تعرب الجبهة المصرية لحقوق الإنسان عن بالغ قلقها عن تجاوز نيابة أمن الدولة العليا لاختصاصاتها وتغولها على اختصاصات النيابة العامة بالتحقيق في قضايا جنائية ذات طابع اقتصادي بعد اضافة اتهامات ذات أبعاد سياسية لهذه القضايا مثل الإرهاب وإذاعة أخبار كاذبة. في توسيع واضح لاختصاص نيابة أمن الدولة المنصوص عليها بالقانون وهو نظر القضايا المتعلقة بقضايا أمن الدولة في الداخل والخارج. وتري الجبهة بأن هذا التوسع يشير إلي اتجاه السلطة الحاكمة لتفعيل السيطرة الامنية على القضايا التي تمس الملف الاقتصادي المأزوم في مصر، والذي قد يهدد شعبية الرئيس، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
كانت الجبهة المصرية قد رصدت خلال الفترة الزمنية من فبراير إلى مايو 2023 تحقيق نيابة أمن الدولة العليا مع ما لا يقل عن 25 شخص على الأقل في ثلاث قضايا، على خلفية اتهامهم بتهم جنائية من بينها الاتجار في العملة الأجنبية وتهريب مواد بترولية إلي خارج البلاد، وهي الجرائم التي تقع بالأساس ضمن اختصاصات النيابة العامة، ولكن فوجىء المتهمين بإحالتهم الى نيابة أمن الدولة للتحقيق معهم، سواء عقب القبض أو بعد إخلاء سبيلهم، حيث أضيف للتهم الموجهة إليهم تهم أخري من بينها الإرهاب ونشر الاخبار الكاذبة. ففي فبراير 2023 رصدت الجبهة تحقيق نيابة أمن الدولة العليا مع 12 شخصًا على الأقل من أصحاب الصرافات على خلفية تجارتهم في العملات الأجنبية في السوق السوداء، وذلك بالرغم من أن القضية تقع بالأساس ضمن اختصاص النيابة العامة، وذلك لمخالفة المتهمين نص المادة 233 من القانون رقم 194 لسنة 2020 الخاص بإصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي وتعامل النيابة العامة المعتاد في مثل هذه القضايا، إلا أن المتهمين تم عرضهم على نيابة أمن الدولة العليا وحبسهم على ذمة القضية 130 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا، وذلك بعد توجيه اتهامات ذات طابع سياسي كالانضمام لجماعة إرهابية الغرض منها الإضرار بالاقتصاد القومى.
و في أبريل 2023 رصدت الجبهة القبض على عدد من المتهمين لحيازة بعضهم سبائك ذهبية كانت بحوزتهم أثناء دخولهم مطار القاهرة ومن ثم عرضهم على النيابة العامة بتهمة التهرب الجمركي، وعقب إثبات فواتير السبائك أمرت النيابة بإخلاء سبيلهم، ولكن بدلا من تنفيذ قرار النيابة العامة فوجئ المتهمين بالتحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة على ذمة القضية رقم 716 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا، بعد اضافة اتهامات ذات بعد سياسي تضمنت الانضمام لجماعة إرهابية وتمويل تلك الجماعة وإذاعة أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
كما رصدت الجبهة أيضا في شهري مارس وأبريل 2023 إلقاء القبض على أربعة أشخاص على خلفية تهريب مواد بترولية الى منطقة شلاتين جنوب البلاد لبيعها فى السودان وإحالتهم للنيابة العامة والتى قررت حبسهم احتياطيًا قبل أن يخلى سبيلهم في 21 مايو من محكمة جنح القصير بكفالة 1000 جنيه، إلا أن المتهمين لم يفرج عنهم وأعيد تدويرهم مرة أخرى على ذمة قضية ذات اتهامات سياسية، حيث تم التحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 585 لسنة 2023 حصر أمن دولة، والتى وجهت لهم اتهامات الانضمام لجماعة إرهابية وتمويلها.
لا تنفصل هذه القضايا أعلاه عن سياق أوسع، حيث تستمر السلطات في إلقاء القبض على مواطنين على خلفية انتقادهم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ففي شهور أكتوبر ونوفمبر تصاعدت عمليات القبض على مواطنين على خلفية انتقادهم الأوضاع الاقتصادية و الدعوة لتظاهرات في 11 نوفمبر، وذلك من خلال فيديوهات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم حبسهم على ذمة قضايا مثل: 95 لسنة 2023 و 2515 لسنة 2022 و القضية 184 لسنة 2023 واتهامهم الانضمام لجماعة إرهابية وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة. وهي الحملة الأمنية التي طالت قرابة الـ 700 شخص.
تظهر هذه القضايا سعي السلطات لاحتواء بعض مظاهر الازمة الاقتصادية من خلال الاستهداف القضائي من قبل نيابة أمن الدولة، والتى تضيف أبعاد سياسية واتهامات تتعلق بالإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة للقضية لكي تجعلها تقع ضمن اختصاصاتها الواردة في قرار وزير العدل رقم 1270 لسنة 1972 والتي تشمل النظر في الجنايات المضرة بأمن الحكومة من الداخل والخارج والمفرقعات والرشوة و الجنح المتعلقة بالأديان وجرائم الصحف، بالاضافة الى جرائم التجمهر و المظاهرات و جرائم الوحدة الوطنية، بما يترتب عليه من انتهاكات اضافية مثل استمرار الحبس الاحتياطي لأطول مدة ممكنة وتدوير المتهمين على قضايا أخرى وهي الأنماط المعتادة لتعامل نيابة أمن الدولة في هذا النوع من القضايا.
تطالب الجبهة المصرية بوقف تصدي نيابة أمن الدولة العليا للقضايا الجنائية التي لا تقع ضمن اختصاصاتها وعدم التوسع في تفسير القضايا المضرة بأمن الدولة، وإحالة مثل هذه القضايا المشار إليها للنيابات المختصة، فضلًا عن التوقف الفوري عن ملاحقة المواطنين بسبب ابداءهم آرائهم في الأوضاع الاقتصادية الحالية، وتنفيذ قرارات النيابة العامة و إخلاء سبيل بعض المتهمين في قضاياهم الأساسية والتوقف عن اتهام المواطنين بتهم الإرهاب ونشر الأخبار الكاذبة بشكل تعسفي والتى لا هدف منها سوى اسكات الرأي العام وتخويف المواطنين السلميين.