اعتمدت الجبهة المصرية في إنشاء هذه الصفحة التعريفية بقسم شرطة ثان السادس من أكتوبر على مقابلة شخصية مع محتجزة سابقة مرت على القسم بعد عام 2016 ومحادثة صوتية عبر شبكة الانترنت مع محتجز سابق تواجد بالقسم في الفترة بين عام 2016 وعام 2021، بالإضافة لمصادر حقوقية وإخبارية أخرى.
بيانات القسم
يقع قسم شرطة ثان 6 أكتوبر بالمنطقة العمرانية الثانية بمدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، بالقرب من محكمة 6 أكتوبر ثان الجزئية ومكتب بريد الحي الحادي عشر.
تقع غرف الحجز كلها في نهاية الطابق الأرضي من القسم، بينما تقع خمسة أو ستة مكاتب للمباحث في الطابق الثاني. وتوجد عدة مكاتب إدارية بمدخل القسم، يقع بعدها على الناحية اليمنى حجز النساء. ومقابل حجز النساء يوجد ممران بكل منهما غرفتان متقابلتان تخصص لحجز الرجال. وفي المنتصف بين حجز النساء وغرف حجز الرجال يوجد شباك (كاونتر) للاستعلامات يقف به أمناء الشرطة المناوبون في القسم. ويكون هؤلاء هم المسؤولون عن متابعة شؤون من بالحجز وإدخالهم وإخراجهم من غرفهم. وقبل الإفراج عن أي محتجز لا بد من أن يعرض على رئيس المباحث أولا ليتم سؤاله عن بياناته ومحل سكنه وغير ذلك من البيانات. ويخلو القسم من أي ضباط أو موظفات من النساء.
أوضاع الاحتجاز
يتواجد بقسم ثان السادس من أكتوبر نوعان من المحتجزين، أولهم من تقبض عليهم قوات تابعة للقسم ويمكثون فيه لحين إحالة قضاياهم للمحاكمة، وثانيهم السجناء المتواجدون في سجون ويصدر قرار بإخلاء سبيلهم أو تنتهي مدة عقوبتهم وتقع محال سكنهم في دائرة القسم. وفي حالة من يرحّلون إلى القسم من سجون، فإنهم يُنقلون إلى تخشيبة الجيزة ثم يكون القسم مسؤولا عن إرسال مأمورية لاستلامهم من هناك. ويحدث أن يتأخر القسم لعدة أيام قد تتجاوز الأسبوع في إرسال المأمورية، ما يزيد من عدد الأيام التي يقضيها هؤلاء المحتجزون قيد الاعتقال رغم صدور قرار بالإفراج عنهم. وقد ينتج ذلك عن مجرد سوء إدارة، بحيث ينتظر القسم ليتجمع عدد كبير من المحتجزين المطلوب نقلهم للقسم حتى يرسل مأمورية واحدة، بدلا من إرسال عدة مأموريات لأعداد أصغر.
ومن الجدير بالذكر أن ظروف هؤلاء المحتجزين الذين يتأخر نقلهم تكون صعبة للغاية، حيث لا توجد بتخشيبة الجيزة مرافق كتلك المتاحة في السجون، ما يعني أن أولئك المحتجزين يعتمدون بشكل أساسي على زيارات يومية أو شبه يومية من الأهالي ليحصلوا على المياه والطعام والملابس. بالإضافة لأن منطقة الحجز بالتخشيبة هي غرفة تحت مستوى سطح الأرض، سيئة التهوية ولا تدخلها أشعة الشمس ولا يسمح للمحتجزين فيها بالتريض على الإطلاق.
لا يوجد بالقسم مدخل مخصص لاستقبال المحتجزين، بل يدخلون إلى القسم من بابه الرئيسي على مرأى من المواطنين وأيديهم مقيدة بالكلابشات، ويتم تفتيش المتعلقات الشخصية التي يدخل بها المحتجزون دون أن يتعرضوا للتفتيش الذاتي. ويصطحبهم إلى داخل القسم أمين شرطة من المأمورية المكلفة بترحيلهم، يكون مسؤولا عن تسليم القسم ملفاتهم وبطائقهم الشخصية ليقوم القسم بتسجيل وصولهم إليه. ولا يسمح للمحتجزين بالاطلاع على ملفاتهم التي تظل في حوزة القسم. ويمضي المحتجزون فترات متفاوتة داخل القسم، تتراوح بين عدة أيام وعدة أشهر يقضونها قيد التحقيق.
تغلق غرف الحجز بأبواب حديدية بها فتحة مربعة صغيرة (نظارة)، وبالكاد تكفي مساحتها ليمرر المحتجز يده من خلالها. وتخلو غرفة حجز النساء من أية أسرّة أو أثاث، لكن أرضيتها مفروشة بـ”الموكيت”. لا يوفر القسم الأغطية أو الوسادات، وتستعمل المحتجزات متعلقاتهن الشخصية التي أتين بها من السجن أو التي يحضرها الأهالي في الزيارة. وتقوم كل محتجزة بفرش بطانية ووسادة على الأرض للنوم، بالإضافة لبطانية تستعمل كغطاء. أما مساحة الغرفة فهي صغيرة للغاية، فتسع الغرفة حوالي ست أو سبع محتجزات على الأكثر دون أي إمكانية لمساحة تفصل بين فرش المحتجزات عن بعضه البعض. ولا يسمح للمحتجزات بالتريض على الإطلاق لا داخل الغرفة ولا خارجها:
“يدوبك الواحد قلبة يمين وقلبة شمال دي المساحة [المتاحة للمحتجزة أثناء النوم] … المساحة كانت صغيرة جدا يادوبك الواحد أصلا بيعدي وسط الناس وفوق الناس.”
يوجد بركن الغرفة حمام بمرحاض أرضي (بلدي) مغطى بستارة، وتوجد به عتبة تمنع انتشار الماء داخل الغرفة. ولم تشكو المحتجزة السابقة من نظافة الغرفة أو السجاد، خاصة وأن المحتجزات يقمن بتنظيف الغرفة باستمرار. ويتحملن تكلفة إحضار مستلزمات التنظيف من خلال الأهالي في الزيارة حيث لا يقدم السجن أية مسلتزمات أو أدوات تنظيف.
لا يوجد بالغرفة أية مصادر تهوية أو شبابيك أو شفاطات، ويوجد بها جهاز تكييف (“سبليت”) يجعل من جو الغرفة باردا جدا. ولا يوجد أي مصدر لنفاذ أشعة الشمس للغرفة. وتضاء الغرفة بمصباح أصفر واحد لا يكفي لإضاءة الغرفة بما فيه الكفاية. أما النظارة الموجودة بباب الغرفة فتكون في العموم مغلقة ولا تُفتح إلا من الخارج إذا أراد الأمناء مناداة إحدى المحتجزات أو إذا طرقت المحتجزات على الباب لمناداة الأمناء لأي غرض. وتقوم المحتجزات بتعليق ستارة على باب حجز النساء من الداخل لضمان الخصوصية في حال قيام الأمناء بفتح النظارة أو باب الحجز فجاءة. وبشكل عام، يقوم الأمناء بتنبيه المحتجزات من خلال الطرق بشدة على الباب قبل الدخول إلى الحجز، ولكن بفترة قليلة جدا لا تتجاوز الدقيقة.
لا يوجد أي مصدر للمياه الساخنة، وتضطر المحتجزات لشراء المشروبات الساخنة من مقهى قريب من القسم. ويكون أحد العمال بذلك المقهى مسؤولا عن كل تعاملات المحتجزين مع الخارج، سواء شراء الأطعمة أو المستلزمات الأخرى كالأدوية والفوط الصحية وغيرها. والقسم هو من يصرح له بالدخول لمنطقة الحجز والتعامل مع المحتجزين، وعند مجيئه يقوم أمين الشرطة المناوب بفتح باب الحجز لإدخال ما أحضره من مسلتزمات. كما أنه في حال اعتمد القسم لإحضار مستلزمات المحتجزين على خدمات توصيل خارجية فإن ذلك العامل يكون المسؤول عن استلامها خارج القسم وتوصيلها داخل الحجز. ويحصل المحتجزون على الأموال من خلال ذويهم في الزيارات.
في العادة في حجز النساء، تقوم إحدى المحتجزات ممن لديهن أقدمية داخل الحجز بفرض سيطرتها على الغرفة، وغالبا يتعامل معها الأمناء بالقسم في حال أرادوا مراقبة إحدى المحتجزات أو تسيير شؤون الحجز بشكل عام. وتتولى هذه المحتجزة توجيه المحتجزات الجدد وتوزيع أماكن النوم عليهنّ. ولتفادي المضايقات والتمكن من النوم بمكان ملائم داخل الغرفة إلى غير ذلك، تضطر المحتجزات لدفع إتاوات في هيئة سجائر لتلك المسيرة، أو مشاركتها في الطعام الذي يصلهن من الخارج، إلى غير ذلك.
“بتاخد منك بالعافية بس بالذوق في نفس الوقت… هي الفكرة إن هي أول ما بتيجي بتقلّبك.. يعني “معاكيش حاجة؟” النظام دا.”
وتكون المتعلقات الشخصية للمحتجزات عرضة للتفتيش والسرقة من قبل تلك المحتجزة، وفي حال قامت بالعبث بممتلكاتهن الشخصية فإنهن لا تجرؤون على إبداء الاعتراض أو سؤالها عن السبب.
يقدم السجن طعام التعيين مرتين يوميا للمحتجزين، وهو فقط عبارة عن رغيفين من الخبز وجبن. ولا يحصل المحتجزون على أي فواكه أو خضروات أو طعام مطبوخ، ما يعني أن من لا يتلقون زيارات من بين المحتجزين يقتصر غذاؤهم على الخبز والجبن. وتكون مسيرة الحجز مسؤولة عن توزيع الطعام على المحتجزات. أما مياه الشرب فتحصل عليها المحتجزات إما من الحنفيات الموجودة بالحجز أو من خلال شراء المياه المعدنية. يُمنع المحتجزون من إدخال أي مواد أو أدوات معدنية أو زجاجية، ولا يسمح سوى بأواني بلاستيكية للأكل والشرب، فيما عدا أكواب الشاي والقهوة التي تقدّم إليهم من المقهى القريب من القسم.
تدخل المخدرات بكافة أنواعها – بما في ذلك الحقن – لحجز النساء بشكل دوري. وتتعاطى الكثير من المحتجزات في وجود أخريات في مساحة صغيرة للغاية، ما يجعلهن أيضا عرضة لاستنشاق تلك الأدخنة. ورغم علم عدد من أمناء الشرطة بذلك – وخاصة عندما تكون الآثار واضحة على المحتجزات – فإنهم لا يتدخلون لمصادرتها أو للعمل على توفير أي نوع من الرعاية لأولئك المحتجزات، بل يكتفون بمنع المحتجزات من أي سلوك قد يؤثر على انضباط النظام بالقسم.
ويضطر المحتجزون وأهاليهم لدفع الأموال والرشاوى من أجل تسيير غالب شؤونهم داخل القسم، بدءا من استقبال الزيارات، وإدخال الطعام في الزيارة، والسماح للأهل بالدخول مباشرة بدلا من الانتظار لفترات طويلة، وحتى السماح للمحامين بمحادثة المحتجز عبر نظارة الحجز لفترات لا تتجاوز دقيقة واحدة.
بالنسبة لحجز الرجال، وصف محتجز سابق الغرفة المخصصة للمحتجزين السياسيين «البكايتة» بأنها تنقسم إلى غرفة صغيرة وصالتين، حينما يدخل يجد صالة بها ١٠ أفراد، بعدها غرفة على اليسار بها ٥ أفراد، ثم الصالة الثانية وهي كبيرة نسبيًا، يبلغ عرض الحائط تقريبًا ١٦٠ سنتيمتر، وكان مجموع الأفراد داخل غرفة الاحتجاز بأكملها يبلغ ٥٠ فرد، ويقومون بتقسيم أنفسهم إلى مجموعتين للنوم بالتناوب صباحًا ومساءً، وفي حال أراد الجميع النوم في ذات الوقت فيمكنهم ذلك عدا ٣ – ٤ أشخاص نظرًا للتكدس. والأرضية مفروشة بأربع بطاطين، الواحدة ينام عليها ٥ أفراد، وكانت المساحة المخصصة لغطاء المحتجز الذي تحدث إلى الجبهة المصرية حوالي ٥٥ سنتيمتر. بينما يحصل النبطشي على المساحة الأكبر والتي تبلغ حوالي ١ متر × ١ متر. وأشار المحتجز السابق أنه بالرغم من تخصيص هذه الغرفة للسياسيين، إلا أن غالبية المتواجدين بها محتجزين على ذمة قضايا جنائية، ولم يكن سوى هو وشخص واحد فقط على ذمة قضايا سياسية.
يوجد دورة مياه واحدة فقط في الغرفة الُمشار إليها مُسبقًا، وكانت كل الأمور تسير داخل القسم بدفع النقود، حتى طابور الانتظار لدخول دورة المياه، كذلك إدخال الأطعمة والمتعلقات الشخصية من خلال الزيارة يتم بدفع الرشاوى لأمناء الشرطة. أما عن التهوية والإضاءة، فيوجد بالغرفة نوافذ لكن لا تسمح بدخول إضاءة الشمس، كما يوجد بها جهاز تكييف، ومصابيح الإنارة. أما عن القمامة، فكان يجمعها أمين الشرطة كل صباح من غرف الاحتجاز.
وأضاف المحتجز السابق بأن القسم في الصباح يقدم وجبة طعام واحدة، من خبز وقطع جبن وحلاوة، لكن كان أغلب المحتجزين يعتمدون على الطعام القادم لهم من الخارج يوميًا، ومن لم تأتِ له زيارة فيتناول من طعام التعيين. كما أشار إلى وجود ما يشبه المطبخ بغرفتهم، لكن لم يكن المحتجزون يعتمدون كثيرًا، كما كانت المشروبات يقومون بشرائها من الخارج. وأشار بأنه لا يوجد أي نوع من أنواع التريّض بالقسم.
الزيارات
لا يُسمح للمحتجزين بأية اتصالات تليفونية بشكل رسمي، ويعتمد الكثير من المحتجزين على الهواتف المهربة داخل الحجز للتواصل مع أهاليهم. يُسمح للمحتجزين بالزيارة عدة مرات في الأسبوع في مواعيد محددة (غالبا في منتصف اليوم). وقد يتمكن المحتجز من استقبال زيارة من ذويه عبر نظارة الحجز في غير موعد الزيارة عن طريق رشوة أمين الشرطة المناوب على الحجز، ولا تتجاوز تلك الزيارة الخمسة دقائق. أما الزيارات في المواعيد الرسمية التي يعلنها القسم فيخرج فيها المحتجز إلى الممر المقابل للحجز للوقوف مع ذويه لدقائق معدودة.
لا يسمح للأهالي قبل الزيارة بالانتظار في الساحة الخارجية للقسم، بل يضطرون للانتظار في طوابير أو على الأرض في الشارع خارج القسم تماما، حيث أن القسم في منطقة خالية لا توجد بها أية تأسيسات للجلوس أو الحماية من الشمس. ويسمح لهم بالدخول على دفعات.
وبسبب ظروف الحجز التي تخلو من أية مرافق لتخزين الطعام أو غسيل الملابس، يضطر الأهالي لإدخال مستلزمات الزيارة بعدد قليل، ما يعني أنهم يضطرون أيضا للحضور للزيارة عدة مرات في الأسبوع. ويتعين عليهم دفع الرشاوى لتجنب سوء التفتيش أو المضايقات، وقد تصل قيمة الرشاوى المدفوعة في الزيارة الواحدة إلى 300 جنيه، تُدفع مثلا لثلاثة أو أربعة أمناء شرطة. كما أن الأمناء قد يأخذون من مستلزمات الطعام وغيرها أثناء التفتيش.
يتعرض أهالي المحتجزين “الجنائيين” لإجراءات تفتيش أكثر صرامة من أهالي من يصنفون كـ”سياسيين”. كما لا تتعرض هذه الفئة الأخيرة للكثير من المضايقات في التفتيش، بخلاف أهالي “الجنائيين” الذين يتعرضون لمعاملة مهينة واعتداءات بدنية ولفظية، وقد يصل الأمر إذا حدثت مشادات بين الأمين وأحد الأهالي إلى أن يتم التحفظ عليه واحتجازه في مكتب رئيس المباحث لفترة يتعرض خلالها للترهيب والإهانات اللفظية.
“بيتعاملوا مع الجنائيين بالشكل دا لإنهم عارفين إنهم تجار مخدرات بقى [من ناحية]، وناس فقراء من ناحية.”
الرعاية الصحية
لا يوجد أي مسعفين أو أطباء مقيمين بالقسم. ويعتمد المحتجزون على ذويهم لإدخال الأدوية في الزيارات، ولا يقدم لهم القسم أية أدوية أو رعاية صحية، بل يقتصر دوره على التصريح بدخول الأدوية. ولا يقوم القسم حتى بسؤال المحتجزين عن احتياجاتهم الصحية وتسجيلها عند دخولهم.
“هو بالنسبة [للقسم] إنت حاجة كدا متخزنة عندهم. أنا ماليش دعوة بيكي. فاهمة؟ يعني أكلك شربك حاجتك كلها مش معانا. بالنسبة لنا احنا بنقعدك ونقفل عليكي بس.”
المعاملة
تختلف معاملة المحتجزين “السياسيين” عن معاملة “الجنائيين” في القسم، فلا يوجه الأمناء والمخبرون أية إهانات لفظية للسياسيين، في حين قد يطال الجنائيين بعض الإهانات والتعنيف إذا لم يلتزموا الانضباط التام في سلوكهم (كالحديث بصوت مرتفع يُسمع خارج الحجز، مثلا). بل إن أمناء الشرطة عند إدخال المحتجزات “السياسيات” للحجز أول مرة يقومون بالتنبيه على باقي المحتجزات “الجنائيات” بعدم الاحتكاك بهن أو مضايقتهن.
تمكنت الجبهة المصرية من توثيق خمس وقائع تعذيب حدثت داخل القسم على الأقل خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقد وصل عدد الضحايا في بعض تلك الوقائع لأربعة أشخاص. وحسب تلك التوثيقات أيضا فإن ضباط المباحث مسؤولون مسؤولية مباشرة عن تلك الوقائع، حيث وقعت جميعها في الطابق الثاني في المكاتب الخاصة بضباط المباحث، إلا أن من يقومون بالتعذيب والضرب يكونون غالبا من المخبرين.
وتشمل أشكال التعذيب الضرب المبرح لحين فقدان المحتجز لوعيه، وتعليق المحتجز عن طريق ربطه من الخلف بماسورة حديدية مرتفعة. وقد يتم تقييد المحتجز في رجل كرسي أو ما يشابهها. كما قد تحدث بعض وقائع الضرب تلك أمام المواطنين المارّين على القسم. ويُجبر أولئك المحتجزون على الجلوس أمام بقية المارين في وضعية القرفصاء وأيديهم مقيدة بالكلابشات من الخلف، وتبدو عليهم آثار الضرب من تورم وجروح واحمرار بالوجه. وقد يجبرون على الجلوس مواجهين للحائط. ويمنعون تماما من الوقوف أو الكلام، ويتعرضون للإهانات بشكل مستمر.
“الولد بيبقى بيجيب دم من وشه ولا هايموت ويدخل حمام ولا تعب من الوقفة ولا تعب من القعدة. لو اتكلم بس بيتبهدل. دا كان قدامنا عادي معندهمش أي مشكلة. بتوع المباحث بالنسبة لهم الناس هواء. يعني احنا بتوع المباحث إنتو بالنسبة لنا هواء. باعمل أي حاجة قصاد أي حد ويبقى حد يتكلم يعني. محدش أصلا بيقدر يتكلم ومحدش يقدر يبدي تعاطف حتى … مرة كنت تحت برده وسامعة صوت تعذيب الراجل بيصرخ صريخ رهيب لدرجة إن كل الناس اللي كانت قاعدة في المنطقة اللي كنت فيها دي – بقولك بيبقى في ناس مواطنين عاديين. الناس كانت كلها متسمرة بتسمع.”
وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية، تضطر النساء داخل القسم لتجنب التعامل مع أمناء الشرطة قدر الإمكان تجنبا للمضايقات والتحرش اللفظي. ولا تلقى النساء الحوامل داخل القسم أية معاملة خاصة من حيث التغذية أو السماح بالتريض أو أوجه الرعاية الأخرى. بل يكون أحيانا من بين من يتعاطين المخدرات نساء حوامل، ولا يتخذ القسم حيالهن أية إجراءات.
المراقبة والتدابير الاحترازية
يمضي الأشخاص المحكوم عليهم بالمراقبة الشرطية أو التدابير الاحترازية في القسم أيا من الفترتين داخل غرفة تسمي “الاستيفة”، وقد يتعرض هؤلاء أيضًا – وخاصة النساء – لمضايقات (مثل التعليقات غير المريحة أو تعمد مشاهدة المراقِب) أثناء قضاء فترة التدابير أو المراقبة من قِبل الموظفين الذين يمرون على الغرفة. وقد يسمح للبعض بإمضاء فترة التدابير أو المراقبة في المكان المخصص للانتظار بالساحة الخارجية للقسم (“الحوش”)، وهي مساحة مفتوحة على السماء توجد بها مصطبة للجلوس ومظلة كبيرة للوقاية من الشمس، لكن لا تقي من البرد أو الرياح الشديدة.
وفي كل مرة يحضر المراقِب إلى القسم يتعين عليه إحضار “دفتر” خاص بالمراقبة يحتوي على صورة شخصية للمراقِب وبياناته وشروط المراقبة. ويقوم أمين الشرطة في الاستيفة بتسجيل ساعة حضور وانصراف المراقِب في ذلك الدفتر. وحسب المعلومات التي وثقتها الجبهة المصرية، فقد يضطر المحتجزون أثناء قيام الأمين بتسجيل ساعة حضورهم لإعطائه “رشوة” ما بين 20 و30 جنيه ليتجنبوا سوء معاملته وحتى لا يجبرهم على إمضاء وقت أطول من المفروض قانونا داخل القسم.
وكثيرا ما يمضي المراقِبون فترات مراقبة أطول عن تلك المقررة قانونا لأسباب إدارية بحتة، أبرزها تأخر رئيس المباحث في استقبال المراقِب لتواجده خارج القسم أو لانشغاله بمهام أخرى. فلا بد للمراقِب قبل الانصراف من القسم في كل مرة أن يُعرض على رئيس المباحث ويحصل على توقيعه على دفتر المراقبة. ومن بين الأسباب أيضا تأخر وصول قرار النيابة أو المحكمة بخفض عدد ساعات أو أيام المراقبة إلى القسم، فيجبر القسم المراقِب على الحضور لعدد الأيام أو الساعات الأصلي (الأكبر). ولا يحصل المراقِب في مثل تلك الحالات على معلومات دقيقة تساعده على تجاوز ذلك الخطأ الإداري، وتتضارب المعلومات التي يحصل عليها من قبل القسم والنيابة أو المحكمة. فقد يطالب القسم المحتجز بإحضار وثيقة من النيابة أو المحكمة تفيد بتغير شروط المراقبة، بينما تمتنع النيابة أو المحكمة عن إعطائه مثل تلك الوثيقة وتشترط الانتظار حتى يرسل القسم مأمورية خاصة إليها لاستلام القرار.
انتهاكات أخرى
وثقت عدة منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية تورط قسم ثان السادس من أكتوبر في عمليات إخفاء قسري وقتل خارج القانون، من أبرزها واقعة مقتل محتجز داخل القسم في يناير 2017، وذلك بعد إلقاء القبض عليه والتحفظ عليه داخل القسم بيوم واحد، وكذلك قيام قوات من القسم في ديسمبر 2016 بتصفية خارج نطاق القانون للمواطن ’محمد عبد الخالق دشيشة‘. وكانت قوات الأمن قد أفادت أن ’دشيشة‘ قتل في تبادل لإطلاق النار، إلا أن ذويه أكدوا أنهم كانوا على علم باعتقاله من قبل قوات الأمن قبل واقعة مقتله بأيام. ونقلت مواقع إخبارية أن قوات الأمن كانت قد تورطت أيضا في احتجاز ثلاثة من أشقاء ’دشيشة‘ للضغط عليه لتسليم نفسه. وفي هذا السياق يذكر أيضا أنه قد قُدمت شكاوى بحق رئيس مباحث قسم ثان السادس من أكتوبر عام 2015 من قبل أهالي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين التسعة الذين تمت تصفيتهم داخل شقة سكنية بمدينة السادس من أكتوبر فيما ادعت وزارة الداخلية أنه تبادل لإطلاق النار. وادعى الأهالي في الشكوى أن قوات الأمن كانت قد ألقت القبض على التسعة واقتادتهم لمكان مجهول تعرضوا فيه للضرب والتعذيب، قبل إعادتهم إلى الشقة وتصفيتهم.