تدين الجبهة المصرية لحقوق الإنسان اعتقال عدد من المواطنين باتهامات الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وذلك على خلفية ما ورد عن محاولة قيامهم وآخرين بتنظيم قافلة مصرية لفك الحصار عن غزة، وتُعد الجبهة التحقيق معهم أمام نيابة أمن الدولة العليا أمر مناقض للحقوق الدستورية والقانونية الطبيعية لها. وتُطالب السلطات المصرية بالإفصاح عن تفاصيل وضعية احتجازهم، والسماح لهم بالحصول على الدعم القانوني المستحق لهم.
بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي على غزة، تُقدم الحرب على غزة حلقة ومسوغا جديدا في مسلسل القمع المطول الذي يعيشه المواطنون المصريون لانتهاك حقوقهم، والذي لا يتورع عن الامتداد لآخرين غير مصريين كما شهدت بذلك أحداث المسيرة العالمية لغزة في شهر يونيو الجاري والتي طالت مواطني دول عدة عبر العالم دون سند واضح من قانون أو دستور.
منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أعقاب العملية العسكرية التي شنتها حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، ومع تصاعد آلة القتل والإبادة الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة والضفة الغربية، تصاعدت موجة التعاطف العالمية والمحلية ومحاولة التعبير عن هذا التعاطف والتي لم تسلم من موجات قمع وتقييد متفاوتة.
غني عن البيان ما تطرحه حرب الإبادة الإسرائيلية ضد غزة من تحديات أمنية واستراتيجية على الجانب المصري، الأمر الذي دفع السلطات المصرية -برغم توجهاتها السلطوية- لمحاولة إخراج مشاهد جماهيرية مهندسة تعكس الدعم الشعبي والجماهيري لموقف الدولة المصرية الرافض للمخططات الإسرائيلية لتهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء وكذلك سياسات الإبادة والتجويع للفلسطينيين من خلال الدعوة على استحياء لذلك.
وفي التقاط لهذه الدعاوى الجماهيرية، سعت عدد من القوى السياسية والوطنية للاشتباك بشكل مستقل مع تطورات الحرب على غزة والتي تُعد قضية أمن قومي بالانطلاق من منطلقات الموقف المصري الرافض للتهجير، والإبادة، في حين مضي البعض نحو انتقاد الموقف المصري والذي يراه البعض قرار بـ “عدم الفعل” إزاء الإبادة الممارسة ضد سكان غزة بعد إغلاق معبر رفح من الجانب المصري، مع السماح لبعض تجار الحرب ورجال أعمال مقربين للدولة بالتربح من معاناة الفلسطينيين والمصريين كذلك العالقين بين الحدود بالحصول على مقابل مالي ضخم منهم في مقابل السماح بعبورهم إلى الجانب المصري، وذلك تحت مرأى ومسمع السلطات الرسمية.
وبشكل غير مميز انطلقت آلة القمع في استهداف طيف المتعاطفين السلميين الواسع في تأكيد للخيار الاستراتيجي باستهداف كافة صور التعبير المدني والسياسي بغض النظر عن فحوى شعاراتها، فشمل الاستهداف أدوات كالتظاهر في الشوارع، وأمام النقابات، أو محاولة استيعاب القضية الفلسطينية والنازحين منهم بسبب الحرب في الأطر الفئوية مثل التجمعات الطلابية والجامعات بشكل منظم يهدف لتحقيق مطالب طلابية غير سياسية مثل الإعفاء من المصروفات، والدعم المالي، وتسهيل إجراءات التسجيل الإدارية. كذلك امتدت الملاحقة لمن حاولوا بالمثل التعبير بشكل فردي عن التضامن في الساحات العامة وبأعداد فردية تحت دعاوى تنظيم تظاهرات بشكل غير قانوني وغير مرخص، أو حتي على خلفية إنشاء كيانات طلابية للتضامن مع فلسطين.
وقد لحق بهؤلاء المواطنين جملة من الانتهاكات القانونية والجسدية مثل، مطاردة المشاركين في مقار منازلهم ومحلات إقامتهم، والذين وُجهت لهم اتهامات بالانضمام إلى جماعات إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وحبسهم احتياطيًا بشكل مطول في هذه القضايا، مع احتمالية أن يستتبع هذا محاكمتهم أمام دوائر استثنائية مثل دوائر الإرهاب. وقد تجاوزت الانتهاكات بحق هؤلاء الانتهاكات القانونية إلى حيز الانتهاكات البدنية ممثلة في التعدي البدني والضرب والسب. وإخفائهم قسريًا، والتحقيق بشكل غير قانوني وبدون وجود ممثل قانوني لهم.
وفي يونيو 2025، بدأت حلقة جديدة في مسلسل قمع السلطات المصرية الذي أطلقته الحرب على غزة مع وصول المسيرة العالمية لغزة. على الرغم من إعلان القائمين عن القافلة عن هدفهم، وعن سعيهم للتواصل مع الجهات المصرية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية وممثليها في الخارج للحصول على الموافقات اللازمة للتواجد في العريش ورفح، وكذلك للحصول على تأشيرات الدخول للقطر المصري؛ إلا أن استجابة الجانب المصري جاءت مفاقمة للأزمة. فعلى الرغم من محاولة إنشاء قناة اتصال مع الجهات المصرية قبل وصول المشاركين إلى الأراضي المصرية على الأقل بشهر، آثرت السلطات المصرية عدم التعاون أو الرد أو توضيح موقفها للقائمين على القافلة أو المشاركين فيها قبل موعد وصولهم بوقت كاف.
في نفس الوقت سعي الإعلام الرسمي والمقرب للسلطة لتضليل الرأي العام والتحريض على المشاركين وتقديمهم كمجموعة من الخارجين على القانون المباغتين للدولة المصرية، والساعين لدخول أراضيها دون موافقة وإذن صريح، وأشار بيان وزارة الخارجية أن الرفض ليس لمبدأ القوافل في ذاتها والدليل علي ذلك هو توارد الوفود الرسمية على معبر رفح منذ اندلاع الحرب على غزة، وهو أمر مضلل بالنظر لكون أغلبها وفود حكومية ودبلوماسية هادفة لرصد الواقع أكثر من ممارسة ضغط على الجانب الإسرائيلي. وعلى الرغم من من انطلاق هذه الدعاية بعد وصول المشاركين بالفعل لمصر، عرض المسؤولون عن القافلة التواصل مع السلطات المصرية وسفاراتهم بغرض التنسيق وتصحيح لما تراه خرقا للأوضاع وتجنبا لمخالفة أي قوانين وطنية أو وضع السلطات المصرية في حرج من أي نوع، وهو ما عزفت عنه السلطات كذلك، وفضلت المضي قدما في الأدوات الأمنية مستندة في ذلك لجملة من الثغرات القانونية مثل المادة 25 من قانون رقم 89 لسنة 1960 بشأن تنظيم دخول الأجانب مصر، والذي يمنح وزير الداخلية صلاحية إبعاد الأجانب عن مصر بقرار منه.
وبمجرد وصول المشاركين إلى موانيء مصر الجوية، رصدت الجبهة المصرية بأنه مورست ضدهم جملة من الانتهاكات القانونية والحقوقية والبدنية على النحو التالي:
- توقيف عشرات المشاركين بمجرد وصولهم للمطارات دون سبب واضح، وبالمخالفة لتأشيرات الدخول المستوفاة الشروط القانونية، ويؤكد التوقيف دون تحقيق مستفيض غياب مسوغ قانوني للتوقيف.
- التحفظ على بعض المشاركين واحتجازهم لفترات زمنية متفاوتة وصلت في بعض الحالات لما يقارب الـ 24 ساعة، والتحقيق معهم دون سند قانوني أو إظهار أوامر قضائية سواء في مقرات إقامتهم بالفنادق أو المطارات أو غيرها من الأماكن.
- التحفظ على جوازات السفر الخاصة بالمشاركين الأجانب في القافلة دون وجه حق، ودون سند قانوني أو إذن قضائي، ومصادرة متعلقاتهم كذلك دون سند قانوني.
- امتداد إجراءات التوقيف والاحتجاز ومصادرة جوازات السفر للأجانب والسياح الآخرين المتواجدين في الأراضي المصرية على سبيل الشك، دون أن يكون لهم ارتباط بالقافلة.
- ترحيل العشرات من المشاركين الأجانب غالبيتهم يحملون جوازات سفر أوروبية بمجرد وصولهم للمطارات في مصر
- بالمثل، امتداد إجراءات الترحيل والتوقيف والاستجواب لأي أجنبي يحمل أي إشارات تضامنية مع غزة كالكوفيات، الأعلام، وغيرها، دون بينة إضافية تقطع بوجود علاقة ما له بقافلة غزة.
- التعدي البدني بالضرب من جانب قوات الأمن وعناصر أخرى قريبة منها على المشاركين في القافلة، ووقوع إصابات بدنية في صفوفهم.
- الفض العنيف لتجمعات المشاركين السلمية كما حدث في محافظة الإسماعيلية.
- ممارسة الإخفاء القسري لبعض المشاركين في القافلة دون معرفة محل احتجازهم وسبب الاحتجاز القانوني مثلما في حالة أحد المشاركات التونسيات، والناشط الكندي مانويل تابيال منسق المجموعة الكندية المشاركة في القافلة وآخرين والذين تم الاعتداء عليهم بالضرب في مقرات غير معلومة.
- منع المشاركين في القافلة من الحصول على الطعام والوصول للرعاية الصحية أثناء احتجازهم لفترات طويلة، واحتجاز البعض في أماكن غير صالحة للاحتجاز.
- تجريد بعض المشاركين من هواتفهم المحمولة ومنعهم كذلك من استخدام الهواتف العامة في المطارات للتواصل مع طرف ثالث سواء كانت سفارات بلدانهم أو غيرهم لإطلاعهم على أوضاعهم.
وبرغم مضي أسبوعين على أحداث قافلة غزة، وترحيل المشاركين فيها إلى بلدانهم إزاء معلومات شحيحة سواء من الجانب المصري أو من سفارات بلدانهم، تستمر الآلة الأمنية المصرية في استهداف المواطنين المصريين الداعمين للقضية الفلسطينية دون تمييز؛ حيث رُصِدت في الأيام القليلة الماضية حالات قبض واعتقال لعدد من المواطنين على خلفية اتهامهم بتنظيم قافلة مصرية لفك الحصار عن غزة.
تطالب الجبهة المصرية لحقوق الإنسان بإخلاء السبيل الفوري لعشرات المواطنين المعتقلين على خلفية تعبيرهم الحر والسلمي عن رأيهم وتضامنهم مع القضية الفلسطينية منذ أكتوبر 2023، وتعبر عن خشيتها من استمرار عمليات الاستهداف لمواطنين آخرين، بعضهم قيد الاعتقال والاحتجاز على خلفية السعي لتنظيم تظاهرات أو قوافل أو غيرها من صور التضامن مع غزة، بما يعكس استمرار آلة القمع في استهداف المواطنين ومحاولاتهم السلمية للتعبير، ولو كانت إزاء قضايا إقليمية في قلب اهتمامات الأمن القومي لكل مواطن.
