تؤكد الجبهة المصرية لحقوق الإنسان على إدانتها لحكم محكمة النقض الصادر في 14 يونيو الجاري بتأييد حكم الإعدام بحق 12 متهمًا، من ضمنهم قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين، وذلك في القضية رقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، والمعروفة إعلاميًا بـ”أحداث فض اعتصام رابعة العدوية.” وتطالب الرئيس في اليوم الأخير لمدة الأسبوعين بعد الحكم بإصدار عفو عن أحكام الإعدام في هذه القضية أو إبدال العقوبة وفق المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية، وإعادة فتح التحقيق فيها من خلال محاكمة مستقلة، خاصة مع المشاكل القانونية التي شابتها، ومحاسبة المتورطين في قتل مئات المعتصمين في يوم فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013.
وتعود واقعة القضية إلى الفض العنيف من جانب قوات الأمن المصرية اعتصام لمؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي بميدان رابعة العدوية مستخدمة القوة المفرطة، والتي على إثرها وصل عدد قتلى الفض بحسب بعض التقارير الحقوقية لأكثر من ألفقتيل، وبدلا من محاسبة المسؤولين عن هذه المجزرة المروعة تم إعداد قضية حملت اسم فض اعتصام رابعة، واتهمت النيابة العامة فيها 739 شخصًا (300 محبوس و439 هارب) منهم عدد كبير من قيادات البارزة بجماعة الإخوان المسلمين ومعارضين سياسيين، باتهامات من بينها تدبير تجمهر وتولي جماعة إرهابية، والقتل، والشروع في قتل، واستعراض القوة، وتخريب مبان ومنشآت حكومية، ومقاومة السلطات.
تكشف أوراق القضية عن الانتقائية في المحاسبة من قبل الدولة، فضلًا عن تجاهل عدم التناسبية واستخدام القوة المفرطة غير المتكافئة من قبل قوات الأمن أثناء فض الاعتصام. فوفقًا للبيانات الرسمية ومحضر التحريات المسطر بواسطة الأمن الوطني فقد راح ضحية الاعتصام 9 أفراد من قوات الشرطة إلى جانب احتراق عدد 2 مدرعة، في حين راح ضحية الفض ما لا يقل عن 620 شخصًا وفقًا لبيانات الدولة متمثلة في وزارة الصحة والمجلس القومي لحقوق الانسان. الأمر الذي كان يستوجب على الدولة المصرية أن تفتح تحقيقا جديًا لمحاسبة المسؤولين عن هذه المجزرة الأكبر في تاريخ مصر الحديث.
صدر حكم الدرجة الأولي في 8 سبتمبر 2018 من محكمة جنايات جنوب القاهرة الدائرة 28 إرهاب برئاسة المستشار حسن فريد، وجاء حكم المحكمة بإعدام 75 متهمًا والحكم بالسجن المؤبد لـ47 شخصًا، والسجن 15 سنة لـ 374 آخرين، و10 سنوات لـ 22 طفلاً، و5 سنوات لـ 215 شخصًا، ووضع جميع المحكوم عليهم -عدا الصادر بحقهم حكمًا بالإعدام والمؤبد- رهن المراقبة الشرطية لمدة 5 سنوات بعد انقضاء مدة سجنهم، ومصادرة أموال جميع المتهمين -عدا الأطفال- وحرمانهم من وظائفهم الحكومية. وهي الأحكام التي جاءت نتيجة محاكمة شابها الكثير من العوار القانوني وانتهاك الحد الأدنى لضمانات المحاكمة العادلة
فقد تعرض المتهمين الناجين من هذه المجزرة في هذه القضية لانتهاكات جسيمة، بداية من الحبس الاحتياطي المطول منذ القاء القبض على أغلبهم بداية من يونيو 2013، حيث استمرت محاكمة المتهمين لمدة 5 سنوات كامل. كما تم إهدار مبدأ شخصية العقوبة ومسؤولية الفرد الجنائية حينما أصدرت محكمة الجنايات حكمها الجماعي والمسيس على 75 من بينهم قيادات جماعة الإخوان، حيث تم الحكم عليهم بالإعدام دون التفرقة بينهم ودون تقديم أدلة حقيقية على ضلوع كل منهم على حدة في عملية القتل المباشر، بل وتخطى الأمر إلى حد الوصول إلى الحكم على عصام سلطان المقبوض عليه قبل عملية الفض بشهر تقريبا بالمؤبد في ذات القضية، إلى جانب الحكم على أسامة نجل الرئيس السابق محمد مرسي بالسجن المشدد 10 سنوات في حين أنه تم إلقاء القبض عليه بعد الفض بثلاث سنوات. كما يكشف تحليل الحكم الصادر من محكمة الجنايات بخصوص القضية والذي يظهر فيه جانب من تأسيس أحكام الإعدام على قيادات الإخوان كالبلتاجي وصفوت حجازي وأسامة ياسين من واقع شهادات ضباط وحتي فيديوهات تتضمن تصريحات على منصة رابعة حول دعوتهم لمؤيدي الرئيس مرسي بالاستمرار في الاعتصام، بالإضافة لاتهامهم بدورهم في تنظيم وتأمين الاعتصام واتهامهم أيضًا بإعطاء أوامر للمعتصمين لمقاومة السلطات، وهو ما تم ترجمته بعد ذلك في الاتهامات الموجهة إليهم ومن ثم عقابهم عليها بهذه الأحكام.
وفي ذات السياق أيضًا، أيدت محكمة النقض الإعدام على 12 متهما من بينهم 6 متهمين هم محمد عبد الحي حسين الفرماوي، ومصطفى عبد الحي حسين الفرماوي، وأحمد فاروق كامل محمد، وهيثم سيد العربي محمود، ومحمد محمود علي زنائي، وعب العظين إبراهيم محمد، والذين كانوا جميعًا في حوزة الأمن على ذمة قضايا أخرى قبل عملية فض الاعتصام بأسابيع منها القضية 3632 لسنة 2013 جنايات أول مدينة نصر/ 857 لسنة 2013 كلي شرق القاهرة، ومع ذلك تم ضمهم إلى القضية بمحاضر إحالة منفصلة ووجهت إليهم تهم مطابقة تقريبًا لذات التهم التي كانت موجهة إليهم في القضايا الأخرى، مما يخل بمبدأ عدم جواز معاقبة متهم على جرم مرتين.
كان المحامون قد أفادوا في أوقات متفرقة بأن المحاكمة قد شهدت انتهاكات أخري لضمانات المحاكمة العادلة، حيث لم يكن يتمتع بعض المتهمين بحقهم في التمثيل القانوني في كثير من جلسات التحقيق والمحاكمة، بجانب عزل المتهمين في قفص زجاجي عازل للصوت، ما حرم المتهمين من حقهم في التواصل مع الدفاع وتمكينهم من مناقشة الشهود. كما انتهكت المحكمة حق الدفاع في استدعاء بعض الشهود، ففي حين طلبت هيئة الدفاع مثول 240 شاهد، لم توافق المحكمة إلا على استدعاء 60 منهم فقط، كما لم تأخذ هيئة الدفاع الوقت الكافي لمناقشتهم. كما رفضت المحكمة طلب المتهم المحكوم عليه بالإعدام في القضية محمد البلتاجي بتحقيق المحكمة في مقتل ابنته أسماء البلتاجي أثناء فض الاعتصام.
تطالب الجبهة المصرية لحقوق الانسان بإعادة فتح تحقيق مستقل وشفاف في قضية فض اعتصام رابعة، والتي شابت عملية القبض والمحاكمة وحتي الحكم الصادر، والذي شابه العديد من العوار القانوني وانتهاك ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين، وهي الضمانات الواجب توافرها في القضايا التي يتم الحكم فيها بالإعدام، كما تطالب الجبهة المصرية رأس السلطة التنفيذية بإيقاف عجلة الاعدامات خاصة التي يشوبها شبهات التسييس والصادرة من محاكم استثنائية (محاكم دوائر الإرهاب)، والتى تم التنفيذ فيها في قضايا العنف السياسي منذ 2013 ما لما لا يقل عن 72 خشص، والتى قد تبدو كونها مخصصة للانتقام من الخصوم السياسيين.