مقدمة
تصدر الجبهة المصرية هذا التقرير الرصدي لمتابعة أداء دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة، ومراقبة عمل هذه الدوائر خلال جلسات نظر أوامر تجديد حبس المتهمين أمام غرفة المشورة، مع رصد قرارات تجديد الحبس وإخلاء السبيل خلال عام 2024.
يعتمد التقرير على القرارات الرسمية الصادرة عن هذه الدوائر، بالإضافة إلى تحليل الكشوفات الرسمية بأسماء المتهمين، والتي تمكنت وحدة الرصد والتوثيق في الجبهة المصرية من الحصول على نسخة منها. ومن ثم، تم تحليل المعلومات الواردة فيها وإدخالها إلى قواعد البيانات.
يعرض التقرير الأرقام المرصودة خلال عام 2024 وتحليلها، كما يقارن أداء دوائر الإرهاب خلال الفترة بين 2020 و2023 في مرحلة ما قبل المحاكمة. ويسلط الضوء على تأثير إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي على قرارات إخلاء السبيل، كما يقدم تعليقًا على سياسة هذه الدوائر في التعامل مع القضايا المعروضة عليها، وأبرز الانتهاكات التي تعرض لها المحامون والمتهمون أثناء الجلسات.
كما يكشف التقرير عن التغييرات التي طرأت على صلاحيات دوائر الإرهاب منذ تشكيل لجنة العفو الرئاسي، وسحب اختصاص إصدار قرارات إخلاء السبيل في قضايا أمن الدولة من القضاة، ومنحها إلى نيابة أمن الدولة العليا. وقد أدى ذلك إلى تفريغ دور هذه الدوائر من مضمونها، مما جعل دورها شكليًا فقط، وهو ما انعكس سلبًا على حقوق المتهمين والدفاع خلال جلسات تجديد الحبس.
أداء دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة خلال عام 2024
بحسب رصد الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، توقفت دوائر الإرهاب تمامًا عن إصدار قرارات إخلاء سبيل في قضايا أمن الدولة على مدار عام 2024. حيث نظرت ثلاث دوائر إرهاب في 104 جلسات ما لا يقل عن 45965 قرار تجديد حبس، موزعين على 3217 قضية أمن دولة، دون إصدار أي قرار بإخلاء سبيل أي متهم. بالإضافة إلى ذلك، لم تتمكن الجبهة من الحصول على بيانات المتهمين في جلستين إضافيتين.
يبدو أن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي منذ نهاية أبريل 2022 دفع دوائر الإرهاب إلى التخلي عن أي مظهر لاستقلالها القضائي في نظر قرارات تجديد الحبس، بعد أن كانت سابقًا تخلي سبيل بعض المتهمين ولو بنسبة ضئيلة. وقد أضحى هذا الدور بالكامل بيد النيابة العامة أو ضمن قوائم لجنة العفو الرئاسية، التي تُمرر إليها بعد فحصها من الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها جهاز الأمن الوطني الذي قام باعتقالهم في المقام الأول.
نتيجة لذلك، تحولت هذه الدوائر منذ أبريل 2022، ومع إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية، إلى جهات تضفي صيغة قانونية على قرارات الاعتقال التعسفي المطوَّل، من خلال إصدار قرارات تجديد حبس تلقائية. وتشمل هذه القرارات متهمين تم القبض عليهم بسبب ممارستهم حقهم في التنظيم، والتجمع السلمي، والتعبير عن الرأي، بمن فيهم من تجاوزوا المدة القانونية للحبس الاحتياطي.
من زاوية أخري، فمنذ نهاية أبريل 2022 وحتى 31 ديسمبر 2024، ظلت إخلاءات السبيل محدودة مقارنةً بأعداد المحتجزين والاعتقالات المتزايدة. فقد بلغ إجمالي عدد المخلى سبيلهم بقرارات عفو رئاسي ومن نيابة أمن الدولة العليا 2413 شخصًا، بالإضافة إلى 145 شخصًا فقط تم إخلاء سبيلهم من دوائر الإرهاب خلال تلك الفترة. في المقابل، شهدت الفترة نفسها ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المقبوض عليهم على ذمة قضايا مشابهة، حيث تم القبض على 6899 شخصًا على الأقل لأول مرة على خلفية قضايا أمن دولة. كما استمرت نيابة أمن الدولة العليا ودوائر الإرهاب في تجديد حبس الآلاف بشكل روتيني، دون النظر بجدية في أوضاعهم القانونية أو الصحية.
إخلاءات السبيل من دوائر الإرهاب منذ 2020 مقارنة بالإخلاءات منذ تفعيل لجنة العفو في أبريل 2022 حتى نهاية 2024
مقارنة بين أعداد ونسب إخلاءات السبيل خلال الأعوام من 2020-2024
أداء دوائر الإرهاب ونسب إخلاءات السبيل مقارنة بقرارات تجدد الحبس أمامها خلال عام 2024
نظرة مفصلة على قرارات دوائر الإرهاب خلال عام 2024
أولًا: نظرة على التغيرات التي طرأت على دوائر الإرهاب خلال العام
نتيجة لإقرار القانون رقم 1 لسنة 2024 بتعديل قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950، والذي أضاف مواد لتنظيم استئناف الجنايات وتحديد دوائر مختصة داخل محاكم الجنايات تكون دوائر استئنافية، تم تحديد الدائرة الثانية جنايات إرهاب برئاسة المستشار حمادة الصاوي (النائب العام الأسبق) وعضوية كل من المستشار محمد محمد عمار والمستشار علي حسن عمارة لتكون دائرة استئناف جنايات الإرهاب ومقرها محكمة بدر. وعليه، توقفت الدائرة عن نظر تجديدات الحبس الاحتياطي بتاريخ 6 أبريل 2024.
ثانيًا: نظرة على قرارات الدوائر
كان النصيب الأكبر من قرارات تجديد الحبس خلال العام لصالح الدائرة الثالثة، برئاسة المستشار وجدي عبد المنعم وعضوية كل من وائل محمد عمران ومحمد نبيل عبد الرحمن، حيث عقدت الدائرة 49 جلسة، نظرت خلالها في أوامر حبس 21,876 متهمًا على الأقل، موزعين على 1513 قضية، وأصدرت قراراتها باستمرار حبس جميع المتهمين.
عقدت الدائرة الأولى، برئاسة المستشار محمد السعيد الشربيني وعضوية كل من غريب محمد عزت غريب ومحمود عبد المنعم زيدان، 46 جلسة على مدار عام 2024، نظرت خلالها في أوامر حبس 20,608 متهمين على الأقل، موزعين على 1446 قضية، وأصدرت قراراتها خلال جميع الجلسات باستمرار حبس جميع المتهمين.
أما الدائرة الثانية، برئاسة المستشار حمادة الصاوي وعضوية محمد عمار وعلي عمارة، فقد عقدت، قبل إعادة تشكيلها لتصبح دائرة استئناف إرهاب، 9 جلسات على مدار الأشهر الثلاثة الأولى من العام، نظرت خلالها في أوامر حبس 3,481 متهمًا على الأقل، موزعين على 258 قضية، ولم تصدر أي قرارات بإخلاء السبيل، حيث قررت تجديد حبس جميع المتهمين.
قرارات دوائر الإرهاب في مرحلة ما قبل المحاكمة على مدار عام 2024 بالشهور
أبرز انتهاكات دوائر الإرهاب خلال عام 2024
التوقف التام عن إصدار قرارات بإخلاء السبيل
وفقًا لرصد الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، توقفت دوائر الإرهاب تمامًا عن إصدار أي قرارات بإخلاء السبيل خلال عام 2024، حيث تبنّت نهج التجديد التلقائي للحبس الاحتياطي دون النظر إلى الظروف الخاصة بكل متهم. واقتصر إصدار قرارات إخلاء السبيل على نيابة أمن الدولة، لا سيما بعد إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، مما جعل دور دوائر الإرهاب شكليًا، مقتصرًا على إضفاء غطاء قانوني على استمرار الاحتجاز.
التجاهل المستمر لشكاوى المتهمين بشأن أوضاع احتجازهم
رصدت الجبهة المصرية استمرار دوائر الإرهاب في إهدار حقوق المتهمين أثناء جلسات تجديد الحبس باستخدام تقنية الفيديو كونفرنس، حيث حُرم المتهمون من التواصل المباشر مع القضاة أو محاميهم دون حواجز. كما اضطروا لحضور جلسات التجديد من أماكن احتجازهم، رغم تقديمهم شكاوى متكررة بشأن سوء أوضاع السجون، وهو ما لم تتفاعل معه المحكمة بأي شكل.
كما أكّد محامون للجبهة المصرية أن الدوائر لم تستجب لمطالب النظر في الحالات الصحية للمتهمين، سواء من المرضى أو كبار السن، واستخدمت تقنية الفيديو كونفرنس للتضييق على المتهمين ومنعهم من التعبير عن معاناتهم داخل أماكن الاحتجاز.
قطع البث خلال جلسات التجديد لمنع المتهمين من الحديث
في جلسات 2 و3 يناير، 5 مايو، و24 يونيو، قام المستشار غريب محمد عزت، عضو يمين الدائرة الأولى، بقطع الاتصال عن المحبوسين أثناء حديثهم عبر تقنية الفيديو كونفرنس دون إبداء أي أسباب، كما لم يُسمح للمحامين برؤيتهم أو التواصل معهم.
وفي 25 جلسة عقدها القاضي وجدي عبد المنعم على مدار العام، تم إغلاق الصوت تمامًا على المتهمين، ومنع المحامين من التواصل معهم أو تقديم دفوعهم، ما جعل إجراءات التجديد أقرب إلى إجراء إداري روتيني بعيد عن أي رقابة قانونية فعلية.
تجديد الحبس رغم امتناع المتهمين عن حضور الجلسات
في جلسة 24 يونيو، أصدرت الدائرة الثانية قرارات بتجديد حبس المتهمين رغم امتناعهم عن الحضور عبر الفيديو كونفرنس، حيث رفض المحتجزون في سجن بدر 1 الخروج لحضور الجلسة. وأبلغت إدارة السجن المحكمة بهذا الامتناع، إلا أن القاضي وجدي عبد المنعم رفض تأجيل الجلسة وأصدر قرارات بتجديد الحبس تلقائيًا.
أكّد محامون للجبهة المصرية بأن المحتجزين يتم إخراجهم من العنابر منذ الصباح الباكر، ويُتركون لساعات طويلة في قاعة التجديدات دون طعام أو شراب، حتى يقرر القاضي بدء الجلسة، مما تسبب في حالات إغماء متكررة.
إجراء جلسات التجديد في قاعة غير مناسبة للمحكمة والدفاع
أفاد محامون للجبهة بأن قاعة غرفة المشورة بمحكمة جنايات بدر ضيّقة للغاية ولا تتسع للقضاة والمحامين، مما يضطر بعض المحامين للبقاء خارج غرفة المداولة، وهو ما يحدّ من قدرتهم على تقديم دفوعهم بفعالية.
وأشار المحامون إلى أن القاضي يعقد جلسات التجديد وفق ترتيب جغرافي، بحيث يتم نظر جميع المتهمين المحتجزين في سجن معين في جلسة واحدة، مما يؤدي إلى اكتظاظ القاعة بشكل كبير، ويعوق سير الإجراءات بشكل عادل.
انتهاكات متكررة من القاضيين وجدي عبد المنعم ومحمد السعيد الشربيني
- القاضي وجدي عبد المنعم، رئيس الدائرة الثالثة، استمر في منع التواصل بين المحامين والمتهمين، وأغلق الصوت عليهم، كما ضيّق على المحامين ومنعهم من الترافع بحرية، وأجّل جلسات التجديد دون إبداء أسباب. وفي جلسة 20 يونيو 2024، قرّر المحامون الانسحاب الجماعي من الجلسة اعتراضًا على هذه الممارسات، ورغم ذلك أصدر القاضي قرارات بتجديد حبس 983 متهمًا دفعة واحدة، كانوا موزعين على 55 قضية تنظرها نيابة أمن الدولة العليا.
- القاضي محمد السعيد الشربيني، رئيس الدائرة الأولى، نظر معظم جلسات التجديد خلال النصف الأول من العام بعضوين فقط، حيث كان عضو اليمين، غريب محمد عزت، يدير الجلسات منفردًا، في ظل غياب رئيس الدائرة، الذي كان يوقّع لاحقًا على قرارات الحبس. وفي جلسة 23 أبريل، أثار أحد المحامين بطلان انعقاد الجلسة بسبب غياب رئيس الدائرة، لكن المحكمة أصرّت على تسجيل حضوره رغم عدم مشاركته الفعلية.
خاتمة
يمكن القول إن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي ساهمت في التوقف التام عن إصدار أي قرارات بإخلاء السبيل من قبل دوائر الإرهاب خلال عام 2024. فبعد مرور ما يقترب على الثلاث أعوام منذ إعادة تفعيل اللجنة، تضاءلت عدد قرارات إخلاء السبيل الصادرة من محكمة الجنايات حتى اختفت تمامًا منذ نهاية عام 2023، مما جعل هذه الدوائر تعمل كأداة لتجديد الحبس التلقائي دون النظر في ملفات المتهمين أو حتى حضورهم الجلسات.
وعلى الرغم من استمرار الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها هذه الدوائر، لا توجد أي إشارات إلى تحسن محتمل في أدائها. فقد أصبحت قراراتها تتعارض بشكل صارخ مع مبدأ افتراض البراءة، وتؤكد أن هذه الدوائر أداة لإضفاء الطابع القانوني على الاحتجاز التعسفي، دون اعتبار لحقوق المتهمين أو الضمانات القانونية الواجبة.