تراقب الجبهة المصرية لحقوق الإنسان عن كثب ومنذ شهور مناقشات مجلس أمناء الحوار الوطني والاقتراحات المقدمة من جانب الأطراف السياسية العازمة على المشاركة في الحوار الوطني المقرر بدؤه خلال الفترة القادمة. وتتوجه الجبهة إلى المشاركين في الحوار بعدد من المقترحات المتعلقة بالملف الحقوقي والتي من الواجب وضعها ضمن أولويات أجندة الحوار في لجنة حقوق الانسان والحريات، وذلك لضمان جديته وضمان ألا ينتهي الأمر بالمشاركين في الحوار كمجرد أدوات لتجميل صورة النظام وتصدير صورة كاذبة حول انفراجة سياسية يقودها القائمون على الدولة. فعلى المشاركين عدم إغفال حقيقة أن الوضع الحقوقي المتردي في مصر خلال الأعوام السابقة ينبع في أغلبه من التصاعد غير المسبوق لقمع الحريات السياسية والاجتماعية، وتطويع مؤسسات الدولة المسؤولة عن العدالة والقانون لخدمة أغراض النظام السياسي وإضفاء الشرعية على ما يمارسه من قمع، ولذلك فلا يمكن التذرع بكون بعض المواضيع الحقوقية حساسة وخارج نطاق التناول والنقاش في الحوار الوطني، ومن بينها قضية الحبس الاحتياطي المطول والمحتجزين لممارستهم حقوقهم في التعبير والتنظيم والتجمع السلمي، خاصة وأن غالبية المحتجزين على خلفية قضايا سياسية كانوا قد احتجزوا لانتقادهم الوضع السياسي والحقوقي الذي يهدف الحوار لتحسينه أصلا.
وقد تابعت الجبهة بقلق بالغ التطورات على الصعيد الحقوقي منذ إعلان الرئيس دعوته للحوار الوطني في أبريل الماضي، بدءا من الانتهاكات المستمرة الخاصة بأوضاع الاحتجاز ومن بينها تردي الأوضاع الصحية لرئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، والناشط علاء عبد الفتاح، والتضليل المستمر بشأن حقيقة إضرابه عن الطعام وأوضاع احتجازه، وإلى استمرار استهداف المعارضين في الداخل والخارج، إلى تباطؤ لجنة العفو الرئاسي والنيابة العامة في إخلاء سبيل آلاف الأشخاص في قضايا أمن الدولة في ظل استمرار النيابة في إصدار قرارات حبس جديدة وتجديد الحبس الاحتياطي التعسفي لأعداد تفوق بأضعاف عدد من تم الإفراج عنهم، والتضييق الإعلامي على الأصوات المعارضة مثل أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية. وكل ذلك يوحي بغياب أي رغبة حقيقية لتحسين الأوضاع القائمة أو التوقف عن استهداف المعارضين والتنكيل بهم.
ولذلك فحتى ينتهي الحوار إلى نتائج ملموسة وطويلة الأمد تقترح الجبهة المصرية لحقوق الإنسان أن ترتبط مشاركة الشخصيات العامة والقوى السياسية في الحوار بمعالجة أسباب الوضع القائم وجذوره، لقطع الطريق على إعادة إنتاجه ثانية أو معالجته بمسكنات مؤقتة. وترى الجبهة أن الأولوية القصوى يجب أن تكون في الخروج من الحوار بضمانات تشريعية وإصلاحات للإطار القانوني المنظم للعملية السياسية وكذلك لمنظومة العدالة، يلتزم مجلس النواب بإدخالها، وتكفل رئاسة الجمهورية ذلك، بدلا من الاكتفاء بالتزامات شفهية وكلام مُرسل لا يحسن من الأوضاع القائمة في شيء.
وتقترح الجبهة أن توضع القضايا التالية على رأس أجندة لجنة حقوق الانسان في الحوار الوطني:
- أن تدمج لجنة العفو الرائسي ضمن اختصاصها ملف أحكام الإعدام التي صدرت في محاكمات معيبة، وأن تبحث سبل إعادة المحاكمة في تلك القضايا
- وضع ضمانات تشريعية لعدالة الممارسات الأمنية في ظل قوانين الإرهاب
- وضع ضمانات للشفافية وحرية تداول المعلومات وحرية التنظيم والتجمع والتعبير عن الرأي وحرية المجتمع المدني
- تجنب نبرة التخوين التي تستعمَل في شيطنة الصحفيين والحقوقيين والسياسيين وغيرهم ممن ينتقدون الأوضاع السياسية والحقوقية في مصر
- التوقيع على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري
وتتقدم الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بالمقترحات التالية المتعلقة ببعض مؤسسات الدولة التي هي حجر أساس في أي انفراجة سياسية، وتوصي المشاركين في الحوار إلى التركيز عليها وإشراك أعضاء مجلس النواب لبحث سبل الحصول على ضمانات قانونية بها:
أولا، فيما يتعلق التشريعات:
- سن قوانين صريحة لمناهضة ظاهرة الاخفاء القسري والتعذيب داخل أماكن الاحتجاز تتفق مع الدستور والمواثيق الدولية.
- تعديل قانون الإجراءات القانونية رقم 150 لسنة1950 عبر وضع نصوص صريحة تضمن عدم التعسف والتوسع في استعمال الحبس الاحتياطي، وتحديد حد أقصي له، ضمان تدوير المتهمين في قضايا جديدة بنفس الاتهامات، والنص على استعمال إجراءات وتدابير بديلة للحبس الاحتياطي، وفي إطار المحاكمات إلغاء تصدي محكمة النقض للأحكام الصادرة من محاكم الدرجة الأولي، وإلزام المحاكم بالسماع لجميع الشهود.
- النص الواضح على حصول جميع المتهمين على ضمانات المحاكمة العادلة، خاصة في القضايا المحكوم فيها بالإعدام، أو إعادة المحاكمة.
- وقف العمل بقانون العقوبات لحين تعديل المادة 86 وقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 وقانون الكيانات الإرهابية والإرهابيين رقم 8 لسنة 2015 ومواد التحفظ على الأموال، بما تتضمنها من مواد تسلب الحرية وتنتهك الحق في التعبير الحر عن الرأي، وضمان أن تكون هذه التعديلات بعد حوار سياسي ومجتمعي.
- إدخال تعديلات واسعة على قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018 والنص الواضح على عدم حظر أي مواقع الكترونية وصحفية دون إذن قضائي، وعدم الاستهداف الأمني والقضائي للأفراد على خلفية قيامهم بالتعبير الحر عن آرائهم على مواقع الكترونية أو وسائل التواصل الاجتماعي.
- إلغاء قانون تأمين وحماية المنشآت العامة 136 لسنة 2014، والذي يتيح إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية، وضمان إحالة جميع الأشخاص للمحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي.
- تعديل قانون الجمعيات الحالي رقم 149 لسنة 2019، بما يضمن استقلالية نشاط الجمعيات، وعدم خضوعها للإدارة التنفيذية، وذلك في إطار حوار مجتمعي يضم الجمعيات والمنظمات غير الحكومية المستقلة.
ثانيًا، فيما يتعلق بجهاز الأمن الوطني:
- فتح ملف الدور السياسي للجهاز الذي يجعله يتعامل مع المعارضين كخصوم للدولة، والبحث عن ضمانات ملموسة لتحويله عن ذلك الدور السياسي إلى مهامه الوظيفية في حفظ الأمن.
- بحث سبل تقنين علاقة الجهاز بالسجون والأقسام ومقار الاحتجاز الأخرى، بالشكل الذي يمكن من الرقابة على حركة المحتجزين داخل مقار الأمن الوطني، ويحد من وقائع التعذيب والإخفاء القسري التي تجري داخل تلك المقار خارج نطاق القانون ودون إمكانية للمحاسبة
- تحديد اختصاص الجهات الرقابية على أعضاء جهاز الأمن الوطني وعلى مقاره الرسمية وعلى كل الأماكن التي يشرف عليها الجهاز بشكل رسمي أو غير رسمي، مثل بعض السجون المشددة.
ثالثًا، فيما يتعلق بالنيابة العامة:
- الحصول على ضمانات لحفظ استقلالية النيابة عن تدخلات جهاز الأمن الوطني ووضع حد لاستخدام النيابة من قبل الجهاز لإضفاء صفة قانونية على ممارساته القمعية.
- بحث سبل تصحيح بعض ممارسات النيابة التي تفاقم من سوء الحالة الحقوقية والسياسية في مصر وإيجاد ضمانات تشريعية ضد تلك الممارسات، وأبرزها الأخذ بتحريات الأمن الوطني في القضايا السياسية دون تحريات أو فحص مستقل من قبل النيابة، وتجديد الحبس الاحتياطي للمحتجزين بشكل تلقائي ولمدد مطولة تفوق في أحيان كثيرة الحد الأقصى المسموح به قانونا، والامتناع عن التحقيق الجاد والفصل في شكاوى المحتجزين والسجناء وضحايا التعذيب وغيرهم
- تقديم مقترحات بإصلاحات تشريعية (واشتراط الحصول على ضمانات بتبنيها) تضع حدا لاستغلال النيابة لتهم مثل الانضمام لجماعة محظورة أو نشر أخبار كاذبة أو إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو ترويج الشائعات، وغير ذلك من التهم التي تُكال حزمة واحدة للمعارضين السياسيين والصحفيين والنشطاء
رابعًا، فيما يتعلق بالسلطة القضائية:
- وضع ضمانات تشريعية تضمن ألا تبني المحاكم أحكامها بشكل أساسي على تحريات جهاز الأمن الوطني، وتضمن عدم الأخذ بالشهادات الناتجة عن الإكراه المادي أو المعنوي، وتضمن التزام القضاة بالاستماع لجميع الشهود، وغير ذلك من إجراءات المحاكمة العادلة، لضمان عدم تحول أحكام القضاء إلى وسائل للتنكيل بالمعارضين السياسيين
- بحث سبل تقنين ضمانات تشريعية تلزم القضاة بإثبات وقائع التعذيب والإخفاء القسري التي ترد بشهادات المتهمين، وتلزمهم كذلك بأخذ إجراءات قانونية حيالها بشكل يضمن عدم إفلات المتورطين من العقاب
- إيجاد ضمانات تشريعية ضد التوسع في إصدار أحكام الإعدام والأحكام المغلظة في القضايا ذات الخلفية السياسية، خاصة عندما تشوب القضايا إخلالات بضمانات المحاكمة العادلة