تمهيد
في إطار متابعة الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لحالات الاعتقال التعسفي المتجدد أو ما يطلق عليه “التدوير”، رصدت الجبهة المصرية في الثلاثة أشهر الأولى من عام 2021 إصرار السلطات المصرية، متمثلة في نيابة أمن الدولة العليا بالاشتراك مع جهاز الأمن الوطني، على الاستمرار في إتباع سياسة التدوير، والتي تم استحداثها في الآونة الأخيرة من أجل الإبقاء على المعارضين السياسيين داخل دوامة من الحبس الاحتياطي المطول.
وتعمل الجبهة المصرية على رصد وتوثيق حالات الأشخاص الذين يتعرضون لسياسة التدوير بقدر الإمكان، سواء كانوا قيد الحبس الاحتياطي، أو مخلى سبيلهم، أو كانوا ينفذون حكم قضائي صادر بحقهم، وتقوم وحدة الرصد والتوثيق بإدخال عدد من المعلومات المتعلقة بتلك الحالات في قواعد البيانات ذات الصلة، وذلك اعتمادا على بعض المصادر الأولية لجمع المعلومات مثل التواصل المباشر مع بعض المحامين، ومصادر ثانوية تشمل بعض الأخبار التي تنشرها مؤسسات إعلامية أو منظمات المجتمع المدني، وذلك بعض التحقق منها. وتهدف الجبهة المصرية أن تصدر نشرة دورية ربع سنوية حول سياسة التدوير والانتهاكات بحق المحتجزين الذين يتعرضون لهذه السياسة.
سياسة التدوير: الاعتقال التعسفي المتجدد
عندما ألغت المحكمة الدستورية العليا الجزء الخاص بالاعتقال الإداري في المادة 3 من قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، والذي كان ينص على أنه “يحق لرئيس الجمهورية متى أُعلنت حالة الطوارئ أن يتخذ بأمر كتابى أو شفوي القبض على المشتبه بهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية”، بعد هذا الإلغاء أصبح من الصعوبة حبس الأشخاص بمدد مفتوحة وبغير اتهامات واضحة، وأصبح الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا معلومة الاتهامات هو الطريق الوحيد أمام الأجهزة الأمنية لاحتجاز المعارضين بنص القانون.
وبعد أن كانت المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية تنص في الفقرة الرابعة على أنه “وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرا في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام”، قد أصدر المستشار عدلي منصور اثناء توليه رئاسة مصر بشكل مؤقت قرارا رئاسيا يحمل رقم 83 لسنة 2013 بتعديل المادة السابقة وإضافة فقرة جديدة نصت على “ومع ذلك فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة إذا كان الحكم صادرا بالإعدام أو بالسجن المؤبد أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في الفقرة السابقة.” وبذلك أصبح تجديد حبس المتهمين احتياطيا على ذمة بعض القضايا المحالة للمحكمة، خصوصا تلك التي تحتوي على اتهامات بالإرهاب، مفتوح بدون تحديد.
وعلى الرغم من أن هذا التعديل في القانون جعل من الحبس الاحتياطي أداة للعقوبة قبل صدور حكم المحكمة، إلا أن نيابة أمن الدولة العليا بالتعاون مع جهاز الأمن الوطني يمارسان وسيلة جديدة نسبيًا لإرهاق المعارضين السياسيين بالتفاصيل القانونية وإدخالهم في دوامة من الحبس الاحتياطي المطول، خصوصًا هؤلاء الذين لم تُحل قضاياهم للمحكمة بعد، وهي الاعتقال التعسفي المتجدد أو ما بات يطلق عليه “التدوير”. والتدوير هي سياسة تقوم فيها نيابة أمن الدولة العليا – في أغلب الأحيان – بحبس المتهمين على أكثر من قضية – عادة بينهما فاصل زمني – تحمل ذات الاتهامات تقريبا، أو تقوم فيها بإعادة حبس المتهمين على ذمة قضايا جديدة عقب إخلاء سبيلهم بعد أو قرب انقضاء مدة الحبس الاحتياطي المقررة قانونا في حال لم يتم إحالة قضاياهم للمحكمة، أو عقب انتهاء مدة حكمهم بالحبس أو السجن، وغالبا أيضًا ما تحمل هذه القضايا الجديدة نفس الاتهامات التي تحملها القضايا التي أخلى فيها سبيل المتهمين أو التي نفذوا فيها حكم قضائي. وتتخذ سياسة التدوير عدة أنماط محددة يمكن تلخيصها فيما يلي:
وبحسب الرصد الشهري الذي تجريه الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لحالات المتهمين الذين تم تدويرهم على ذمة قضايا جديدة خلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2021، تعرض 33 متهما للتدوير، منهم 26 متهما تعرضوا لنمط التدوير الثالث، أي حبسهم على ذمة قضايا جديدة عقب إخلاء سبيلهم من قضيتهم الأولى، وتعرض 6 متهمين لنمط التدوير الخامس أثناء مرحلة الإفراج بعد تنفيذ حكم بالسجن أو الحبس، وتعرض متهم واحد لنمط التدوير الثاني، الحبس على ذمة قضية جديدة أثناء الحبس الاحتياطي على ذمة قضية أخرى بالفعل.
أولًا: إعادة الحبس على ذمة قضية جديدة بعد إخلاء السبيل من القضية الأولى
رصدت الجبهة المصرية خلال الربع الأول من عام 2021 تعرض 26 شخصا على الأقل للاعتقال التعسفي المتجدد بعد إخلاء سبيلهم، وهو نمط التدوير الأكثر استخداما من قبل نيابة أمن الدولة العليا خلال هذه المدة.
طبيعة التهم الموجهة للمتهمين
لم تختلف طبيعة التهم الموجهة لهؤلاء المتهمين في القضية الأولى عن تلك التي تستخدمها نيابة أمن الدولة العليا في جميع القضايا ذات الطابع السياسي تقريبا، والتي تكون مبنية بشكل رئيسي على تحريات مكتبية يجريها ضباط جهاز الأمن الوطني. ولم تخرج هذه الاتهامات الموجهة لـ26 متهما عن 5 اتهامات، تم تكرارها بشكل ملحوظ مع جميع المتهمين رغم اختلاف القضايا.
وبعد إخلاء سبيل هؤلاء المتهمين من القضية الأولى، تم تدويرهم على ذمة قضايا أخرى تحمل بعض التهم الجديدة مع تكرار ملحوظ لتهم الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة. واستخدمت النيابة الاتهامات الواردة بمحاضر تحريات الأمن الوطني لحبس المتهمين مرة أخرى دون أي تحقيق في لا معقولية بعض الاتهامات. اتهمت النيابة في حدود ما تم رصده متهمتين اثنتين بتهمة عقد لقاءات وتواصل مع قيادات خارج البلاد من داخل السجن، كما تم اتهام اثنين آخرين بتهمة استخدام حساب على مواقع التواصل الاجتماعي ونشر وإذاعة الأخبار والبيانات الكاذبة، وجميعها تهم تنطوي على أفعال لا يمكن للمتهمين القيام بها من داخل محبسهم.
وقائع تعذيب المتهمين في القضية الأولى
تعرض الباحث إبراهيم عز الدين أثناء اختفائه قسريا قبل عرضه على النيابة وحبسه على ذمة القضية 488 لسنة 2019 للتعذيب على يد ضباط وموظفي الأمن الوطني أثناء تواجده داخل مقر الأمن الوطني بالعباسية، وذلك بأشكال مختلفة منها التعذيب البدني والنفسي والترهيب والتهديد بالقتل، وكذا الحرمان المطول من النوم والتجويع وغيرها من ضروب المعاملة القاسية لإجباره على الاعترافات، وذلك وفقًا لشهادته أمام تحقيقات النيابة. فيما لم تتمكن الجبهة المصرية من رصد أي وقائع تعذيب لأي من المتهمين قبل الحبس على ذمة القضية الثانية الجديدة.
الاختفاء القسري في القضية الأولى
تعرض 13 متهما من أصل 26 للاختفاء القسري بمخالفة القانون والدستور المصريين لمدد تراوحت ما بين 3 أيام و167 يوما، وذلك قبل حبسهم على ذمة القضية الأولى. وتنوعت أماكن إخفاء الأجهزة الأمنية للمتهمين بين مقار الأمن الوطني وأقسام الشرطة.
جدول 1: المتهمين الذين تعرضوا للاختفاء القسري في القضية الأولى، عدد أيام الاختفاء، مكان الاختفاء.
الاختفاء القسري في القضية الثانية
تعرض 10 متهمين للاختفاء القسري بعد إخلاء سبيلهم في القضية الأولى وقبل عرضهم على النيابة للتحقيق معهم في القضية الثانية، وذلك لمدد تراوحت ما بين 4 أيام و 65 يوما داخل مقار الأمن الوطني وأقسام ومراكز الشرطة.
جدول 2: المتهمين الذين تعرضوا للاختفاء القسري في القضية الثانية، عدد أيام الاختفاء، مكان الاختفاء.