مقر قطاع الأمن الوطني بأبيس بمحافظة الإسكندرية

اعتمدت الجبهة المصرية في إنشاء هذه الصفحة التعريفية بمقر الأمن الوطني بأبيس بمحافظة الإسكندرية على مقابلتين شخصيتين مع محتجز سابق ومحتجزة سابقة مرا على المقر بعد عام 2018، بالإضافة لأقوال سبعة أشخاص ظهروا في النيابة بين يونيو 2021 وفبراير 2023 بعد التحقيق معهم أو إخفائهم داخل مقر أبيس.

مرصد مقرات قطاع الأمن الوطني هو مشروع يهدف إلى رسم صورة متعمقة للجمهور والمهتمين/ات عن أوضاع الاحتجاز التى يتعرض لها مواطنون/ات في إطار إحتجازهم داخل مقرات قطاع الأمن الوطني. ان الاحتجاز داخل مقار الأمن الوطني هو احتجاز خارج نطاق القانون لأنه لا يكون بقرار من جهة قضائية، ولا تتطرق أي نصوص قانونية لتنظيمه بشكل مباشر، وتتخلله جملة من انتهاكات القوانين التي تنظم الإجراءات القانونية للاحتجاز، مثل التحقيق في غياب محامٍ، وعدم إعلام المحتجز بالتهم الموجهة إليه، أو إعلامه بمكان تواجده، إلخ… كما أنه لا تتوفر فيه أي من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون لكل من تصادر حريته من قبل الدولة، حيث يسود مناخ من اللاقانونية الصرفة داخل تلك المقار. كل من يحتجزون داخل مقار الأمن الوطني يكونون في عداد المختفين قسريا والمعزولين عن العالم الخارجي، بل إن بعضهم يقضي فترة اختفائه كاملة داخل المقر دون أن يعلم أين هو، ناهيك عن ذويه.  ولذلك وجب التنويه إلى أن كل ما سيلي ذكره من تفصيل لملابسات الاحتجاز والتحقيق والمعيشة داخل تلك المقار يحدث في إطار من الإخفاء القسري والاحتجاز بخلاف القانون. فمحاولة رسم صورة عن معيشة المحتجزين داخل المقار لا يجب أن تعتبر شكلا من التطبيع مع وجودهم بداخلها في المقام الأول، كما أن الحديث عن أي انتهاكات تتخلل التحقيقات أو المعاملة اليومية لا يجب أن يلفت النظر عن كون التحقيقات وسلطة الضباط وأفراد الشرطة ذاتها على المحتجزين مفتقرة إلى أي صفة قانونية.

أولا: ملابسات الاعتقال

يعتمد الجهاز في أبيس عدة أساليب وطرق لتتبع الأشخاص المطلوبين له. فأحيانا يسبق الاحتجاز استدعاء رسمي مباشر من الجهاز للتحقيق. وحتى إن لم يتضمن الاستدعاء ما يشير إلى أن الشخص سيتعرض للاحتجاز داخل المقر، فإنه أحيانا يكون مبطنا بتهديدات. وفي أحيان أخرى قد يرسل المقر شخصا أو اثنين بزي مدني لمنزل الشخص المطلوب، ليتقمصوا دور الجيران أو موظفين تابعين للحكومة يتحدثون للمواطنين عن خدمات معينة، أو يتظاهروا بأنهم معارف أو سكان بالحي يريدون التعرف على المحتجز، وذلك للتأكد من هوية الأشخاص القاطنين بالمنزل وتواجد الشخص المطلوب لهم من عدمه، ثم في حال تأكدهم من تواجده تأتي باقي القوة بزي ميري للقبض عليه على الفور. وقد يتوجه هؤلاء الأشخاص لمقر عمل الشخص للتأكد من محل سكنه أو تواجده في العمل.

“هو بيعمل دخلة كدا انه عادي بني آدم عادي لغاية ما يوصل ان الشخص دا موجود. حد تاني كلموه في التلفون على الأرضي يتأكدوا ان دا بيتهم فعلا رقم تلفونهم فعلا الراجل دا موجود فدقيقة ويكون عنده. حيل متخلفة شوية بدائية بس بتنجح.” (شهادة 1)

سواء كان الضبط من المنزل أو من مكان عام، لا تبرز القوة القائمة على الضبط أي إذن من النيابة ولا تواجه الشخص بأي تهمة أو تعلمه بالمكان الذي سيتوجه إليه، ولا ما إذا كان سيتعرض للاحتجاز أصلا، بل في أكثر من حالة وثقت الجبهة قيام القوات أثناء الضبط بإيهام المحتجز أو ذويه باقتياده إلى مكان آخر أو حتى محافظة أخرى. وفي بعض الأحيان قد يفهم المحتجز أن القوة تابعة للأمن الوطني، إما عن طريق الاستنتاج وعلمه بتجارب محتجزين آخرين قبض عليهم بالشكل ذاته، أو عن طريق تلميح الضباط إلى ذلك عن طريق تعليقات على شاكلة ” انت عارف احنا مين”، أو عن طريق إخبار المحتجز صراحة بأنهم تابعون للأمن الوطني. ولأن القوة التي تأتي للضبط تكون أحيانا كلها بلباس مدني، أفاد أحد المحتجز السابقين بأنه التبس عليه ما إذا كانت القوة تابعة لجهاز الشرطة أم أنهم من البلطجية.

“[لم أطلب الاطلاع على إذن النيابة لأنه] أول ما قال لي أمن دولة و[اسمي] أنا خلاص بقى هافضل أستظرف؟ ما أنا عارفة اللي فيها.” (شهادة 5)

في غالبية الأحيان عندما تتوجه القوة لضبط الشخص من منزله، يكون ذلك في ساعات متأخرة من الليل، وقد يتصادف ذلك أيضا مع مناسبات دينية. تدخل القوات إلى المنزل بعد طرق شديد على الأبواب، وبأعداد كبيرة مدججة بسلاح كثيف، وقد تدخل القوات في مشادات مع المحتجز وباقي أهله. وقد تكون بانتظار المحتجز في بعض الأحيان قوة مكتملة من عشرات العساكر المدججين بالسلاح الآلي، وسيارات فض شغب ومدرعات وسيارات شرطة ملاكي ومدرعات، وهو ما يكون عنصر ترهيب وصدمة للمحتجز وأسرته وجيرانه كذلك. وفي أحيان أخرى يُقتاد المحتجز في سيارة نقل ملاكي تابعة لأحد سائقي النقل في الحي الذين تربطهم صلات تعاون أو عمل بالأمن الوطني. ولا تتواجد أي نساء وسط القوات القائمة على الضبط.

تحرص القوات أثناء القبض على منع تواصل المحتجز مع أي شخص عن طريق الهاتف لإعلامه بأنه يتعرض للاعتقال، وقد يتعرض الشخص المطلوب للتعنيف إن حاول فعل ذلك. وأثناء الضبط قد تقوم القوة بمصادرة أجهزة إلكترونية خاصة بأفراد أسرة الشخص المطلوب، وليس أجهزته هو فقط. ويؤمر الشخص قبل الاقتياد لتغيير ملابسه، لكن لا يُسمح له إلا في حالات استثنائية بأخذ غيارات ملابس رغم علم القوة القائمة على الضبط بأنه سيتعرض للاحتجاز، وقد وثقت الجبهة حالة محتجزة سابقة حاول الضابط المتواجد مع القوة تتبعها للغرفة التي ستغير بها ملابسها وأنها دخلت في مشادة بسيطة لإيقافه والإصرار على غلق الباب.

في العادة يقيد المحتجز بالكلابشات قبل دخوله إلى السيارة، ويتم تغميته في الطريق إلى المقر بغمامة غير نظيفة كتكدير مقصود، ويختلف الأمر إن كانت هناك أوامر بعدم تكديره. ويؤمر المحتجز أثناء الرحلة للمقر بخفض رأسه حتى لا يتعرف على الطريق. وحسب شهادة محتجزة سابقة، فإن الغمامة كان طولها يقارب متر وتم لفها ثلاثة مرات حول وجهها لتحول دون الرؤية تماما.

“من الحركات السيئة لما حد يتقبض عليه يتمسك انهم يغموه بقماشة سيئة جدا أي فوطة عربية فانيلة واحد عرقان أي حاجة. لكن لو الدنيا كويسة يعني والجو لطيف فبيخليني أتغمى بفانلتي أنا أقلع أي فانلة داخلية واغمي نفسي بها.” (شهادة 1)

يوجد للمبنى مدخلان، أحدهما مدخل عبر الجراج بالطابق السفلي، وأحدهما عبر سلم من الشارع. عند الدخول من الباب يوهم الأمناء المحتجز بأنه يدخل في طرق متشعبة، فيؤمر وهو مغمى أن يدور ويغير اتجاهه أثناء المشي، رغم أن ذلك يحدث في ساحة مفتوحة أمام باب المقر. ويجبر على السير منحنيا.

وبعد الوصول للمقر، يتعرض المحتجز للتفتيش الذاتي وتُصادر كل متعلقاته ما عدا الملابس، بما في ذلك الأحزمة والأحذية والأموال. وتصادَر هذه المتعلقات أيضا من النساء، إلا أن محتجزة سابقة أفادت بأنها لم تتعرض للتفتيش الذاتي وسُمح لها بالاحتفاظ بقطعة أكسسوار ثمينة. يُبقى على المتعلقات المصادَرة أثناء التفتيش في مخزن بمدخل المبنى، ولكن لم يتمكن المحتجزون السابقون عند خروجهم من المقر من العثور على متعلقاتهم، ما يرجح أنها إما تُسرق أو تضيع، حيث أن الأمناء في بعض الأحيان يسلمون المحتجز أي متعلقات كالأحذية والأحزمة ليرتديها قبل الخروج للنيابة، حتى إن لم تكن تخصه. وفي الحالات الاستثنائية التي يكون مع المحتجز غيارات ملابس مثلا إن تم القبض عليه أثناء السفر وكان الضابط يسمح باحتفاظه بغيارات ملابس، يصادر الأمناء الحقيبة منه ويفرغون محتوياتها في كيس بلاستيكي ثم يسلمونها له ثانية. ويحدث  الأمر ذاته مع النساء دون مراعاة لخصوصيتهن.

ثانيا: ظروف المعيشة

يقع حجز الرجال في الطابق الأرضي، وهو عبارة عن ممر على شكل ضلعي مستطيل أو حرف “L” توجد به سبع غرف حجز مرقّمة من 1 إلى 7، كما يتم تسكين بعض المحتجزين بالممر ذاته. وتقع غرفة الحرس بنهاية ذلك الممر ويفصلها عنه باب يظل مغلقا أغلب الوقت. يستعمل الجراج أيضا كمكان احتجاز، ويرقّم هو الآخر برقم 8. أما غرف حجز النساء فهي عبارة عن غرف إدارية عادية توجد بممر متفرع من مدخل المبنى، ولكن ليس بها أي أثاث. وقد تسكن النساء في أماكن أخرى، فرصدت الجبهة في إحدى الشهادات قيام الإدارة بنقل المحتجزين الرجال من الجراج لتسكين محتجزة قضت في المقر بضعة أيام. وكل غرف الحجز سواء للرجال أو النساء مراقبة بالكاميرات طوال الوقت. ويناوب بدورية الحراسة الواحدة اثنان من أمناء الشرطة في المتوسط.

أوضح المحتجز السابق أن التسكين بالغرف لا يتبع قواعد تسري بالتساوي على الجميع، حيث أن بعض الغرف قد يسكن بها خمسة أشخاص رغم ضيق مساحتها ما يجعل النوم داخلها بالنسبة لهم صعبا، أما بعض الغرف الأخرى قد يتم الإبقاء على محتجز واحد بداخلها، وقد تكون غرف أخرى خالية تماما. وأفاد أن الغرف كلها تتراوح مساحتها بين ثلاثة أمتار طول في مترين عرض. أما الممر ف كان عرضه لا يتجاوز ثلاثة أمتار، وقد يصل طوله إلى 15 متر.

بخلاف ممر حجز الرجال وغرف حجز النساء، تخلو غرف حجز الرجال من أية نوافذ، ولكن أفاد محتجز سابق بأنه شعر بوجود مصدر للتهوية كمكيف أو شفاط مركزي. وورد بإحدى الشهادات أن المحتجز شعر بأن جدران الغرف من 1 لـ5 مصنوعة أو تحتوي على مواد معدنية وأنها لم تكن غرفا خرسانية، وقال بأنه في حال الحركة داخل الغرف بإنه كان يسمع صوت حديد أو معدن.

ويظل مكان الحجز مضاء طوال اليوم. ولا يتمكن المحتجزون في الأماكن الخالية من النوافذ من معرفة الوقت وما إذا كان بالنهار أم الليل إلا من تبديل ورديات الحراسة، ويشمل ذلك أيضا المواسم والمناسبات الدينية، فلا يعلم المحتجزون مثلا بدخول عيد الفطر إلا عندما تتغير مواعيد تسليم الطعام. ويمنع المحتجزون من النوم إلا في المواعيد التي يحددها المقر، وقد قدر محتجز سابق أنهم كانوا يضطرون للنوم قرابة الساعة 12 مساء، ويتم إيقاظ جميع المحتجزين قرابة الساعة 9 أو 10 صباحا، وتظل أبواب الغرف مغلقة عليهم ولا تفتح إلا عند الدخول للحمام أو الخروج للتحقيق.

تسلم للمحتجز عند الدخول بطانية واحدة شديدة الاتساخ لاستخدامها كفرشة للنوم، وقال محتجز سابق أنها لم تكن تكفي للوقاية من البرد، بينما قالت محتجزة سابقة بأن الأغطية تسببت لها بالتهاب جلدي كونها مصنوعة من الصوف الخشن وغير نظيفة. يظل المحتجزون مغمين طوال الـ24 ساعة، كما يظلون طوال تواجدهم بالغرف أو بممر الاحتجاز مقيدين من أيديهم في حلقات حديدية مثبتة بالجدران على ارتفاع نصف متر عن الأرض مثلا، ما يجعل النوم وتناول الطعام صعبا للغاية. ولكن أفادت محتجزة سابقة بأن النساء تفك قيودهن ويتمكنّ من فك الغمامات أثناء تواجدهن بغرف الحجز. كما يمنع المحتجزون منعا باتا من الكلام والحركة أو حتى الوقوف لمد أرجلهم على الإطلاق، لدرجة أن من يرغب في أداء الصلاة يؤمر بأدائها جالسا. كما لا يتسنى لهم الوضوء في أي وقت، بل في مواعيد دخول الحمام.

“حد يقول انا مش قادر [أصلي] بالوضع دا ومش عارف ايه يقول له صلي بعينيك.” (شهادة 1)

يوجد حمام واحد كبير بنهاية الممر يخدم كل من في حجز الرجال، بما في ذلك الموجودين بالجراج، وبه دورتا مياه بكل واحدة مرحاض أرضي (“بلدي”). وتستخدم المحتجزات من النساء دورة مياه موجودة بالقريب من غرف الحجز المخصصة لهن.

يسمح لكل محتجز بدخول الحمام مرة واحدة في الصباح ومرة أخرى في نهاية اليوم، ولا يُسمح لهم بقضاء أكثر من دقيقة داخل الحمام. وفي حال احتاج أحد المحتجزين الحمام خارج تلك الأوقات، فإن الأمر يتوقف تماما على “مزاج” الأمناء المناوبين في السماح لهم أو لا. كما لا يسمح لهم بغلق باب الحمام على الإطلاق ولا مواربته، ما يعني أن المحتجزين يكونون مكشوفين للحراس، بينما يكون المحتجزين أنفسهم مغمين.

“الأمين دا بيبقى واقف على الباب بتاع الحمام العمومي يعني والبابين التانيين مفتوحين بس هو مش شايفهم بوضوح بس لو عايز يشوف هايعرف يشوف.” (شهادة 1)

وبخلاف المحتجزين الرجال الذين ينظم الحراس ذهابهم للحمام في مواعيد ثابتة، تحتاج المحتجزات من النساء لمناداة الأمناء ليفتحوا باب غرفة الحجز ويسمحوا لهن بدخول الحمام. وأفادت محتجزة سابقة بأن الحمام المخصص للنساء به نافذة كبيرة لا يمكن غلقها أو سدها، وتطل على أبراج المراقبة ولذلك هي مكشوفة للعساكر المناوبين عليها. وورد بإحدى الشهادات أن الأمناء قد يستعملون طلب الدخول للحمام وسيلة للضغط على المحتجزة، خاصة إن كانت من أصحاب الاحتياجات الصحية كالسكر التي تضطرها لدخول الحمام بشكل متكرر. كما يتعمد الأمناء استعجال المحتجزة فور دخولها الحمام والطرق على الباب بشكل قد يوهمها بأنهم قد يفتحون الباب عليها.

“كان بيلوي دراعها بحتة الحمام دي. كانت تخبط له تقول له يابني مش قادرة يقول لها اصبري دلوقتي ويسيبها لغاية ممكن ما تعمل على روحها.” (شهادة 2)

يوجد بالحمامات صابون، لكن لا توجد بها مياه ساخنة. وقبل دخول الحمام تنزع عن المحتجز الكلابشات، وينبه الأمناء على المحتجزين بأن بإمكانهم نزع الغمامات داخل الحمام لكن قبل خروجهم من الحمام لا بد من أن يخرجوا وأعينهم مغماة، على الأرجح حتى لا يتمكنوا من رؤية الحراس.

يسمح للمحتجزين بالاستحمام على فترات متباعدة، ولكن أيضا لا يسمح لهم حينها بغلق باب الحمام أو قضاء أكثر من دقيقة. ولعدم وجود أي غيارات ملابس مع المحتجزين، فيلجؤون لغسل جزء من ملابسهم أثناء الاستحمام والإبقاء على جزء آخر جافا، ثم تبديل الملابس المغسولة بالمتسخة بعد أن تجف لحين الاستحمام مرة أخرى وغسل بقية الملابس، وهكذا. وأحيانا يضطرون للبس الملابس مبتلة. ويتوقف سماح الأمناء للمحتجزين بالاستحمام على كثرة طلبات الاستحمام من المحتجزين وكثافة العمل، ولذلك فيلجأ المحتجزون لتنظيم طلب الذهاب للاستحمام بالدور حتى لا يرفض الحراس. وقد يبادر الأمناء بإرسال المحتجز للاستحمام في حالة طالت فترة عدم استحمامهم. كما يحدث ذلك أيضا في حالات من تسبب لهم التعذيب بالكهرباء في فقد التحكم في وظائف الإخراج. ويكلف الحراس أفرادا من عساكر الأمن المركزي بتنظيف منطقة الحجز، ويمنع هؤلاء بشكل قاطع من الكلام مع المحتجزين.

“كان في ناس بتتكهرب. ف كان بيفقدوا السيطرة على الإخراج. كانوا بيقفدوا السيطرة في ان هم يعملوا حمام سواء بول أو براز. فكان غصب عنه لازم يخليه يستحمى يعني. بس الموضوع كان ممكن ياخد وقت ومش بسهولة. كان كل اللي يشغله إن المكان مايتوسخش لكن انت تتوسخ عادي مش مهم.” (شهادة 1)

تسلم للمحتجزين وجبتان يوميا. يتسلم المحتجز في وجبة الإفطار 4 أرغفة خبز وعلبة جبن صغيرة ، وأحيانا علبة حلاوة طحينية. أما في الغداء فيتكون من خبز، ومكرونة أو أرز، وربع دجاجة أو خضار مطبوخ بقطعة لحم صغيرة. وتضاربت الشهادات حول جودة الطعام، فأفاد محتجز سابق بأنه في الفترة التي قضاها بالمقر كان المحتجزون يحصلون على طعام من التعيين الذي يسلم لعساكر الأمن المركزي، ولذلك كانت جودة الطعام مقبولة بشكل عام، فيما عدا الخبز الذي كان يأتي جافا جدا، وكذلك اللحم. لكن شكت محتجزة سابقة من سوء جودة الطعام للدرجة التي لم تمكنها من تناوله على الإطلاق. ولكن رصدت الجبهة شكوى عامة من نقص السكر والملح بالطعام، وورد بإحدى الشهادات أن المحتجز سمع من حديث الأمناء الذين يوزعون الطعام ما يفيد بأن نقص الملح كان بأوامر مقصودة وصريحة من الضباط.

“الأكل كان فعلا قذر. كان فعلا بدم. الفراخ ريحتها واضح ان هي معفنة وفيها الدم بتاعها. الحاجة قذرة جدا. صعب جدا. المكرونة – طبعا مكانش في معلقة فانا قلت ايه طب ألقط مكرونة كدا شوية نشويات عشان عندي السكر بيهبط. جيت ألقط كم مكروناية كدا متحمرين ف لقيت حاجات سوداء كدا… قربت كدا… لقيت السواد دا بسم الله ما شاء الله دا مش فلفل اسود دا سوس فماقدرتش أقرب منها بقى.” (شهادة 2)

يحصل المحتجزون على مياه الشرب من صنبور الحمام، وفي حال فرغت زجاجات المياه البلاستيكية التي تسلم لهم، يقوم أحد عساكر الأمن المركزي القائمين على تنظيم منطقة الحجز بملئها لهم. لكن ذكر محتجز سابق بأن المحتجزين داخل الغرف من 1 إلى 5 كانوا ممنوعين من إبقاء زجاجات المياه بجانبهم، بل كانت الزجاجات خارج الغرف ويجب على كل من يريد الشرب الاستئذان وانتظار موافقة أمين الشرطة ليشرب. وقد رجح المحتجز السابق أن السبب هو أن نزلاء تلك الغرف يكونون قد تعرضوا للتعذيب بالكهرباء. وحسبما وثقت الجبهة، فإن المياه كانت غير صافية.

الرعاية الصحية

لا يوجد أي أطباء أو مسعفين مقيمين بالمقر، كما لا يزوره أي أطباء من الخارج. ولكن حسب شهادة المحتجز السابق، فإذا كان بين المحتجزين طبيب فيُسمح له بالتدخل لعلاج بعض الحالات الصحية البسيطة، ولكن غالبا بشكل شفهي أي أنه لا يفك قيوده مثلا ليقوم بالكشف.

يتعنت القسم في توفير الأدوية للمحتجزين إلا في حالات استثنائية للحالات الحادة والطارئة والأمراض المزمنة كالسكر. ولا يوفرها على نفقة الدولة، بل يستعمل إجمالي الأموال المصادرة من المحتجزين أثناء القبض عليهم لشراء أية أدوية التي يعاني منها أي محتجز، بغض النظر عما إذا كان أصحاب تلك الأموال من بين المنتفعين بتلك الأدوية أم لا. ووثقت الجبهة حالات قام فيها الأمناء بشراء الأدوية دون أي علم بمحتواها أو مناسبتها للحالة الصحية للمريض أو أضرارها الجانبية عليه، بل يكتفون بسؤال أي طبيب موجود بين المحتجزين ليجيب بشكل شفهي دون كشف، أو سؤال المريض عما يحتاجه من أدوية دون رأي طبي متخصص.

يكثر وجود أصحاب احتياجات صحية خاصة داخل المقر تستلزم رعاية دورية وأدوية يومية. فرصدت الجبهة وجود مريض سكر كان يصاب بإغماءات متكررة، ومريض بالكلى كان يعاني من آلام حادة طوال الوقت، وكذلك مرضى بالقلب وأمراض صدرية أخرى، ومحتجزين يعانون من مشاكل بالعظام أو الأطراف تؤثر على قدرتهم على الجلوس أو الحركة. وقال محتجز سابق بأن بعض أولئك المرضى لا يتناولون أدويتهم – في حال توفرها – لأنهم يتحرجون من طلبها في مواعيدها اليومية رهبة من الأمناء، وقد يؤدي ذلك لتدهور حالاتهم وإصابتهم بإماءات أو فقدانهم القدرة على الحركة أو الشعور الشديد بالعطش. وفي حال تدخل محتجز نيابة عن آخر لطلب الأدوية أو شكل آخر من أشكال الرعاية، فقد يتم تعنيفه وتوجيه اعتداءات لفظية له.

في ذروة وباء كوفيد-19، وثقت الجبهة قيام المقر بتركيب بوابة للتعقيم، يمر عبرها المحتجز لتقوم برش المعقم على جسمه من كافة الاتجاهات. لكن لم توثق الجبهة تطبيق إجراءات أخرى كقياس حرارة الشخص الذي يدخل حديثا للمقر. كما وثقت الجبهة أيضا حرص الإدارة على تنظيف أرض منطقة حجز الرجال بشكل يومي بالكلور، حيث كان المحتجزون يُجمعون في مكان واحد حتى يقوم أحد عساكر الأمن المركزي بالتنظيف ثم يؤمرون بالعودة لأماكنهم. أما الفرش فكانوا يقومون بنفضه فقط ثم إرجاعه لمكانه دون أن يتم غسله بشكل دوري، مع العلم أنه كان مصدرا محتملا للعدوى حيث أن المحتجزين القادمين حديثا يستعملون الفرش بعد استخدامه من قبل محتجزين آخرين غادروا المقر. وأفاد محتجز سابق أيضا بأن الإدارة جلبت جهازا لكشف الحرارة، لكن كان المسؤول عن استعماله على المحتجزين أمين شرطة حاول الحراس إيهام المحتجزين بأنه طبيب. وقد اتضح للمحتجزين على الفور افتقاره للمعلومات الطبية الأساسية وعدم قدرته على قراءة الجهاز بشكل صحيح.

ثالثا: أنماط الانتهاكات (المباشرة + المشاهدة على محتجزين آخرين)

لا يوجد أي سبيل للمحتجزين لإخبار ذويهم بمكان احتجازهم، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي عن طريق رشوة الأمناء أو الطلب بشكل ودي من الضباط. بل إنه أثناء فترة الاختفاء قد يقوم الجهاز عن طريق مخبرين معروف صلتهم بالأمن الوطني بنشر إشاعات تدين الشخص المطلوب وتوحي بكونه منخرطا في نشاط عدواني ضد الدولة.

كل حالات الاختفاء داخل المقر التي وثقتها الجبهة المصرية بشكل مباشر لم تتجاوز الشهر، وكان من بين تلك الحالات محتجزتان. لكن أفاد محتجزون سابقون بأنهم قابلوا داخل المقر محتجزين (من الرجال والنساء) ظلوا مختفين لأشهر طويلة داخل المقر ومضى على بعضهم أكثر من سنة كاملة. من بين هذه الحالات محتجز يزيد عمره عن الستين، علم المحتجز السابق الذي وثقت معه الجبهة بأنه ظل بالمقر ستة أشهر، رغم أنه لم يكن هو المطلوب بل أخوه. أما بعض حالات الإخفاء الأخرى فلا تتجاوز عدة ساعات، ففي إحدى الشهادات ذُكر أنه في بعض الأحيان قد يتم إحضار ما يزيد عن العشرين محتجزا في يوم واحد ثم يخرجون من المقر في اليوم التالي، ويتوقف الأمر على الظروف السياسية أو الأمنية التي تمر بها البلاد. كما أفاد محتجز سابق بأن بعض المحتجزين غير المطلوبين للتحقيقات داخل المقر يتم ترحيلهم إلى معسكر الأمن المركزي القريب من مقر أبيس ليتم احتجازهم هناك بمعزل عن العالم الخارجي.

تحقيقات دون إذن قضائي وفي غياب محامين

تجري التحقيقات في الطوابق العلوية بعيدا عن منطقة الحجز أحيانا في وجود أكثر من ضابط، وكثيرا يكون الضابط القائم بالتحقيق أحد المتواجدين وسط قوة الضبط التي ألقت القبض على المحتجز. وقد يجري التحقيق مع أكثر من محتجز في وقت واحد. وأحيانا أثناء التحقيق يتظاهر الضابط بالخروج من الغرفة ليتوهم المحتجز أنه وحيد فيها ليكتشف بعدها وجود محققين آخرين. وتتفاوت مدة التحقيقات والوقت الذي يخرج فيه المحتجز للتحقيق، فيخضع البعض للتحقيق بشكل يومي بل وأكثر من مرة في اليوم، أما البعض الآخر قد يتعرض للتحقيق مرات قليلة أول فترة احتجازه. وقد يكون تكرر التحقيق أمرا مقصودا لإنهاك المحتجز وعدم تمكينه من الحصول على الراحة أو النوم.

“كانوا بيحاولوا قدر الإمكان أنهم يخلوني منامش. كان بينزلني وأول ما أنام يروح فاتح تاني عليا ويقول لي يلا تاني. بيقطع حتى التحقيق. مرة واحدة كدا ألاقيه قطع الكلام، مع إني كنت باتكلم يعني. ألاقيه قطع الكلام ونده للعسكري… آخد بعضي وأنزل تحت… أنام يروح داخل فاتح الباب ويروح مطلعني تاني. [بعدها بـ] ربع ساعة.” (شهادة 2)

قد ينتظر المحققون لساعات متأخرة من الليل قبل استدعاء الشخص للتحقيق، وأيضا قد يقومون باستدعائه في ساعات مبكرة من النهار حيث يتم اقتياده بعد إيقاظه مباشرة، دون ترك المجال لدخول الحمام أو الإفطار. ويكون الاصطحاب للتحقيق في مشهد عنيف، حيث يدخل الأمناء للغرفة التي يوجد بها المحتجز أو المحتجزة ويتم إيقاظ الشخص وأخذه للمقر بشكل عنيف، خاصة وأنه بسبب تغمية المحتجزين طوال الوقت، فإنهم يتحركون بالأساس عن طريق الشد أو الجر العنيف من قبل الأمناء. ويدخل المحتجزون إلى غرفة التحقيق مقيدين ومغمين، وبالنظر لشهادات المحتجزين حول خطاب الضباط أثناء التحقيقات، يتضح أن الضباط يستغلون كون المحتجز أو المحتجزة مغمين كنوع من بسط السيطرة والتلذذ بكون المحتجز غير مدرك لمحيطه.

“هو بشكل عام كلهم بيتعاملوا معنا ان احنا مش شايفين وكدا وبتاع ف بيتعاملوا بعنف شوية … اللي هو شادد بقرة حرفيا شادد خروف كدا يعني. لكن مش عنف انه يضرب مثلا… لكن … مش مقدر ان انت مش شايف مثلا.” (شهادة 1)

وتوجد أيضا بالطوابق العليا مكاتب لموظفين مسؤولين عن فك تشفير الأجهزة الإلكترونية وفرز البيانات الخاصة بكل محتجز. وتوجد بتلك المكاتب ما يشبه المخازن التي تحفظ بها الأجهزة الإلكترونية التي تُصادر، حتى وإن لم يتم تحريزها ضمن القضية. وتحفظ الأجهزة الخاصة بكل محتجز في كيس مكتوب عليه اسم المحتجز. لكن لم توثق الجبهة تمكن المحتجزين من الحصول على تلك الأجهزة بعد خروجهم من الجهاز أو إخلاء سبيلهم.

غالبية التهم التي رصدتها الجبهة كانت مرتبطة بالنشر واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتجمع والتمويل. لكن لا يسأل المحتجز أثناء التحقيق داخل المقر عن تهم بعينها، إنما يطلب منه الضابط المحقق الإفصاح عن معلومات كثيرة عن نفسه وعن معارفه ومحال سكنهم، خاصة كل من قد يشتبه ضلوعه في نشاط مرتبط بثورة 25 يناير. كما يسأل المحتجز عن بعض الأشخاص المطلوبين للأمن الوطني. ووثقت الجبهة حالتين كان التحقيق الأساسي مع المحتجز حول تهم قديمة إما حصل فيها على قرار بإخلاء السبيل أو البراءة أو قضى محكوميته فيها. ووثقت الجبهة حالة محتجز أفاد أمام النيابة بأنه أجبر داخل المقر على تسجيل فيديو اعتراف تحت ضغط.

وتتراوح لهجة المحققين أثناء التحقيق، فقد تكون هادئة في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى قد يباغت المحتجز بالضرب المبرح والتهديدات فور دخوله إلى غرفة التحقيق، ويشمل ذلك التهديد بالإبقاء على المحتجز لفترات ممتدة داخل مقر الأمن الوطني أو الإبقاء عليه في ظروف احتجاز أصعب من “المعتاد” بالنسبة لمحتجزي الأمن الوطني.

وفي حال حاول المحتجز مواجهة الضابط بعدم قانونية التحقييق والإخفاء والتهديدات التي يتعرض لها، فإن الأخير يقابل ذلك بالاستهزاء والتوكيد على أن للأمن الوطني السلطة النهائية وأنهم غير ملزمين بالالتزام بالقانون.

“الراجل مكانش بيحب كلمة القانون بصراحة. أنا خناقتي معهم لغاية النهاية أن هم كانوا بيقولولي بطلي تتكلمي بالقانون.” (شهادة 5)

“الكلام في التحقيقات بشكل عام في أمن الدولة ملوش علاقة بالتحقيق بتاع النيابة. التحقيق بتاع أمن الدولة دا مش تحقيق دا تحقيق عن قصة حياتك. بتعمل ايه في حياتك بتشتغل ايه ورايح فين وجاي منين ومين صحابك وبتقعد فين وكل حاجة. ملوش علاقة بالقضية. مفيش قضية أصلا. فيبتدي بقى من الكلام اللي هو جمعه دا يبتدي يشوف ايه القضية اللي تناسبه. وفي بعض الأحيان بيهدد يقولك انا عندي 6 قواضي مفتوحين مش لاقي حد ايه رأيك انزلك الستة مع بعض؟” (شهادة 1)

وحسب محتجز سابق، فإن التحريات التي تؤدي لضبط بعض المحتجزين تتميز بدرجة كبيرة من العشوائية، خاصة عندما يتعلق الأمر بتتبع واستهداف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

“بيحصل بالضبط أنه الضابط الموجود في إسكندرية بيجيله إشارة من القاهرة اصلا انه في حد عندك كتب البوست الفلاني. دا بيمشي أصلا بشكل عشوائي. هم عاملين زي مكتب قاعد عليه شوية شباب بيعرفوا في الإنترنت ف بيدروورا ب key words [كلمات مفتاحية] مين كتب عن كورونا عن كذا كذا ف بيطلع معه أول 20 اسم هاتهم. مش مهم دا مين. ممكن يكون شخص تافه أصلا بس كتب كلمتين كدا غلط مش مهم بس في 20 هانسلمهم التاسكاية بتاعتنا خلصت فتمام. فبييجي الضابط أنه في تاسك إنه في 20 واحد. ف بيلف. – اللي حصل [في الفترة] دي كانوا بيلفوا على الناس لقاه لقاه ملقاهوش يشوف غيره. مش اللي هو عايز فلان… مش مهم دا مين المهم أن عندنا تاسكات أن احنا نجيب 20 أو أن احنا نجيب 100 ان احنا نجيب كذا. دا بيحصل احيانا وفي احيان تانية بيبقوا عايزين الشخص الفلاني ” (شهادة 1)

وحسب شهادة المحتجز السابق، فأحيانا يكون هؤلاء “الموظفين” ممن صدرت ضدهم أحكام جنائية لكن يتوصل الأمن الوطني إلى تفاهمات معهم ليتعاونوا معه بدلا من قضاء عقوبتهم الجنائية، وأن ذلك مما يتناقله سكان الأحياء عندما ينتشر بينهم علم كون هؤلاء الأشخاص مخبرين. وأحيانا قد يحذر هؤلاء الموظفين الأشخاص المطلوبين إن كانوا أقرباء لهم أو تربطهم مصالح، بأن الأمن الوطني يبحث عليهم خلال تلك الفترة وبالتالي يحذرونهم بالابتعاد عن محال سكنهم لحين صرف النظر عنهم.

كما تتطرق التحقيقات في أحيان كثيرة إلى نقاشات مع المحتجزين حول آرائهم الفكرية والسياسية والاجتماعية، ويصطبغ خطاب الضباط بصبغة وصائية يحاول المحقق من خلالها إيهام المحتجز بعجزه عن فهم الخطاب السياسي لحركات أخرى أو طبيعة الشعب المصري والإيحاء بأن معارضته للنظام السياسي نابعة من كونه “مغررا به”.

“[كان الضابط يقول] احنا مينفعش يبقى عندنا حريات. احنا شعب مش عارف ايه.. الكلام اللي هو البروباجاندا بتاعتهم يعني…. الناس جاهلة. والناس ماتستحملش الكلام الكبير [عن الحريات] دا… الشعب دا لو [أعطيته] حريته هايخربها. … لما خدتوا حريتكم عملتوا ايه؟” (شهادة 2)

يتم إيهام الكثير من المحتجزين أثناء التحقيق بأنهم سيتم الإفراج عنهم وسيتمكنون من العودة لمنازلهم، ليفاجؤوا بأنهم في اليوم التالي يعرضون على النيابة ويسكنون في مقر احتجاز رسمي. وحتى في حال إخبارهم بأنهم سيعرضون على النيابة، فلا يتم إعلامهم بأي نيابة وما إذا كانت نيابة أمن الدولة.

التعذيب

أفاد محتجزسابق بأن احتمالية التعرض للتعذيب يحددها بشكل كبير الخلفية السياسية للمحتجزين ونشاطهم. فالجميع معرضون للتعرض للتعذيب، لكن يكون الأمر محتما في حالة المنتمين لجماعات سياسية بعينها أو حتى من يبدو عليهم التعاطف أو التوافق معها من قريب أو بعيد. وتدخل عوامل كثيرة عشوائية واعتباطية في تحديد ما إذا كان للشخص علاقة بتيارات سياسية بعينها، كالمظهر الخارجي، أو علاقاته الشخصية، أو تفاعله مع خطابهم على وسائل التواصل الاجتماعي حتى وإن لم يكن تابعا لهم تنظيميا.

“طبعا كنا بنسأل بعض انت حصل معك ايه فوق؟ حصل معك ايه فوق؟ فانا سألت كتير يعني … فلقيت انه مثلا الإسلاميين بشكل عام لازم يتكهرب … أي حد له علاقة بأي حاجة إسلامية لازم يتكهرب.” (شهادة 1)

وحسب إحدى الشهادات التي جمعتها الجبهة، فإن التعذيب عادة يأخذ شكل جولات متتالية ليومين أو ثلاثة طالما كان التحقيق مستمرا. يؤخذ المحتجز مرتين يوميا لأحد الطوابق العليا ويتعرض للصعق بأماكن متفرقة من جسده تشمل العضو الذكري، وفتحة الشرج والأصابع وحلمات الصدر – أحيانا بشكل متقطع وأحيانا لقرابة 20 دقيقة متواصلة. ويتكرر الأمر ذاته في مساء اليوم نفسه. ويتعرض كل من يصعق بالكهرباء للتعرية بشكل كامل. وقد يتم التعذيب في غرفة التحقيق، أو في غرف مجهزة لذلك. فقد رصدت الجبهة في إحدى الشهادات وجود غرفة شديدة البرودة يوجد بها كرسي توقع المحتجز السابق استخدامه للتعذيب بالكهرباء لأنه كان معدنيا تماما وذو مساند عريضة يبدو أنها تستخدم لتقييد ذراعي المحتجز في الكرسي.

“التحقيق ممكن ياخد يومين، ثلاثة، أسبوع. أيا كان هو واخد قد ايه. لو بيتعذب هايتعذب طول فترة التحقيق بعد كدا هايتركن عادي. … بعد ما التحقيق يخلص خلاص دا كدا مش هايتعذب. بس هايفضل بقى قاعد متغمي.” (شهادة 1)

وبعد إنزال المحتجز لا يتم الكشف عليه لمعرفة حالته الصحية العامة. ولم ترد بالشهادات التي جمعتها الجبهة أي معلومات عن رعاية ضحايا التعذيب بالكهرباء، سوى أن الأمناء يحرصون بشكل خاص على مراقبتهم ليتأكدوا من قيامهم بتناول كل ما يقدم لهم من طعام وعدم ترك بعضه. أما المياه فأحيانا تؤخذ زجاجات المياه منهم، وأحيانا تظل بجانبهم ليشربوا متى شاؤوا.

وقد أفاد محتجز سابق بأنه شهد بنفسه أربع حالات تعذيب على الأقل،  ثلاثة منهم فقدوا تماما القدرة على التحكم في الإخراج بسبب الصعق بالكهرباء واستمرت تلك الحالة على الأقل لليوم التالي. أما عدد من أخبروه بتعرضهم للتعذيب دون أن تصل أعراضه لهذا الحد فقد يصل لعشرة أشخاص، وكان من بينهم كبار سن ومرضى بأمراض مزمنة كالقلب والسكر. كما أن الآثار الصحية للتعذيب تمتد للحالة النفسية بالطبع، فذكر المحتجز السابق أن المحتجزين كانوا يحلمون بكوابيس ويقومون من النوم مفزوعين.

وذكر محتجز سابق أيضا أن محتجزين آخرين أخبروه أنهم بعد تعرضهم للتعذيب بمقر أبيس تم نقلهم لأحد مقرات الأمن الوطني في القاهرة، حيث تعرضوا للتعذيب أيضا قبل أن يعودوا لمقر أبيس ويستمر احتجازهم فيه. كما تنامى إلى علم المحتجز السابق نفسه من خلال نساء كن محتجزات بالمقر أنهن تعرضن للصعق بالكهرباء، لكن لم تتمكن الجبهة من توثيق ذلك بشكل مستقل.

وحتى إن لم يتعرض المحتجز للتعذيب بشكل صريح، فقد يتعرض المحتجز أثناء لبعض أشكال التكدير والتعنت، كأن يتعمد ضابط التحقيق إجلاسه في مكان شديد البرودة – مثلا بجانب مكيف مشغل على درجة حرارة منخفضة للغاية – طوال فترة التحقيق، وهو ما يؤدي أيضا إلى أضرار صحية رصدت الجبهة استمرار معاناة المحتجز منها لسنوات.

النساء

تكون المحتجزات داخل المقر عرضة لانتهاكات جندرية متعددة تبدأ منذ اللحظة الأولى لدخولهن المقر، خاصة وأن المقر ليس به أي موظفات مدنيات أو تابعات لجهاز الشرطة. لكن تظهر تلك الانتهاكات في أبرز أشكالها أثناء التحقيقات. فمنذ اللحظة الأولى للتحقيق يكون شبح التحرش أو الاعتداء الجنسي موجودا كاحتمالية في حال رفضت المحتجزة الرضوخ لطلبات المحققين غير القانونية مثل فتح أجهزتها الإلكترونية أو الإدلاء بما يريدون من معلومات. وحتى إن بدأت نبرة التحقيق هادئة، فإنها تتصاعد شيئا فشيئا لتشمل إهانات ذكورية تستهدف الحط من أنوثة المحتجزة أو هيئتها، أو تهديدات بالاعتداء البدني الشديد الذي قد يتسبب في عاهات مستديمة، أو تهديدات بتشويه سمعتها ونشر إشاعات بشأنها، خاصة إن واجهت المحتجزة المحققين بعدم قانونية إخفائها والتحقيق معها داخل المقر.

“[الضابط قال لي] أنا … باعمل لك فيديو ليكي وانت نايمة مع واحد وهانشره وبعد كدا هايطلع حد يشهد إن هو شافك وإنت مسافرة معه ويقول بقى إن أنت هربانة من أهلك وكدا وإن أنت رحتي عشتي مع الراجل دا. وخليهم بقى يثبتوا العكس.” (شهادة 5)

كما أن التحقيقات ذاتها تتطرق لتفاصيل الحياة الشخصية للمحتجزة وعلاقات العمل والصداقة التي تربطها بالجنس الآخر وعن نشاطها الجنسي وعذريتها من عدمها. ويأخذ خطاب الضباط في هذه المساحة أيضا صيغة وصائية، حيث يربط الضابط بين موقعه كمحقق وموقفه الأخلاقي من سلوك المحتجزة.

” كانوا دائما رابطين بين الحياة الشخصية؛ السلوك في الحياة الشخصية والعقوبة اللي بتتعرضي لها.” (شهادة 2)

وقد رصدت الجبهة حالة قام فيها عدد من الضباط الموجودين بغرفة التحقيق بالإحاطة بالمحتجزة وإيهامها بأنها على وشك التعرض للاغتصاب، وذلك للضغط عليها للإفصاح عن معلومات.

“وقفني. وبدأ يتكلم على حاجات سيكشوال [جنسية]… قال لي عايزة تفهميني ان انت بنت بنوت؟ هو أنا مش عارف اللي فيها؟ قام شاددني موقفني. وقال لي خلاص خليكي ساكتة أنا هعرف بنفسي… وبعدين بدأت أحس بحرارة كدا في ضهري وهو بيقرب مني… عاملة لي فيها بنت ناس؟ … أصل أول يا عيني واحد يلمسها… كان الأداء كله عبارة عن إن أنت عاملة نفسك مؤدبة وإنت مش مؤدبة.” (شهادة 2)

تمكنت الجبهة المصرية أيضا من التوصل لأن المحتجزة منار أبو النجا وطفلها البراء اللذان اختفيا لما يزيد عن عام ونصف كانا متواجدين داخل مقر أبيس، وأن زوج منار الذي اختفى معهما أيضا لم يكن برفقتهما، وذلك عن طريق محتجزة تواجدت مع منار أبو النجا بعد ترحيل الأخيرة لسجن القناطر للنساء.

وحسب الشهادة التي حصلت عليها الجبهة، فإن منار أبو النجا لم تُعرض للتحقيق على الإطلاق طوال الفترة التي قضتها قيد الإخفاء القسري في مقر أبيس، بل إنها في البداية تم إيهامها بأنها ستمكث في المقر بضعة أيام فقط. ولم تكن توجه إليها أية أسئلة سوى عن نشاط زوجها، ولم يكن أي من المسؤولين يتجاوب مع أسئلتها بشأن موعد خروجها أو مصيرها هي وابنها. وحسبما روت المحتجزة السابقة على لسان منار:

“يطلعني للضابط يقعد يقول لي اصبري واستني وجوزك حوار كبير واحنا مش مقصرين معاكي في حاجة واللي انت عايزاه هاعملهولك ويطيب خاطري بكلمتين وينزلني.”

وقد أفادت المحتجزة السابقة زميلة منار بأن ابنها البراء أصيب بالتهابات جلدية وتقوس بالساقين بسبب عدم التعرض للشمس وعدم توفر ملابس وأدوات نظافة كافية له. كما أفادت بأن منار نفسها تعاني من حالة نفسية متدهورة، خاصة وأنها بعد عزلة عام ونصف داخل المقر لم تكن تتمكن فيها من التحدث سوى مع أمناء الشرطة، نقلت للحبس الانفرادي في سجن القناطر. وتروي المحتجزة السابقة على لسان منار أنها تأذت بشكل شديد من موقف ترحيلها إلى سجن القناطر وانتزاع ابنها منها، حيث تم إيهامها بأنها سيفرج عنها، لكن بعد خروجها للشارع فوجئت بوجود والدتها على مسافة بعيدة وقيام الأمناء بانتزاع ابنها بالقوة وتسليمه لوالدتها، دون أن تتمكن منار من التحدث لوالدتها أو تعريف طفلها بها أو التمهيد لافتراقه عنها، حيث أنه عند القبض عليهما لم يكن عمره يتجاوز السنة والنصف، ولذلك فلم يتعرف على والدتها. وأخبرت منار المحتجزة السابقة بأن الأمناء استمروا في إيهامها بأنها سيفرج عنها حتى بعد دخولها سيارة الترحيلات، حيث حاول أحد الأمناء تهدئتها بإيهامها بأنها يتم نقلها لإمضاء قرار النيابة حتى تحصل على إخلاء السبيل.

“هي [منار] ضعيفة بدنيا جدا جدا. بتكلم الناس وهي باصة في الأرض. عندها مشكلة في التواصل آي كونتاكت [تواصل بصري]… عندها خوف واضح. بتتكلم وهي [بتترعش] شوية.”

رابعا: نمط المعاملة

قد يتخلل التعامل اليومي مع الحراس إساءات لفظية وبدنية قد تصل لحد الضرب أثناء مخاطبة المحتجز إذا طلب علاجه أو خاطب الأمين لأي سبب آخر. لكن حسبما أفاد المحتجز السابق فإن الاعتداءات البدنية محدودة لأن الضباط في مقر أبيس يصدرون تعليمات واضحة للأمناء بعدم التعدي على المحتجزين، ولذلك هناك مجال أمام المحتجزين للشكوى للضباط ولكن فقط إذا صادف أنهم عرضوا على التحقيق وكانت لديهم شكوى بالفعل، حيث أنه لا وسيلة لديهم للتواصل مع الضابط إلا إذا طلبهم هو للتحقيق. وبإمكان البعض طلب الصعود لمقابلة الضابط لكن الأغلب أن الأمين لن يسمح لهم بالذهاب.

“من ضمن الحاجات الكويسة في إسكندرية انه كان الضابط عاطيهم تعليمات انه مايضربوناش. ف لما واحد اتضرب عمل مشكلة وبتاع فالضابط [وبخ بشدة] الشرطة انه انت ماتمدش ايدك على حد. لما أقولك تمد ايدك تمد ايدك ماقولكش ماتمدش ايدك.” (شهادة 1)

كل محتجز بالمقر يكون تحت “مسؤولية” أحد الضباط، بمعنى أن الأمناء يرفعون إلى ذلك الضابط أي شكاوى أو طلبات تخص ذلك المحتجز، سواء من حيث سلوكه بالحجز أو احتياجاته الصحية أو غير ذلك. وقد يكون لبعض المحتجزين صلات شخصية بالضباط (سواء بمقر أبيس أو مكان آخر)، وهؤلاء يحصلون على معاملة “أفضل” قليلا أثناء تواجدهم في منطقة الحجز، كأن يسمح لهم بإحضار غيارات ملابس أو طعام جاهز وعلاج والتواصل مع أهاليهم لتأمين ما يحتاجونه.

“الفكرة انه دا كان بيحصل بتوصية من الضابط نفسه. الضابط نفسه قال لهم لما يعوز أي حاجة تجيبوهاله عادي.” (شهادة 1)

لا يخاطب الأمناء بعضهم البعض أمام  المحتجزين بأسمائهم، بل ينادون بعضهم بعضا باسم واحد هو “عوف” حسبما وثقت الجبهة. وبالشكل ذاته لا يتخاطب الأمناء مع الضباط ولا الضباط مع بعضهم البعض بأسمائهم، بل في بعض الحالات يتحدث الأمناء عن الضباط بأرقام. ولا ينزل الضباط إلى منطقة الحجز على الإطلاق، وفي الحالات الاستثنائية التي ينزلون فيها فإن أوجههم تكونون مغطاة بالكامل.

أحيانا يتعرض البعض للتعذيب كمحاولة من الأمناء لحفظ “النظام” في حال حاول المحتجز مقاومة ظروف احتجازه أو الدخول في مشادات مع الأمناء. ومن أشكال ذلك تعليق المحتجز من أطرافه الأربعة ويداه وقدماه مقيدة بالكلابشات. وقد يستمر على هذا الوضع ليوم كامل. كما أن التغمية المستمرة بحد ذاتها تعتبر شكلا من أشكال التعذيب التي تؤثر على السلامة النفسية للشخص، لدرجة أن محتجزا سابقا ذكر أن من آثار التغمية أنه بدأ يرى الأشخاص في منامه بلا أعين.

وعلى الرغم من أن المحتجزات يبقين في غرف خالية من أي رجال، إلا أن كشف الغرف بكاميرات المراقبة يترك النساء عرضة لمضايقات من الحراس الذين يراقبون الكاميرات، فقد تتعرض المحتجزات لتعليقات مسيئة حول ملابسهن بزعم أن مظهرهن “يضايق” الأمناء خلف الكاميرات.

“[كان الضابط يقول لي] انت بالنسبة لي حتة لحمة معفنة. أنا عشان خاطر رجالتي هي اللي ماتتضايقش من منظرك.” (شهادة 5)

خامسا: سلطة الأمن الوطني وعلاقته بمؤسسات أخرى (ما يظهر من خلال السلوك والحديث)

تمكنت الجبهة من جمع بعض المعلومات حول علاقة مقر الأمن الوطني بأبيس بمقار احتجاز أخرى. فالمحتجزون الذين يكون للأمن الوطني يد في سلب حريتهم لا تنتهي إجراءات الإفراج عنهم من قسم الشرطة إلا بعد حصولهم على ما يسمى بـ”تأشيرة الأمن الوطني”، أي موافقة الجهاز على تنفيذ القرار القضائي بإخلاء سبيل المحتجز، حتى وإن كان القسم قد انتهى من كل الإجراءات “الرسمية”. وحسب ما أفاد أحد المحتجزين استنادا لما سمعه من الضباط أثناء انتظاره الحصول على التأشيرة، فإنها تصدر مركزيا من القاهرة، ثم تحتاج لموافقة ضابط الأمن الوطني بأبيس. وتُحتاج تأشيرة الأمن الوطني ليس فقط عند إخلاء السبيل، بل أيضا عند تنفيذ قرارات قضائية أخرى مثل رفع التدابير الاحترازية.

وأثناء تواجد المحتجز في القسم ريثما تصدر التأشيرة بخروجه، قد يتم ترحيله أكثر من مرة لمقر الأمن الوطني للتحقيق، وقد يقضي المحتجز الفترة كلها منتظرا في سيارة الترحيلات أمام مقر الأمن الوطني لحين صدور قرار من ضابط التحقيق بالأمن الوطني لاستدعائه، مع العلم أن خلال تلك الفترة لا يتمكن المحتجز من الأكل أو الدخول للحمام. ولا يكون هذا التحقيق النهائي بالضرورة عبارة عن جمع معلومات، بل قد يتضمن “توصيات” بتجنب الشأن العام والتركيز على الحياة الخاصة، ويشمل أيضا استعلام عن آخر مستجدات حياته الشخصية. وحتى في ذلك التحقيق الأخير رغم حدوثه بعد إخلاء السبيل، يكون المحتجز مغمى ومقيدا بالكلابشات.

وبالإضافة لحالات إخلاء السبيل، أفاد أكثر من محتجز سابق بمقر الأمن الوطني بأبيس بأن سلطة الأمن الوطني عليهم استمرت حتى بعد انتقالهم إلى سجون أو مقار احتجاز أخرى، فقد تظل موافقة إدارة مقر الاحتجاز على منح السجين بعض حقوقه كدخول الكتب أو الراديو أو الحصول على الرعاية الصحية أو العرض على النيابة متوقفة على الحصول على إذن من الأمن الوطني، بحسب ما صرح بشكل مباشر رئيس مباحث السجن الذي انتقل إليه محتجز سابق عندما حاول المحتجز الشكوى من منعه من تلك الحقوق. وأفاد محتجز سابق أيضا بأن أحد المسؤولين بمقر الاحتجاز أخبره بأن الانتهاكات التي تمارس ضده داخل ذلك المقر هي بتعليمات من الأمن الوطني، وأن الإدارة إن خالفت تلك التعليمات قد يتعرض المسؤولون فيها للحبس مع المحتجز نفسه بقرار من جهاز الأمن الوطني.

 

where to buy viagra buy generic 100mg viagra online
buy amoxicillin online can you buy amoxicillin over the counter
buy ivermectin online buy ivermectin for humans
viagra before and after photos how long does viagra last
buy viagra online where can i buy viagra