اعتمدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان في إنشاء هذه الصفحة التعريفية بقسم شرطة الهرم على مقابلة شخصية مع محتجز سابق مر على القسم بعد عام 2016، بالإضافة لمعلومات أخرى من مصادر حقوقية وإخبارية.
بيانات القسم
يقع قسم الهرم في شارع الهرم بالمنطقة الأثرية بمحافظة الجيزة، وهو في محيط الأهرامات، كما يوجد بالقرب منه مكتب الأهرام للخدمات البريدية.
يوجد بمدخل القسم مكتب لحقوق الإنسان، ولكنه حسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية يكون خاليا في أغلب الأحيان. كما يوجد بمبنى القسم مقر رسمي لجهاز الأمن الوطني، مدخله في ظهر المبنى لكن نوافذه مطلة على وحدة المباحث بالقسم.
يوجد بالقسم إحدى عشرة أو اثنتا عشرة غرفة حجز، إحداها (هي غرفة ’6‘) مخصصة للنساء. ومنطقة الحجز موزعة على طابقين. يدخل المحتجزون من بوابة القسم الرئيسية، حيث يوجد ممر توجد بنهايته غرف حجز ’1‘ و’2‘ و’3‘، ثم بعد ذلك في ممر ناحية اليمين تقع غرف ’4‘ و’5‘ و’6‘. وتوجد غرفة حجز ’7‘ في بئر سلم يؤدي للطابق الأعلى الذي به باقي غرف الحجز. وتفصل بوابة بأعلى ذلك السلم باقي غرف الحجز بالطابق الثاني عن غرف الطابق الأول. ولا يوجد أي حاجز يحجب منطقة الحجز بالدور الأول عن أنظار المارين على القسم، بل بإمكان أي مواطن يدخل إلى وحدة المباحث رؤية المحتجزين أثناء دخولهم أو خروجهم من غرف الحجز.
ولا يوجد بالقسم أي ضباط أو موظفات من النساء سوى واحدة أو اثنتين تابعتان لشرطة السياحة، وكل من يتعامل مع المحتجزات بالقسم بما في ذلك التفتيش هم من الرجال.
أوضاع الاحتجاز
تتراوح الحالة القانونية للمحتجزين بقسم الهرم بين المحبوسين احتياطيا على ذمة التحقيقات، ومن صدرت بحقهم أحكام، ومن هم رهن “الحجز الإداري” أو في عداد المخفيين قسريا، ومن صدرت لهم قرارات بإخلاء السبيل، وكذلك القصر. لا يتم فصل المحبوسين احتياطيا عن غيرهم، كما لا يُفصل بين المحتجزين ممن على خلفية قضايا جنايات ونظرائهم ممن على خلفية قضايا جنح، ولا من هم على خلفية تهم “سياسية” عمن هم على خلفية تهم “جنائية”.
وقد يقضي بعض المحتجزين عدة سنوات من عقوباتهم السالبة للحرية داخل القسم. وبشكل عام، فإن متوسط المدة التي يقضيها المحتجزون بالقسم قبل الترحيل إلى سجون لا يقل عن ستة أشهر، غالبا بعد أن تصدر بحقهم أحكام.
يدخل المحتجزون إلى القسم مقيدين بالكلابشات. ولحين إدخالهم إلى الحجز يضطرون للانتظار في مكان أمام سلم الحجز وهو غير مجهز بأي مرافق للاستراحة أو استعمال دورات المياه. لا يتعرض المحتجزون للتفتيش الذاتي عند دخول القسم. وفي حالة المحتجزين الذين ينتقلون إلى القسم من سجون، فإنهم ينتقلون بمتعلقاتهم الشخصية التي كانت معهم في السجن ولا تُصادر تلك المتعلقات. ولا يتمكن المحتجزون من الاطلاع على ملفاتهم أو التأكد مما إذا كانت البيانات المقيدة بها – كتاريخ دخولهم إلى القسم أو خروجهم منه – قد قيدها القسم بشكل سليم.
لكل غرفة حجز باب أسود حديدي، به نظارة ولكنها حسب المعلومات التي حصلت عليه الجبهة المصرية “ملحومة” فلا يمكن فتحها على الإطلاق. مساحة الغرف في المتوسط قد تبلغ 2 متر عرض في 4 أو 5 أمتار طول. وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية يتواجد بكل غرفة ستون محتجزا في المتوسط، ومن شدة التكدس قد لا توجد مساحة للنوم والجلوس سوى لثلث ذلك العدد تقريبا. وتعد الظروف بغرفة حجز ’7‘ من بين الأسوأ بالقسم، حيث سقف الغرفة منخفض، وقد يتواجد ما يزيد عن 100 محتجز في مساحة حوالي 2 متر عرض في 4 أو 5 طول تقريبا. ولا يسمح للمحتجزين بالتريض على الإطلاق، كما لا توجد بالغرف أي مساحة تسمح بالحركة:
“مفيش الأوبشن [إن الناس تقف تفرد رجلها]. حرفيا لو قمت من مكانك حد هياخده.”
توجد ببعض الغرف فتحة واحدة مساحتها لا تتجاوز 60سم في 60سم، ومغطاة بسلك، ومعلّق بها شفاط هواء. يوجد بالغرف أيضا أجهزة تكييف، ولكنها ضعيفة التبريد للغاية، حيث لا يهتم القسم بصيانة تلك الأجهزة حتى وإن قدم المحتجزون الشكاوى والطلبات بشأن ذلك. ولا توجد أية مراوح بالغرف، ولذلك فتهوية الغرف سيئة للغاية، كما أنها لا تدخلها الشمس. وقد وثقت مؤسسة بلادي أيضا شكوى المحتجزات بغرفة حجز النساء من سوء التهوية، فنقلت أن عدد المحتجزات حجز النساء يصل لثلاثين محتجزة في مساحة مترين ونصف. ويوجد بكل غرفة مصباح أو اثنان مضاءان طوال الـ24 ساعة، وليس بإمكان المحتجزين التحكم بالإضاءة على الإطلاق.
يعاني المحتجزون من قلة النظافة وانتشار الحشرات كالصراصير بالغرف، ولا يسمح لهم بإدخال أية أدوات تنظيف كالمقشات أو غيرها، ولكن في العموم يسمح بدخول المعقمات مثل ’ديتول‘. ولا يلتزم القسم بإخراج القمامة من الغرف يوميا، بل قد تتراكم بالغرفة لعدة أيام قبل أن يحضر أمناء الشرطة لإخراجها. وفي وسط هذا التكدس وسوء التهوية يعاني المحتجزون أيضا من كثرة التدخين داخل الغرفة، بالإضافة لتعاطي أنواع مختلفة من المخدرات، لدرجة أن بعض المتعاطين يصابون بتشنجات عصبية داخل الحجز، وقد لا يجد المجاورون للمتعاطين مفرا من استنشاق الأدخنة هم أيضا. كما يكثر تواجد الأسلاك الكهربائية العارية داخل الغرفة.
يوجد بكل غرفة حمام واحد لا تتجاوز مساحته نصف متر في متر، لا توجد به ماسورة “دش” للاستحمام كما لا توجد به مياه ساخنة.
“بالضبط الحمام حفرة وحنفية. وأنت قاعد على الحفرة أكياس الزبالة متعلقة فوقك.”
ومن أجل الاستحمام يتشارك جميع المحتجزين بالغرفة دلوا قديما، ولا يسمح لهم بإحضار دلاء أو أدوات أخرى خاصة بهم من أجل الاستحمام. وحيث أن القسم يمنع دخول أي أدوات أو أجهزة لتسخين المياه، فيضطر من يريد الاستحمام بماء ساخن شراء المياه الساخنة من ’بوفيه‘ قريب يخدم القسم، وتقدم المياه الساخنة في أكياس بلاستيكية حجم الواحد منها مقدار كوب شاي متوسط الحجم. وتُباع الثلاثة أكياس منها بـ5 جنيهات. ويدخلها البائع للمحتجزين من تحت باب الحجز.
يعين الأمناء والمخبرون لكل غرفة حجز بالقسم محتجزا له الأقدمية فيها ليكون هو “النباطشي” المسؤول عن تسيير الأمور فيها. وعادة ما يكون ذلك النباطشي “مسجل خطر”، ويكون له معاونون. وإذا حان وقت ترحيل ذلك النباطشي إلى مكان احتجاز آخر أو إخلاء سبيله فإن المخبرين وأمناء الشرطة يعينون غيره. وحسب المعلومات التي وردت للجبهة المصرية، فإن بعض النباطشية قد يدفعون رشاوى لأمناء الشرطة ليحذفوا أسماءهم من كشف أسماء المحتجزين المفترض ترحيلهم ليظلوا بالقسم، ويقوم بعض الأمناء بذلك بالفعل.
يفرض النباطشي إتاوات باهظة على المحتجزين، ويدفع بدوره إتاوات للمخبرين وأمناء الشرطة. وتتوقف جودة ظروف معيشة المحتجز على ما يدفعه من إتاوات. فعلى سبيل المثال يضطر كل محتجز لدفع 50 جنيها وعلبة سجائر للنباطشي في كل مرة يحضر أهل المحتجز لزيارته. كما يدفع كل محتجز 20 جنيها على الأقل يوميا نظير تنظيف الحمام وإخراج القمامة وخدمات “نباطشي الباب”. و”نباطشي الباب” هو محتجز يكون مسؤولا عن تعاملات المحتجزين مع باعة ’البوفيه‘ الذين يمرون على منطقة الحجز عدة مرات في اليوم. فيدفع لهم من أراد شراء مشروبات ساخنة أو سجائر النقود ليسلموها هم للباعة من تحت باب الحجز، ويستلمون المشتروات بالطريقة ذاتها ويسلمونها للمحتجز.
كما يضطر المحتجزون ميسورو الحال أيضا لدفع مبلغ أسبوعي قيمته 400 جنيه على الأقل لحجز مساحة “شبر وقبضة” للجلوس والنوم. ويستخدمون حبالا تسمى بالـ”عصافير” لتعليق متعلقاتهم الشخصية. ويبقى غير المقتدرين على دفع ذلك المبلغ دون أي مكان مخصص للراحة:
“بيقعدوا زي صفوف، كل واحد يقعد فاتح رجليه والتاني بيقعد جوا رجليه وضامم ركبته لفوق. بيبقى كدا صف زي توكتوك أو قطر. واللي مابيدفعش مابينامش.”
وحتى من تخصص لهم مساحة نظير تلك الإتاوات، فإنهم بسبب التكدس الشديد يضطرون للنوم ملاصقين لبعضهم البعض:
“بنبقى نظام سندوتشات … رجليا الشخص اللي قدامي حاضنها وأنا حاضن رجليه.”
لا يسمح للمحتجزين بإدخال أية أدوات أو أجهزة للطبخ. ويعتمد الميسورون منهم على الطعام الذي يحضره الأهالي في الزيارة بالأساس، حيث ليس بإمكانهم طلب الطعام من خارج القسم. أما من لا يتلقون أية زيارات من ذويهم فإنهم يعتمدون على بقايا الطعام التي تأتي للمحتجزين الآخرين في الزيارات، أو يضطرون لأكل طعام “الجراية” الذي يقدمه القسم، وهو عبارة عن 3 أرغفة خبز، وعلبة جبن، وعلبة مربى. وحسب المقابلة التي أجرتها الجبهة المصرية، فإن الخبز الذي يقدم بالقسم صغير الحجم للغاية، كما أن كل من الجبن والمربى يكون رديء الجودة وسيء الرائحة.
عند الدخول الأول للقسم، لا يُعلم المحتجزون بما عليهم اتباعه من قواعد أو بما يترتب على مخالفتها من إجراءات عقابية. كما لا يتم إعلامهم بأية إجراءات متاحة للشكوى. وحتى حين يحاول المحتجز السؤال عن أية معلومات، لا يقابل بأية ردود، فإن الأمناء والضباط يمتنعون عن إعلامه بأية معلومات أو الرد على أي من استفساراته. ولا توجد أية وسيلة للشكوى شفهيا أو كتابيا، بل قد يتعرض من يتوجه لأمناء الشرطة أو الضباط للشكوى للضرب:
“اللي بيطلع يشتكي من حاجة بيتضرب من [المحتجزين] اللي جوا ومن [الضباط أو الأمناء] اللي برا.”
وتكثر المشادات بين المحتجزين داخل الغرف، وقد تتطور لاعتداءات بدنية واستعمال أسلحة بيضاء، تكون عبارة عن ملاعق يقوم المحتجزون بسنّها لتصبح حادة. ولا يتدخل أي من الحراس لفض تلك المشادات.
الزيارات
لا يبلغ القسم أهالي المحتجزين بإمكانية مجيئهم إلى القسم لزيارة ذويهم، ولا يسمح للمحتجزين بذلك بشكل رسمي، بل يضطرون للاتصال بالأهالي من خلال الهواتف المهربة داخل الحجز، مقابل مبالغ باهظة يطلبها المحتجزون أصحاب تلك الهواتف، خاصة “النباطشي” الذي يفرض إتاوات من أجل استخدامها. ويتاجر بعض المحتجزين في الهواتف المهربة داخل الحجز.
ويتعنت القسم أحيانا في السماح للمحامين بالدخول للقاء موكليهم المحتجزين بالقسم، بل قد ينكر القسم وجود أولئك المحتجزين عند سؤال محاميهم عنهم – حتى أثناء وجود أولئك المحتجزين على ذمة القسم في الأوراق الرسمية.
تُمنع الزيارات عن بعض المحتجزين بشكل تعسفي – وأحيانا يكون ذلك بتعليمات من قطاع الأمن الوطني – بما في ذلك زيارات الإعاشة حيث يمنع الأهالي من إدخال أية مستلزمات معيشية للمحتجز. وقد يضطر ذلك الأهالي لدفع رشاوى عالية القيمة ليتمكنوا من تسليم المحتجز احتياجاته الأساسية من طعام وملابس وغيرها. وقد تزيد قيمة تلك الرشاوى عن ألفي جنيه في الأسبوع الواحد. وأحيانا يكون بعض الضباط من بين من يتلقون الرشاوى للسماح للمحتجز برؤية أهله.
ولا توجد قواعد واضحة لأصناف وكميات مستلزمات الزيارة المسموح بها، بل تتغير على حسب “مزاج” الضباط والمخبرين والعساكر المسؤولين عن التفتيش. ولكن تمنع الكتب والأقلام بشكل قاطع، على الرغم من تواجد عدد كبير من طلبة المدارس الثانوية والمعاهد والجامعات بالقسم. وقد يمنع القسم الزيارات تماما في بعض الأيام دون أية أسباب. ويضطر الأهالي لدفع رشاوى لتجنب التفتيش المهين والعبث بمستلزمات الزيارة، خاصة الطعام. فقد تصل قيمة الرشاوى المدفوعة في الزيارة الواحدة لـ500 جنيه. وكلما كانت درجة التعنت مع المحتجز أكبر، كلما زادت قيمة الرشاوى وزاد عدد أفراد الشرطة أو الضباط الذين يقصدهم الأهالي بالرشوة.
يعاني أهالي المحتجزين من سوء معاملة الضباط في الزيارة، ما بين اعتداءات لفظية وتعامل مهين مع ما يحضره الأهالي من مستلزمات، قد يصل لرميها على الأرض. وقد يمنع بعض الأهالي من دخول الزيارة بدون سبب، ولا يكون متاحا أمامهم الاعتراض.
منذ ظهور وباء كوفيد-19 صارت الزيارات مقتصرة على الـ”طبلية” فقط (أي تسليم الطعام والمستلزمات الأخرى دون رؤية المحتجز)، ويسمح بها يوميا. وقد يتمكن بعض المحتجزين من رؤية ذويهم من خلال دفع الرشاوى أو الواسطة. وحتى في تلك الحالات فلا يسمح لهم بالرؤية سوى لفترة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة، بالكاد تكفي للتحية وأخذ متعلقات الزيارة.
الرعاية الصحية
لا يتم الكشف على المحتجزين عند دخولهم للقسم أو سؤالهم عن حالتهم الصحية. ولا يوجد بالقسم أي أطباء أو مسعفين مقيمين، على الرغم من أن عدد المحتجزين المتواجدين فيه في أي يوم يتراوح في المتوسط بين 600 و1000 محتجز.
ويعتمد المحتجزون في الحصول على الأدوية على زيارات الأهالي أو على الأدوية التي ينتقلون بها من أماكن احتجاز سابقة، حيث لا تتوفر الأدوية بالقسم، ولا إمكانية لتوصية أحد العساكر أو الأمناء لشرائها من الخارج. وبشكل عام لا يواجه المحتجزون تعنتا في إدخال الأدوية في الزيارات، إلا في حالة استهداف محتجز بعينه.
وتكثر بالقسم حالات الأمراض المزمنة كالسكر، كما يوجد عدد كبير من أصحاب الإعاقات الجسدية الجسيمة، التي تصل أحيانا للعجز التام عن الحركة، بحيث يحتاج أحدهم لأن يحمله محتجزون آخرون ليتمكن من دخول الحمام. كما يتواجد بالقسم محتجزون مصابون بأمراض نفسية وعصبية حادة ككهرباء زائدة على المخ. وتنتشر حالات الجرب وأمراض معدية أخرى داخل الحجز.
وعلى انتشار هذه الحالات، لا يقدم القسم أي رعاية صحية تذكر للمحتجزين، ولا تسجل الحالات الصحية للمحتجزين رسميا بالأساس، بل يتعرضون للإهمال الطبي الشديد والمتعمد. ففي الحالات الطارئة يضطر المحتجزون لطرق باب الحجز لمناداة أمناء الشرطة المناوبين على الحراسة، وعادة ما يقابلون بالإهانات اللفظية والتجاهل، مهما بلغت خطورة حالة المحتجز المحتاج للتدخل الطبي.
“في راجل كبير في الزنزانة اللي أنا فيها كان مابيتحركش. كان مرمي عالأرض جنب الحمام لا بيستحمى وأحيانا بيعمل حمام على نفسه ولا حد بيزوره ولا حد بيجيله ولا بيغير هدومه. أعتقد الراجل دا هايتساب كدا لحد ما يموت.”
وقد ورد بالشهادة التي حصلت عليها الجبهة المصرية أن الأمناء رفضوا فتح باب الحجز لمساعدة محتجز كان يعاني من أعراض ذبحة أو أزمة قلبية، بل طالبوا المحتجزين الذين كانوا ينادونهم لمساعدته بالهدوء وتجاهل الأمر. وورد بالشهادة أيضا أن القسم يمتنع عن تنفيذ قرارات قضائية صادرة لحق المحتجزين بتوفير الرعاية الصحية والنقل للمستشفى لإجراء فحوصات طبية. ولا توجد أية إمكانية أمام المحتجزين لطلب العرض على الطبيب إذا وجدوا الحاجة لذلك.
ومع ذلك فإن درجة الإهمال الطبي تختلف من فئة المحتجزين “الجنائيين” إلى “السياسيين”، وقد يصل الأمر لأن يسأل أمناء الشرطة في الحالات الطبية الطارئة عما إذا كان المريض “سياسيا” أم “جنائيا” ليقرروا التدخل إن كان “سياسيا”. وحتى في حال قدمت الرعاية الطبية للمريض سواء عن طريق أشخاص داخل القسم أو عن طريق طلب الإسعاف، فلا يتم إعلام المحتجز بمعلومات حول حالته الصحية أو صرف أية أدوية له. ولا يوجد مكان بالقسم مخصص للكشف على المحتجزين أو تقديم الرعاية الصحية لهم، بل يجرى الكشف على الأرض خارج غرف الحجز.
ويذكر أن خلو القسم من أي مسعفين أو مرافق للرعاية الصحية يشكل خطرا على من يمضون فترات مراقبة أو تدابير احترازية داخل القسم إذا كانوا ممن يعاني من أمراض مزمنة أو حادة، حيث يكونون ملزَمين بالبقاء لفترات داخل القسم قد تتدهور خلالها حالتهم الصحية دون أي إمكانية للتدخل الطبي العاجل.
في ظل وباء كوفيد-19 لم يتخذ القسم أية إجراءات وقائية للتعقيم وللحماية من الوباء أو لتوعية المحتجزين، كما لم تكن إدارة القسم ذاتها تتبع أيا من إجراءات الوقاية كارتداء الكمامات والتزام التباعد الاجتماعي. وكان يسمح للأهالي بإدخال الكمامات، لكن لا يسمح بالمعقمات الكحولية. وقد وثق تقرير حقوقي وفاة المواطن “خالد طه” البالغ من العمر 58 عاما بالإهمال الطبي في القسم في يوليو 2020، إذ كان قد حصل على قرار بإخلاء السبيل ودفع الكفالة المقررة، إلا أن القسم تعنت في الإفراج عنه لحين إصابته بجلطة في المخ وأعراض وباء كوفيد-19 والتي توفى على إثرها.
المعاملة
يتلقى المحتجزون على خلفية تهم “جنائية” معاملة أسوأ بكثير من قبل إدارة القسم عمن هم على خلفية تهم “سياسية”. وقد ينالون نصيبا من سوء المعاملة لمجرد ممارسة حقوقهم الطبيعية. فلا يتبع القسم إجراءات عقابية واضحة مقابل مخالفات واضحة تقع من المحتجزين، بل قد يتعرض المحتجز للعقوبة لعدم قيامه من مجلسه عند دخول الضابط لغرفة الحجز، أو إذا تأخر في الخروج من الحجز عند مناداته من قبل الأمناء، أو إذا تحدث مع غيره من المحتجزين أثناء العرض على الضباط. وعلى عدم قانونية هذه الممارسات، فإن المحتجزين أيضا لا يعلمون بها عند دخولهم القسم، بل يتعلمون هذه “القواعد” من خلال تلك العقوبات التي تنالهم عند خرقها.
“كنا كل ما باب الحجز يتفتح اللي هو بيتفتح في اليوم أكتر من 50 مرة. النائم يصحى والقاعد يقف واللي في الحمام يخرج وكله بيقف صفين ويحط ايده ورا ضهره عشان الباشا الضابط بيفتح الحجز. [لو ملقاش حد واقف] يكدر اللي ماسك الحجز ويشتم اللي قاعد دا وبيشتم الناس كلها وبيبهدل الدنيا. بيخش يقطع الحاجات. يخش بالجزم عالأماكن اللي بننام فيها عادي.”
ويشمل سوء المعاملة التفتيش المهين للمحتجزين ولغرف الحجز أيضا، فيتم إخراج كل المحتجزين من الغرف وتفتيشهم ذاتيا بشكل مهين أمام بعضهم البعض. وأثناء التفتيش قد يتم إجبار بعضهم على خلع ملابسه والبقاء بملابسه الداخلية، وقد يتم تعرية بعضهم تماما.
ولا يراعي القسم عند ترحيل المحتجزين من وإلى القسم مناسبة عدد المحتجزين للمساحة المتاحة بسيارات الترحيلات، بل يتكدس المحتجزون جميعا في سيارة واحدة، ولا يراعى الحفاظ على مساحة خصوصية للنساء، ولكن لا تقيد النساء مع الرجال في كلابش واحد. ويذكر أن القسم لا يراعي إجراءات السلامة أثناء ترحيل المحتجزين، فقد وثقت الجبهة المصرية وفاة محتجزة سورية بالقسم في ديسمبر 2020 في حادث سير أثناء ترحيلها لحضور جلسة محكمة بمدينة الشيخ زايد. وقد توفي أمين الشرطة الذي كان يصطحبها إلى المحكمة أيضا في نفس الحادث.
حسب المعلومات التي وثقتها الجبهة المصرية، تقع وقائع تعذيب عديدة داخل القسم، خاصة على يد وحدة المباحث، وتطال بالأخص المحتجزين على خلفية تهم “جنائية”، فيتعرضون للضرب والشتم والتعليق على الأبواب. ويتورط الضباط بأنفسهم مع الأمناء والمخبرين في التعذيب. ويشمل ذلك التهديد بالتحرش والاغتصاب، خاصة ضد الرجال. وحسب الشهادة التي حصلت عليه الجبهة المصرية أيضًا، فقد سمع المحتجز السابق صراخ نساء يتعرضن للضرب والاعتداءات اللفظية كذلك.
وقد وثقت مؤسسات إعلامية وقوع وفيات عديدة بالتعذيب داخل قسم الهرم، من أحدثها واقعة وفاة الشاب “محمود سيد محمد” عام 2017، مثل فيها كبير المحققين بالقسم، و6 آخرين بين ضباط وأمناء شرطة، للمحاكمة بتهم احتجاز الشاب بمخالفة القانون، وتجريده من الملابس واغتصابه وتعذيبه بالضرب والتعليق والكهرباء حتى الوفاة. وقد توفي أيضا المواطن “أحمد المسلماني” تحت التعذيب بالقسم عام 2019، بعد أن سلّم نفسه للقسم عقب بلاغ ضده بالسرقة. كما وثقت منظمات حقوقية وفاة المواطن طارق الجابري في أغسطس 2020 بعد يومين من توقيفه بقسم الهرم.
ويتواجد أحيانا بقسم الهرم محتجزون من القصّر، ويتم الإبقاء عليهم وسط البالغين، ولا ينالون أي رعاية خاصة كونهم من الأحداث. ويذكر أن بقاء أولئك القصر داخل القسم يكون أحيانا بقرارات من النيابة. ووثقت منظمة حقوقية ضلوع قوات من القسم في الإخفاء القسري للقاصر “عمر حاتم سيد إبراهيم” في يناير 2020. ووثقت الجبهة المصرية وجود أجانب عرب محتجزين بالقسم، ولا يتم التفرقة في المعاملة بينهم وبين المصريين، ولا يسمح لهم بالتواصل بقنصلياتهم.
وقد دخل عدد من المحتجزين بقسم الهرم في إضراب عن الطعام في مايو 2019 اعتراضا على التكدس والإهمال الطبي وسوء المعاملة بالقسم. وحسب شهادة قريبة أحد أولئك المحتجزين، فإن إدارة السجن كانت تقابل شكاواهم بالتجاهل، وقابلت محاولة بعض الأهالي لتقديم الشكاوى نيابة عن المحتجزين بالاعتداءات اللفظية والتهديد بالاعتداءات البدنية على والدة أحد المحتجزين.
المراقبة
يكلف المراقبون الذين يؤدون المراقبة الشرطية أو التدابير الاحترازية بقسم الهرم بإحضار صور شخصية وصور لبطاقة الرقم القومي، بالإضافة لدفتر يخصص لمتابعة المراقبة وتسجيل مواعيد حضور المراقِب وانصرافه من القسم. وتتراوح الفترات التي يمضيها المراقبون داخل القسم من ساعتين إلى اثنتي عشرة ساعة (من السادسة مساء إلى السادسة صباحا)، بحسب الأمر القضائي.
يقضي المراقِب فترة المراقبة في مسجد تابع للقسم محاطا بالحرس. وفي حالة من يمضون ساعات الليل بالقسم، فإنهم يصعدون إلى سطح ذلك المسجد ويحضرون الأغطية الخاصة بهم للنوم. ويكلف القسم المراقِبين الذين يقضون ساعات مراقبة طويلة – ممن هم على ذمة تهم جنائية – بتنظيف القسم. يسمح للمراقِب بالإبقاء على بعض المتعلقات الشخصية الأساسية معه أثناء فترة المراقبة، كالهواتف والبطاقات الشخصية والسجائر. ولا يفتش كل من يدخل القسم إلا في حالة اشتباه الضباط أو الأمناء به. وفي حالة الاشتباه فقد يتعرض المراقبون للتفتيش المهين الذي قد يصل لحد تعريتهم تماما.
وأحيانا قد يجبر القسم الشخص على الاستمرار في الحضور للمراقبة أو التدابير الاحترازية على الرغم من قيام النيابة أو المحكمة بإسقاطها عن المراقِب. وفي حال شكا المراقِب من إخلال القسم بشروط التدابير الاحترازية أو المراقبة، فإنه قد يتعرض لاعتداءات بدنية ولفظية وللتهديد بإعادة سجنه من قبل الضباط بالقسم.
انتهاكات أخرى
يوجد بالطابق الأول من قسم الهرم، بجانب وحدة المباحث، مكان يسمى “الثلاجة” أو “الحجز الإداري”. لتلك الغرفة باب حديدي مصفح، وتبلغ مساحتها حوالي 3 أمتار في 5 أمتار. ويوجد بها حمام بلا إضاءة. والغرفة ذاتها مضاءة بمصباح واحد، ولا يوجد بها سوى عدد من البطانيات المفروشة على الأرض. وتكون شديدة البرودة في الشتاء وشديدة الحرارة في الصيف.
وقد وثقت الجبهة المصرية وقوع حالات إخفاء قسري بذلك المكان. وإلى جانب المخفيين قسريا، فإن “الثلاجة” تستخدم لاحتجاز من يتم القبض عليهم حديثا لحين تحرير محاضرهم ونقلهم إلى الحجز. وفي حالات عديدة يتم نقل المحتجزين إلى “الثلاجة” بعد تواجدهم بمنطقة الحجز بالقسم، وذلك لإخفائهم قسريا وتدويرهم على ذمة قضايا جديدة. ولعل ذلك ما حدث مع المحامي الحقوقي عزت غنيم الذي رحِل إلى قسم الهرم تنفيذا لقرار بإخلاء السبيل صدر في سبتمبر 2018، ليخفى بعدها قسريا من 14 سبتمبر لحوالي خمسة أشهر.
وتتراوح المدد التي يقضيها المحتجزون على اختلاف فئاتهم داخل هذه الغرفة، من بضعة أيام إلى فترات تزيد على شهرين، دون إعلان عن أماكنهم أو عرض على النيابة أو تقييد أسمائهم بالسجلات الرسمية على ذمة القسم. كما أن الثلاجة أيضا تستخدم لعقاب بعض الأفراد الذين يقضون فترات مراقبة أو تدابير احترازية في القسم، في حالة خالفوا شيئا من شروط المراقبة أو التدابير، أو في حال تأخروا عن الموعد المحدد للمراقبة، فيجبرون على قضاء يوم كامل داخل الثلاجة.
كثيرا ما تكون عمليات الإخفاء القسري التي يتورط فيها القسم تحت تعليمات قطاع الأمن الوطني، وقد يتضمن ذلك تزوير الأوراق رسمية لتفيد بإخلاء سبيل المحتجز، كتحرير بند بدفتر الأحوال بإخلاء سبيله، والحصول على إمضاء من أهله بضمانته والإقرار باستلامه. ويطال الإخفاء القسري محتجزين “جنائيين” و”سياسيين” على السواء.
يواجه المحتجزون المخفيون قسريا بـ”الحجز الإداري” أو “الثلاجة” صعوبات كبيرة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية من طعام وأموال، حيث لا يتمكنون من تلقي الزيارات لأن القسم لا يعترف بوجودهم داخله. ولا يتمكن أولئك المحتجزون من اصطحاب أية متعلقات شخصية لغرفة الحجز تلك، بما في ذلك الأغطية أو الملابس الشتوية والطعام والأحذية. ويترك المحتجزون في الغالب دون طعام، وخاصة إن كانوا على ذمة تهم “جنائية”، ويعتمدون على مياه الحمام للشرب. ولا يتمكن أولئك المحتجزون من الحصول على الطعام سوى عن طريق الشراء من عامل ’بوفيه‘ يمر على القسم. ويذكر أنه يتم إدخال المحتجزين إلى تلك الغرفة دون كشف مسبق على حالتهم الصحية البدنية أو النفسية.
وقد يلجأ بعض أهالي هؤلاء المحتجزين لرشوة عساكر من القسم أو محتجزين أو مراقبين يترددون على القسم ليتمكنوا من توصيل مستلزمات الزيارة لذويهم. وبالطبع يزيد ذلك من احتمالية تعرضهم للسرقة والاستغلال من قبل أولئك الأفراد.
ويلاقي المحتجزون داخل الحجز الإداري “الثلاجة” معاملة سيئة ترقى في أحيان كثيرة لمستوى التعذيب. وحسب الشهادة التي حصلت عليها الجبهة المصرية، فكثيرا ما يدخل محتجزون “جنائيون” تبدو عليهم آثار الاعتداء والتعذيب كجروح وتورم في الوجه، والتعليق لفترات طويلة بما يؤثر على مفاصل الكتف. كما تشمل أشكال التعذيب التقييد بالكلابشات في حلقات حديدية بأرض الغرفة طوال اليوم دون السماح للمحتجز بدخول الحمام. ولا يتم متابعة الحالة الصحية لهؤلاء المحتجزين بعد ذلك، بل يتركون داخل تلك الغرفة في أوضاع احتجاز مزرية، ما يزيد من خطر المضاعفات الصحية لتلك الاعتداءات.
ولكن تظل المعاملة التي يلقاها المحتجزون على خلفية تهم “سياسية” مختلفة عن التي يلقاها من هم على خلفية تهم “جنائية”. فمن ناحية، لا يسمح لـ”السياسيين” المتواجدين فيها غالبا بالتواصل مع العالم الخارجي أو الحديث مع أي من الأمناء أو المخبرين، وفي حال حاولوا ذلك قد يتعرضون للضرب أو التكدير. أما “الجنائيون” فيكون لديهم إمكانية أكبر لإرسال رسائل لذويهم أو الحديث مع العساكر. وفي المقابل قد يدخل للمحتجزين على ذمة قضايا “سياسية” بعض الطعام كالخبز والمربى والحلاوة، ولا يخصص لـ”الجنائيين” مثل ذلك الطعام، ويُتركون ليأكلوا ما يشاركه “السياسيون” معهم.
تقع الكثير من الانتهاكات التي يمارسها القسم تحت أوامر من قطاع الأمن الوطني. فقد يقوم ضباط من القسم بتسليم المحتجزين للقطاع حيث يتعرضون للتعذيب، والتهديد بالاحتجاز خارج نطاق القانون، والتحقيقات المطولة بينما المحتجز مغمى ومقيد بالكلابشات. وقد يجري الأمن الوطني تحقيقات في أي وقت مع من يدخلون للحجز الإداري. وقد يمكث المحتجزون الصادر لهم قرار بإخلاء السبيل لعدة أسابيع إضافية بالقسم بالمخالفة للقرارات القضائية، انتظارا لـ”تأشيرة الأمن الوطني” بالسماح لهم بالخروج، وهو ما حدث مع المواطن جمال عبد الفتاح عام 2018. كما كان القسم قد تعنت أيضا عام 2016 في إخلاء سبيل “خالد الأزهري” وزير القوى العاملة الأسبق بحكومة “هشام قنديل” بعد صدور قرار بإخلاء سبيله.
لم يشهد المحتجز السابق الذي تحدثت معه الجبهة المصرية أية زيارات تفتيش من النيابة العامة على القسم. وبتصفح المواقع الإخبارية والتقارير السنوية للمجلس القومي لحقوق الإنسان، لم تعثر الجبهة المصرية على معلومات تفيد بقيام النيابة أو المجلس القومي بزيارات رقابية على القسم. وقد وثقت الجبهة المصرية أنه في حالة قيام أحد المحتجزين بتقديم شكوى للنيابة، فإن الضباط قد يستهدفونه بإجراءات عقابية عندما تطالبهم النيابة بالبت في الشكوى.