبتمبر 2019 أثناء تنفيذه التدابير الاحترازية فى قسم شرطة البساتين وتم التحفظ عليه من داخل القسم ونقله بعد ذلك الى أحد مقرات الأمن الوطني إلى أن عرض على نيابة أمن الدولة فى 8 أكتوبر 2019 للتحقيق معه ووضعه على ذمة القضية 1365 لسنة 2019، ثم في تاريخ 3نوفمبر 2020 تم إخلاء سبيله بتدابير احترازية من محكمة الجنايات ونقل الى قسم شرطة البساتين لتنفيذ إجراءات إخلاء السبيل وظل هناك إلى أن تم عرضه على النيابة للمرة الثانية في 10 نوفمبر 2020 ووضعه على ذمة القضية 855 لسنة 2020 وحبسه مرة اخرى.
سولافة مجدي في 26 نوفمبر 2019 تم اختطافها هي وزوجها من حسام الصياد من مقهى بمنطقة الدقي وتم التحقيق معها في اليوم التالي وحبسها على ذمة القضية 488 لسنة 2019، وفي 30 أغسطس 2020 فوجئت بالتحقيق معها أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 855 لسنة 2020 لاتهامها بالتواصل من داخل السجن مع مجموعات يسارية للتحريض على الدولة وذلك عن طريق الزيارات وجلسات التجديد.
سامح سعودي ألقي القبض عليه في الرابع والعشرين من سبتمبر 2019 على خلفية أحداث تظاهرات سبتمبر وتم التحقيق معه وحبسه على ذمة القضية 1338 لسنة 2019 إلى أن صدر قرار محكمة الجنايات بإخلاء سبيله بالتدابير الاحترازية في 3 نوفمبر 2020 وتم ترحيله إلى قسم شرطة الزاوية الحمراء لتنفيذ اجراءات إخلاء سبيله وظل هناك الى ان فوجئ بالتحقيق معه في نيابة أمن الدولة العليا وحبسه مرة أخري على ذمة القضية 855 لسنة 2020.
انتهاك الحق في التواصل مع العالم الخارجي
“الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه و بمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته .”
المادة 54 من الدستور المصري
تعرض متهمان اثنان، وثقت الجبهة حالاتهم، في القضية 855 لسنة 2020 لجريمة الاختفاء القسري، والذي أصبح انتهاك اعتيادي من السلطات المصرية في السنوات الماضية، حيث تتجاهل النيابة أي أقوال للمتهمين بتعرضهم للاختفاء على يد ضباط وموظفي قطاع الأمن الوطني، وهو ما يزيد من ثقة الضباط في عدم المحاسبة ويجعل ذلك الانتهاك نمطًا مكررًا.
أحمد يسرى محمود غالى أُلقي القبض عليه من منزله بعد اقتحامه من قبل مجموعة من قوات الأمن الوطني والأمن المركزي يوم 25 أغسطس 2020 ولم يظهر أمام النيابة إلا في 27 أغسطس أي بعد مرور يومين قضاهما في مقر الأمن الوطني فى دمنهور.
وردة جمعة عبدالرحمن جمعة اختفت قسريًا لمدة ثمانية أيام عقب إخلاء سبيلها من القضية 1235 لسنة 2019 لتظهر مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا في 8 سبتمبر 2020 للتحقيق معها في القضية موضوع هذا التقرير.
انتهاك الحق في التمثيل القانوني
“فى جميع الأحوال لايجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مُنتدب”
المادة 54 من الدستور المصري
رصدت الجبهة المصرية تعرض اثنين من بين المتهمين لانتهاك حقهم الأساسي في التمثيل القانوني والدفاع، الأولى هي رضوى محمد والتي لم يحضر معها محام في أولى جلسات التحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة القضية 855 لسنة 2020. والثاني هو تجديد النيابة حبس المتهمين المقبوض عليهم في هذه القضية دون إحضارهم من محبسهم، مثال لهذا ما حدث لـ محمد بشير والذي جددت نيابة أمن الدولة العليا حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات يوم 26 نوفمبر 2020 دون إحضاره من محبسه، وذلك رغم إخطار النيابة لمحامي بشير بموعد التجديد القادم، والذي كان من المقرر أن يكون في يوم 29 نوفمبر.
انتهاك الحق في عدم التعرض للمعاملة القاسية
“كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً….. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون”
المادة 55 من الدستور المصري
تعرض المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية جاسر عبد الرازق أثناء حبسه داخل سجن ليمان طرة للمعاملة القاسية واللاإنسانية، حيث أفاد لمحامييه في جلسة التحقيق معه أنه محبوس داخل زنزانة انفرادية، ولا يُسمح له بالتعامل مع كانتين السجن، ويشعر بالبرد بعد استلامه ملابس صيفية فقط، وينام على سرير من الحديد دون أي مرتبة أو غطاء سوى بطانية خفيفة، كما صادرت إدارة السجن جميع متعلقاته الشخصية، كما أفاد أيضًا بأن إدارة السجن قامت بحلق شعره بالكامل أثناء دخوله السجن.
ويعاني كل موظفي المبادرة المحبوسين على ذمة القضية، حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، من المنع التام من التريض، ونتيجة لذلك الحرمان من رؤية الشمس يظهر الشحوب والاصفرار على وجوههم جميعًا. بالإضافة إلى المنع من التعامل مع الكانتين، كما يعاني كريم عنارة بالتحديد من الحصول على مياه قليلة للغاية داخل محبسه، وقد ظهر محمد بشير، عند زيارته، في حالة معنوية متردية نتيجة لتلك المعاملة اللاإنسانية.
قرار غير معلن بالتحفظ على أموال المبادرة المصرية
في الاستعراض الدوري الشامل لملف حقوق الإنسان في مصر في نوفمبر 2019، قدمت عدد من الدول توصيات إلى الحكومة المصرية بإلغاء القيود المفروضة على المدافعين عن حقوق الإنسان ومن بينها إلغاء تجميد الأموال، خاصة في القضية 173 لسنة 2011، المعروفة بقضية التمويل الأجنبي. بالإضافة إلى ذلك فقد أكد المقرر الخاص المعني بحرية التجمع السلمي والحق في حرية تكوين الجمعيات في الأمم المتحدة على أن الحق في تكوين الجمعيات يحمي الجمعيات غير المسجلة أيضًا، وبصورة مساوية، خصوصًا في حال صعوبة إنشاء الجمعيات، كما هو الحال في مصر. ويعد عدم تسجيل المبادرة كجمعية أحد الأسباب التي حاولت وزارة الخارجية المصرية استخدامه لتبرير للهجمة الأمنية على المبادرة، رغم كونها مسجلة رسميًا كشركة.
في إطار هذه القضية، أمر النائب العام بمنع التصرف في أموال المبادرة المصرية، كإجراء احترازي لحين الانتهاء من التحقيقات مع موظفيها الثلاثة المحبوسين على ذمة القضية 855 لسنة 2020 أمن دولة عليا. ومن غير الواضح إذا ما كان هذا القرار يشمل أموال المبادرة فقط، أم يتضمن أيضًا الأموال الشخصية لموظفيها المحبوسين، إذ لم يُسمح للمحامين بالاطلاع على قرار المنع من التصرف في الأموال. ورفضت محكمة جنايات القاهرة، في الجلسة الأولى لنظر قرار النائب العام بتاريخ 1 ديسمبر 2020، الاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع عن المتهمين، وقررت تأجيل قرارها إلى جلسة 6 ديسمبر.