مقدمة
في إطار متابعة الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لأداء دوائر الإرهاب خلال جلسات نظر أوامر تجديد حبس المتهمين أمام غرفة المشورة تستمر الجبهة المصرية في رصد قرارات إخلاء السبيل التي تصدرها تلك الدوائر، وحصر أعداد الجلسات والقضايا المنظورة أمامها وأعداد المتهمين فيها على مدار النصف الأول من عام 2022. وكانت الجبهة المصرية قد قامت بإصدار تقرير “يعاقبونك قبل إدانتك” في وقت سابق في عام 2020 استعرضت فيه نشأة هذه الدوائر وإشكاليات تعاملها مع هيئات الدفاع في ذلك العام.
فى حين رصدت الجبهة المصرية قرارات صادرة من دائرة واحدة من دوائر الإرهاب فى النصف الأول من عام 2021، فقد تم رصد قرارات 3 دوائر من دوائر الإرهاب فى النصف الأول من العام الحالى 2022، بعد أن كان انحصر عمل دوائر الإرهاب في نظر تجديدات الحبس الاحتياطي على دائرة واحدة هي الدائرة الثالثة جنايات إرهاب خلال النصف الأخير من العام 2021.
دوائر الإرهاب في أرقام: أعداد القضايا المنظورة، أعداد المتهمين، أعداد الجلسات، والقرارات الصادرة
بحسب رصد الجبهة المصرية لحقوق الإنسان خلال النصف الأول من عام 2022 لأداء دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة، فقد انعقدت 3 دوائر فقط بمجموع 70 جلسة، نظرت فيها الدوائر أمر تجديد حبس 13097 متهما على الأقل موزعين على 1120 قضية وذلك خلال 61 جلسة، بخلاف 9 جلسات -على مدار حوالي أسبوعين- تم خلالهم النظر فى 144 قضية ولكن لم تتوفر معلومات بخصوص عدد المنظور فى أمر تجديد حبسهم. وفي هذه الفترة أصدرت هذه الدوائر قرارات بإخلاء سبيل ما لا يقل عن 343 متهمًا في هذه القضايا، بنسبة لا تزيد عن 2.7% من إجمالي عدد المتهمين المعروضين أمامها. وتمثل تلك النسبة تراجع كبير مقارنة بنسبة الإخلاءات وعدد أوامر تجديد الحبس خلال إجمالي عام 2021، حيث أخلت دوائر الإرهاب 3.6% من إجمالي المتهمين المعروضين في جلسات تجديد الحبس أمامها.
قرارات دوائر الإرهاب في النصف الأول من عام 2022
- انعقدت الدائرة الثانية برئاسة المستشار معتز خفاجي خلال النصف الأول من عام 2022 بعدد 14 مرة بواقع 5 مرات فى شهر فبراير و 4 مرات فى شهر مايو و5 مرات فى شهر يونيو ونظرت خلال هذه الجلسات فى أمر تجديد حبس 2619 متهمًا فى 213 قضية أصدرت خلالها قرارات بإخلاء سبيل 78 متمهًا وتجديد حبس 2541
- الدائرة الثالثة برئاسة المستشار محمد حماد عبد الهادى وعضوية المستشار وجدي عبد المنعم عقدت على مدار النصف الأول من ذات العام 27 مرة ونظرت خلالها في أمر حبس مالا يقل عن 5515 متهما موزعين على 419 قضية منهم 63 قضية لم تتوفر أية معلومات بخصوص عدد المتهمين فيهم. أصدرت الدائرة خلال الجلسات المنعقدة خلال هذه الفترة قرارات بإخلاء سبيل 115 متهم واستمرار حبس باقي المتهمين وهم على الأقل 4995 شخص، كما تم تأجيل عقد جلستين كان من المفترض أن يتم النظر خلالهما فى 42 قضية وذلك لتعذر حضور المتهمين أمنيًا
- أما الدائرة الرابعة برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية المستشار عصام أبو العلا والمستشار غريب محمد عزت فقد عقدت على مدار الستة أشهر الأولى من عام 2022 جلسات بعدد 29 جلسة نظرت خلالها فى أمر حبس 4963 متمهًا على الأقل فى 488 قضية منهم 5 جلسات، لم تتوفر معلومات عن عدد المتهمين فى 81 قضية من القضايا المنظور فيها خلال تلك الجلسات .وقد أصدرت الدائرة خلال جلساتها فى تلك الفترة قرارات بإخلاء سبيل 143 متهما كما أصدرت قرارات بتجديد حبس 4858 متهمًا
نظرة على تشكيل دوائر الإرهاب وأبرز الانتهاكات التي ارتكبتها خلال النصف الأول من عام 2022
اختلف الوضع فى النصف الأول من العام 2022 عن سابقه من حيث الدوائر المسؤولة عن مباشرة تجديد الحبس الاحتياطي للمتهمين المحبوسين بشكل خاص على ذمة قضايا تباشر التحقيقات فيها نيابة أمن الدولة العليا، حيث تم استبعاد المستشار محمد كامل عبد الستار رئيس الدائرة الثالثة جنايات إرهاب، والتى كانت تباشر التجديدات على مدار عام قضائى كامل، من أول أكتوبر 2020 وحتى أول أكتوبر 2021 حيث صدر قرار فى الأول من أكتوبر 2021 بإعادة تشكيل الدائرة الثالثة وتولى المستشار محمد حماد عبد الهادى رئاسة الدائرة بمشاركة المستشار/ وجدى محمد عبد المنعم عضو يمين، والمستشار/ علي حسن ابراهيم عمارة، والمستشار/ محمود محمد عبد المنعم زيدان، أعضاء يسار الدائرة.
ومنذ بداية العام القضائي الجاري، عادت الدوائر لتباشر تجديد الحبس الاحتياطي بحسب أدوار الانعقاد، ليصبح عدد دوائر الإرهاب فى النصف الأول من العام 2022، 4 دوائر وهم :
الدائرة الأولى برئاسة المستشار/ محمد شيرين فهمى وعضوية كلا من :
رأفت زكى محمود حسين، حسن مصطفى محمود السايس، طارق محمود محمد حسن، حسام الدين فتحى أمين عبد المجيد.
الدائرة الثانية برئاسة المستشار/ معتز خفاجى وعضوية كلا من / سامح سليمان داود، محمد محمد محمد عمار.
الدائرة الثالثة برئاسة المستشار/ محمد حماد عبد الهادى وعضوية كلا من :
وجدى محمد عبدالمنعم محمد، على حسن ابراهيم عمارة، محمود محمد عبدالمنعم زيدان.
الدائرة الرابعة برئاسة المستشار/ محمد السعيد محمد الشربينى وعضوية كلا من:
عصام على أبو العلا على، غريب محمد عزت غريب، محمد نبيل شفيق.
وتكون الدوائر المسؤولة عن مباشرة تجديد الحبس في العام القضائي الجاري هي الثلاثة دوائر الأخيرة من الثانية وحتى الرابعة.
ترأس عضو يمين أو يسار الدائرة جلسات تجديد الحبس الاحتياطي في بعض الجلسات، ويكون هو من يباشر أوامر التجديد ويصدر القرارات، مثل المستشار عصام أبو العلا عضو يمين الدائرة الرابعة، والمستشار غريب علي غريب عضو يسار نفس الدائرة ، المستشار وجدي عبد المنعم عضو يمين الدائرة الثالثة.
وبحسب رصد الجبهة المصرية لحقوق الإنسان لقرارات هذه الدوائر على مدار الستة أشهر الأولى من عام 2022، فقد استمرت الدوائر في إهدار حق المتهمين في افتراض البراءة من إخلال إصدار قرارات باستمرار حبس المتهمين أكثر من إصدار قرارات بإخلاء سبيلهم، كما هو موضح في جدول رقم 1.
ذكر عدد من المحامين، الذين مثلوا متهمين في جلسات أمام هذه الدائرة وتحدثوا إلى الجبهة المصرية، أن الدائرة الثالثة عندما ترأسها المستشار وجدي عبد المنعم في بعض الجلسات قد افتعلت العديد من المشكلات مع هيئات الدفاع أثناء جلسات تجديد الحبس، حيث ضيقت الخناق على الدفاع من خلال رفضها إعطائه الوقت الكافى لإعداد دفاعه.
وفقا لهؤلاء المحامين فإن عبد المنعم في الجلسة بتاريخ 26 يناير 2022 مارس تضيقات شديدة على الدفاع أثناء إبداء دفوعه حيث لم يسمح لأي من المحامين بالتحدث، كما لم يطلع على أوراق القضايا، وافتعل مشادات بين الدفاع، ورفض الاستجابة لكافة طلباتهم.
وتكررت هذه الممارسات فى أكثر من جلسة، فعلى سبيل المثال يروى أحد المحامين للجبهة المصرية أنه بجلسة 26 فبراير 2022 قام عبد المنعم بالتضييق على المحامين فى التحدث وعند إصرار المحامين على التحدث بحرية، ألزمهم بالحديث فى طلب إخلاء السبيل أو استبدال الحبس الاحتياطي بتدابير احترازية فقط، دون التطرق لحالة كل متهم وظروفه.
ولم تسمح الدائرة الثالثة في أي جلسة من الجلسات لأي متهم من المتهمين بالتحدث أو الخروج من القفص، واستمرت في عدم الاستجابة لطلبات الدفاع، وفى الوقت الذى بلغ فيه الدفاع الدائرة بعدم تواجد بعض المتهمين فى القفص كان يصر القاضي على مباشرة جلسة تجديد الحبس دون التأكد من حضور المتهمين بشكل فعلي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن نصوص المواد 134 و136 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 توجب سماع أقوال المتهم أو دفاعه قبل إصدار قرار باستمرار حبسه وذلك مع ضرورة توضيح الأسباب التي بني عليها القرار. وهو الأمر الذي تم التأكيد عليه مجددا في نص المادة 143(فقرة 1) من ذات القانون “إذا لم ينته التحقيق ورأى القاضي مد الحبس الاحتياطي زيادة على ما هو مقرر في المادة السابقة، وجب قبل انقضاء المدة السالفة الذكر إحالة الأوراق إلى محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بمد الحبس مددا متعاقبة لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوما إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك أو الإفراج عن المتهم بكفالة أو بغير كفالة.”
لم تستجب دوائر الإرهاب بشكل عام خلال النصف الأول من عام 2022 لاحتياجات الحالات المرضية للمتهمين، حتى مع وجود تقارير طبية صادرة من إدارات السجون بشأن حالاتهم، فلا تعتبر الدوائر الثلاثة الأمراض المستعصية سببًا كافيًا لإصدار قرار بإخلاء سبيل المتهمين، كما تتجاهل تعرض العديد منهم لضغوط نفسية داخل السجن يمكن أن تؤدي بهم إلى الانتحار، مثل ما يثار حول حالة وفاة المتهم ياسر فاروق المحلاوي.
بتاريخ 28 يونيو 2022 جددت الدائرة الثالثة برئاسة المستشار محمد حماد حبس المتهم ياسر فاروق المحلاوى لمدة 45 يوما، رغم تجاوزه مدة الحبس الاحتياطي المقررة قانونا بعد حبسه احتياطيا لمدة عامين و 11 شهر. لقى المحلاوي حتفه بتاريخ 1 يوليو 2021 داخل محبسه بسجن طرة. وبسبب أن المحلاوي لم يعان من أي أمراض قبل القبض عليه وأثناء فترة احتجازه، ظهرت ادعاءات حول احتمالية انتحاره داخل السجن، في حين لم تعلن ووزارة الداخلية حتى الآن عن سبب الوفاة الحقيقي ولم تعلن النيابة العامة عن بدء التحقيق في الواقعة.
وبجلسة 30 مارس 2022، نظرت نفس الدائرة الثالثة تجديد حبس المتهمين، وفي تلك الجلسة تحدث دفاع المتهم أحمد عادل سعيد عن حالته المرضية الشديدة، الذي كان يتقيأ دم من فمه، وظهر جسده منهك بشدة ووفقا لوصف دفاعه “انه شبه بيموت”، ورغم ذلك أصدرت الدائرة قرار بتجديد حبسه 45 يوما.
وبجلسة 13 فبراير 2022 سخر المستشار غريب علي غريب، عضو يمين الدائرة الرابعة المنوط به مباشرة جلسة تجديد الحبس يومها، من أحد المحامين حينما أصر المحامى الحاضر أن المتهم الموكل بالدفاع عنه له موقف مختلف عن باقى المتهمين يجب النظر فيه، رد عليه غريب بأن المتهمين جميعا لهم نفس الموقف دون إتاحة الفرصة للدفاع لشرح موقف موكله.
ووفقا لمحامي تحدث إلى الجبهة المصرية، فإن نفس المستشار كان قد أصدر تلميحات إلى أن موكلته مدانة، وأنه لن يقوم بإخلاء سبيلها، رغم أن الموكلة لا تزال في مرحلة التحقيق ولم تصل بعد إلى المحاكمة.
لوحظ أن على مدار النصف الأول من العام أن رؤساء الدوائر يخالفون قانون الإجراءات الجنائية مجددا ولا يخلي سبيل المتهمين بعد تجاوزهم مدة الحبس الاحتياطى المقررة في المادة 143 من القانون، ووفقا لرصد الجبهة المصرية احتوت جلسة دوائر الإرهاب الواحدة على ما لا يقل عن ثلاث قضايا تجاوز المتهمون فيها مدة السنتين المنصوص عليها قانونا، ووصلت عدد تلك القضايا في بعض الجلسات إلى ثلاث عشر قضية.
خاتمة
لا يزال أداء دوائر الإرهاب في نظر أوامر تجديد الحبس المعروضة أمامها يعصف بكثير من ضمانات المحاكمة العادلة في مرحلة ما قبل المحاكمة، يظهر ذلك في إصرار أعضاء تلك الدوائر في النصف الأول من عام 2022 على مخالفة القانون وإصدار قرارات بتجديد حبس المتهمين الذين تجاوزت مدد حبسهم مدد الحبس الاحتياطي المقررة قانونًا. إلى جانب ذلك، فإن تلك الدوائر تسلب المتهمين حقهم الدستوري في الدفاع عن نفسهم بالأصالة أو بالوكالة، ففي أحيان كثيرة، كما استعرض التقرير، لا يتمكن المتهمين من الحضور إلى الجلسات من الأساس، وبالتالي فهي لا تستمع إليهم أو محاميهم أو طلباتهم ومع ذلك تأمر بتجديد حبسهم بشكل شبه تلقائي. وفي نفس الوقت لا تعطي هذه الدوائر كافة هيئات الدفاع على قدم المساواة نفس التسهيلات حتى يتمكنوا من إبداء الدفوع والمرافعات.