اعتمدت الجبهة المصرية لحقوق الإنسان في إنشاء هذه الصفحة التعريفية بقسم شرطة ثان المنصورة على محادثة صوتية مع شقيق محتجز سابق مر على القسم بعد عام 2018، وذلك بالإضافة لمصادر حقوقية وإعلامية أخرى.
بيانات القسم
يقع قسم شرطة ثان المنصورة بشارع ابن بطوطة بمدينة المنصورة محافظة الدقهلية. توجد ثلاث غرف حجز للرجال تقع في مدخل القسم مباشرة، بحيث يمر على منطقة الحجز كل من يدخل من الباب الرئيسي للقسم. مقابل المدخل يوجد ممر به الغرفة الأكبر (وسعتها الصحية قد تبلغ حوالي 10 أشخاص)، وتخصص للمحتجزين على ذمة تهم جنائية. وعلى اليسار يوجد ممر آخر به غرفتان، إحداهما على الأقل تخصص للمحتجزين على ذمة تهم سياسية.
يخلو القسم من مكتب لجهاز الأمن الوطني، ولا توجد به أي موظفات من النساء. ولم يتمكن المحتجز السابق من رؤية أي مكتب خاص بشعبة حقوق الإنسان بوزارة الداخلية.
أوضاع الاحتجاز
تتراوح المدد التي يقضيها المحتجزون بالقسم بين عدة أيام وعدة أشهر. وحسب الشهادة التي حصلت عليها الجبهة المصرية، فلا يعاني المحتجزون بشكل عام من تكدس الغرف، ولكن تمر على القسم أوقات تزدحم فيه الغرف لدرجة أن المحتجزين يضطرون للنوم على جانب واحد فقط من شدة التكدس بالغرفة. يخلو الحجز من أي أسرة، ولا يقوم القسم بتوفير أي فرش أو أغطية للنوم، كما لا يسمح بدخول الوسائد، ولكن يتمكن المحتجز من إدخال العدد الذي يحتاجه من الأغطية في الزيارات. وقد شكى المحتجز السابق من من قلة نظافة الغرفة ووجود حشرات بها.
تضاء الغرف طوال الـ24 ساعة حتى أثناء النوم. ولا توجد أية شبابيك أو شفاطات هواء بغرف الحجز، أي أن الفتحة الوحيدة بالغرفة هي النظارة الموجودة بباب الحجز، وهي تُفتح من الخارج فقط. ولذلك فالتهوية داخل الغرف سيئة للغاية، كما أنها لا تدخلها أشعة الشمس على الإطلاق. ولا يتعرض المحتجزون لأشعة الشمس إلا عند خروجهم للعرض على النيابة أو المحكمة. ولا يسمح للمحتجزين بالتريض على الإطلاق، كما لا يسمح لهم بأية وسائل ترفيه.
ويُذكر أن هذه الظروف على سوئها لا تقارَن بالحالة التي كان عليها الحجز عام 2014، حيث تفيد رسالة نشرت لمحتجزين حينها بأنهم كانوا يعانون من التكدس الشديد وانقطاع الكهرباء وارتفاع درجة الحرارة بشكل كان يتسبب في فساد الأدوية وحدوث حالات إغماء بين المحتجزين بسبب نقص التهوية، ولكن لم تستطع الجبهة المصرية التوثيق مع محتجزين كانوا متواجدين حينها للتحقق من ذلك مباشرة.
يوجد بكل غرفة حجز حمام مغطى بستارة وبه ماسورة للاستحمام (“دش”). لا توجد بالحمام مياه ساخنة، ولا توجد أي وسائل لتسخين المياه داخل الحجز للاستحمام أو غير ذلك. وحسب المعلومات التي حصلت عليه الجبهة المصرية، فإن المحتجزين على خلفية تهم “جنائية” قد يتعرضون لمضايقات من بعضهم البعض أثناء استخدام الحمام (مثل فتح الستارة عمدا لكشف المحتجز). ولا يواجه المحتجزون بشكل عام تعنتا في إدخال أدوات النظافة الشخصية كالصابون وفرشاة الأسنان. وكذلك يسمح بأدوات التعقيم مثل الديتول. ولكن لا يُسمح بالقصافات وماكينات الحلاقة.
يعتمد الكثير من المحتجزون على الطعام الذي يحضره الأهل في الزيارة، ولا يضع القسم حدا على كمية الطعام التي يدخلها الأهل للمحتجز الواحد في الزيارة، ما يتيح للمحتجزين مشاركة الطعام. وللشرب يعتمد المحتجزون على مياه الحمام أو المياه المعدنية التي يحضرها الأهل في الزيارات. ويتاح للمحتجزين شراء وجبات الطعام والمشروبات الساخنة من خارج القسم عن طريق دفع الأموال لأحد أمناء الشرطة أو عن طريق أحد البائعين المتواجدين في محيط القسم الذين يكثر تعامل القسم معهم. ولا يوجد بالحجز أي ثلاجات لحفظ الطعام، ولا يسمح بأي مواد معدنية على الإطلاق.
يتعامل المحتجزون داخل القسم بالأموال، ويحصلون عليها عن طريق الأهالي. ولا يقل ما يحتاجه المحتجز أسبوعيا عن مائة أو مائتي جنيه، يتكلفها الأهل بالإضافة لباقي مستلزمات المحتجز من طعام وملابس وغيرها. ولا يحد القسم من كمية الملابس التي يحضرها الأهالي في الزيارات.
ويضطر المحتجزون على خلفية تهم “جنائية” لدفع أموال للنباطشي الجنائي الذي يسيطر على غرفة الحجز بالأقدمية. وغالبا ما يكون ذلك نظير حماية من مضايقات باقي المحتجزين، خاصة وأن المشادات بين المحتجزين على خلفية تهم “جنائية” تكون متكررة، وأحيانا ما يتغاضى عنها الضباط. بل إن المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية تفيد أيضا بأن النباطشي الجنائي يقوم باستغلال بعض المحتجزين “الجنائيين” جنسيا. أما المحتجزون على خلفية تهم “سياسية” فلم يرد بالمقابلة ما يفيد اضطرارهم لدفع رشاوي للنباطشي أو للأمناء لتفادي المضايقات، وذلك غالبا لأن الضباط يقومون بالتنبيه على المحتجزين الآخرين بعدم التعرض لهم بأي شكل.
الزيارات
لا يقوم القسم بتبليغ الأهالي عند وصول ذويهم للقسم، ويتولى المحتجزون ذلك بأنفسهم، غالبا عن طريق أهالي محتجزين آخرين، حيث لا يسمح بالتواصل التليفوني على الإطلاق.
يمر الأهالي بعدة مراحل قبل الدخول للزيارة؛ أولها تسجيل أسمائهم مع فرد شرطة متواجد خارج القسم مسؤول عن تسجيل الحاضرين للزيارة في ذلك اليوم. وبعد التسجيل يضطر الأهل للوقوف في طوابير في الشارع الذي يقع به القسم، لحين مناداة أسمائهم للدخول. ولا يوجد خارج القسم أي مرافق معدة لانتظار الأهالي أو الوقاية من الشمس أو المطر، بل يضطرون للانتظار “على سلالم العمارات” لمدة ساعة في المتوسط.
عند مناداة أسمائهم يدخل الزوار من الباب الخارجي للقسم الذي يفتح على ساحة أمامية مفتوحة، ثم يدخلون لمبنى القسم نفسه ليقفوا في طوابير أخرى لانتظار دورهم في الزيارة، في المساحة بين باب القسم والممر الذي توجد به غرف الحجز، والتي لا يتجاوز طولها ثلاثة أمتار. ولا توجد أي مرافق للانظار داخل القسم أيضا، وينتظر الأهالي بالداخل لمدة نصف ساعة في المتوسط.
وحين ينادى اسم الزائر داخل المبنى يتقدم ليضع مستلزمات الزيارة التي أتى بها على طاولة أمام ممرات الحجز ليتم تفتيشها. ولا يتعرض الأهالي للتفتيش الذاتي. لا يوجد مكان مخصص للزيارة، بل تجري الزيارات أمام الممرات الموصلة لغرف الحجز مباشرة وبجانب طاولة التفتيش تلك. ينادي أمناء الشرطة على المحتجز ليخرج من غرفة الحجز لمقابلة أسرته سريعا بينما يفتش الضابط متعلقات الزيارة الخاصة بهم، وتنتهي الزيارة فور انتهاء الضابط من التفتيش، فتسلم المتعلقات للمحتجز ويخرج الأهل وينادى على الزيارة التالية.
“هي مش زيارة بمعنى زيارة. هي بمعنى إنك بتدي أكل للمسجون. عقبال ما الضابط يفتش الأكل عشان يديهوله في أيده تكون إنت بتحاول تزوره وتكلمه. ممكن تبقى 5 دقائق، ممكن تبقى دقيقتين، ممكن تبقى 10 دقائق، ممكن تبقى دقيقة.”
وقد يطول وقت الانتظار قبل الزيارة إذا لم يكن الأهل من بين أول من يسجلون اسمهم للدخول للزيارة. وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية، فإن سبب الانتظار في الشارع هو عدم رغبة القسم في تواجد عدد كبير من المواطنين داخل القسم، فلا يسمح سوى بخمس نساء وخمسة رجال داخل المبنى. ولذلك يدخل الأهالي على دفعات.
يسمح بالزيارات يومي الإثنين والخميس، ويبدأ تسجيل أسماء الزائرين حوالي الساعة الثانية ظهرا، ويظل المجال مفتوحا لتسجيل الزيارات لمدة ساعتين تقريبا، ثم يُدخل القسم الزائرين على دفعات لحين انتهاء الأسماء الموجودة في كشف الزيارات لذلك اليوم. ويسمح بالزيارة لثلاثة أشخاص بالغين، ولا يحتسب الأطفال المصاحبين للزوار ضمن ذلك العدد. ولا توجد أي رسوم للزيارة. ولم يرد بشهادة أهل المحتجز السابق أنهم كانوا يضطرون لدفع رشاوى للأمناء أثناء التسجيل أو التفتيش. كما لم ترد شكوى بسوء تفتيش الطعام أو باقي متعلقات الزيارة. ويسمح للطلاب بإدخال الكتب الدراسية، ولكن تُمنع أي كتب أخرى كالروايات أو غيرها.
قد يتعرض الأهالي القادمين لزيارة ذويهم في الحجز لسوء المعاملة من أمناء الشرطة، وعادة ما يكون ذلك على مرأى ومسمع من الضباط دون تدخل. وقد يصل ذلك لحد التعنيف والترهيب في حال اعتراض الأهالي على أسلوب أمناء الشرطة أو الضباط. وقد وثقت الجبهة المصرية حالة اعتداء من قبل ضابط وأمين شرطة على أحد الزائرين بسبب إبداء اعتراضه على حدة تعامل أمين الشرطة معه، فتعرض ذلك الزائر للضرب المبرح والإهانات اللفظية الشديدة على مرأى من إحدى أفراد أسرته وباقي الأهالي، كما قام الضابط والأمين بالتلويح بقدرتهم على معاقبته والتنكيل به.
الرعاية الصحية
لا يوجد بالقسم أي طبيب أو مسعف مقيم، ولا يتم توقيع الكشف الطبي على المحتجزين عند دخولهم الأول إلى القسم أو سؤالهم عما لديهم من أمراض. ولا توجد صيدلية أو أدوية متوفرة بالقسم، ويضطر المحتجزون لتوصية الأمناء لشراء الأدوية في حال أرادوا ذلك، أو طلبها من الأهل في الزيارات. وبشكل عام لم يشكو قريب المحتجز السابق من التعنت في إدخال الأدوية في الزيارات. ولم يشاهد المحتجز السابق أية حالات لأمراض معدية داخل القسم أثناء الفترة التي قضاها داخله.
وقد وردت بتقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان لعامي 2016-2017 شكوى من والدة الطفل صهيب عماد الذي كان محتجزا بقسم ثان المنصورة، تطالب بتوفير الرعاية الصحية لابنها الذي كان يعاني من التهابات في الساق وخلع في الركبة أجرى بسببه عملية جراحية ثم أعيد مباشرة بعدها إلى القسم. ولم يزد رد المجلس على الشكوى عن مخاطبة وزارة الداخلية التي ردت على المجلس بإثبات لحالته الصحية المعلومة مسبقا، دون أي إشارة لأي إجراءات ينتوي القسم اتخاذها بشأنه.
وحسب المعلومات التي تمكنت الجبهة المصرية من توثيقها، فلم يوفر القسم إجراءات وقائية كافية بعد انتشار وباء كوفيد-19، من قبيل تمكين المحتجزين من التباعد الاجتماعي أو توفير أدوات التعقيم أو الكمامات أو غير ذلك. وقد وثقت منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية انتشار أعراض الوباء بين المحتجزين بالقسم، ومن بينهم المحتجز سعد إدريس الذي نُقل للحجر بمستشفى السلام في يونيو 2020.
المعاملة
لا يقوم القسم عند دخول المحتجزين إليه بإعلامهم بأية قواعد متعلقة بحقوقهم أو واجباتهم داخل القسم، كما لا يتم إعلامهم بأية آليات للشكوى. ويعاني المحتجزون على خلفية تهم جنائية بشكل خاص من سوء معاملة أمناء الشرطة، ويتلقون نصيبا كبيرا من الاعتداءات اللفظية المتكررة، في حين يسلم المحتجزون السياسيون من تلك المعاملة المهينة بنسبة كبيرة. لكن لا تتجاوز هذه التفرقة إلى سياسات القسم المتعلقة بالممنوعات في الزيارة أو غير ذلك، بل تسري القواعد ذاتها على كل المحتجزين.
يتواجد بقسم ثان المنصورة محتجزون من القصّر، وقد يلجأ القسم لترحيلهم إلى أماكن احتجاز أخرى مجاورة بها أماكن مخصصة للأحداث. وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجبهة المصرية، فإن القسم قد يعمل على فصل القصّر في غرف منفصلة عن غرف المحتجزين البالغين. وأحيانا قد يوضعون في غرفة واحدة مع محتجزين على ذمة تهم “سياسية” قُبض عليهم حديثا أو بانتظار إخلاء سبيلهم. وكان من أبرز القصّر الذين مروا على القسم الطفل أحمد السعيد الدسوقي الذي أخفي قسريا بالقسم لعدة أيام عام 2013، والطفل صهيب عماد، الذي اشتهر بترحيله إلى القسم مباشرة بعد إجرائه عملية جراحية في الركبة، وانتهى أمره بعدها إلى الانتقال إلى جلسات المحكمة من محبسه على كرسي متحرك.
ووثقت الجبهة المصرية أن المعاملة التي يلقاها القصّر تتفاوت داخل القسم. ففي حالة صهيب عماد كان القسم يعامله بشيء من التشديد وبالإهمال الطبي المتعمد، بينما يراعي بعض الضباط في حالات أخرى حداثة سن القصر ويبدون استعدادا لسماع شكاواهم، بخلاف المحتجزين البالغين الذين لا يُسمع لشكاواهم على الإطلاق. ولكن لا يتعهد أي مكتب خاص برعاية الأحداث بالاضطلاع بشؤون أولئك القصر والتعامل معهم أثناء تواجدهم بالحجز.
انتهاكات أخرى
تتسبب الإجراءات الإدارية أحيانا في مد فترة الاحتجاز عن المدة المقررة قانونا على المحتجزين. فقد يحصل المحتجز على قرار بالإفراج أو إخلاء السبيل، ويضطر للبقاء في الحجز لمدة تتجاوز الأسبوع بسبب تأخر الجهة القضائية في تبليغ القسم رسميا بالقرار، أو في تأخر جهاز أمن الدولة في إعطاء التأشيرة لقسم الشرطة لتنفيذ القرار القضائي بإخلاء السبيل، ويعد الأخير إجراء مشكوك في قانونيته إلى حد كبير. وفي تلك الحالات يضطر الأهالي للتردد عدة مرات بين الجهة القضائية التي أصدرت القرار وقسم الشرطة لمحاولة تسريع الإجراءات.
وفي فبراير 2020، قدمت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بلاغا للنيابة العامة ضد رئيس مباحث قسم شرطة ثان المنصورة، للتحقيق في واقعة قيامه بتزوير محضر الضبط في قضية الباحث باتريك جورج زكي، حيث نص محضر الضبط على أن باتريك قد قبض عليه بأحد الكمائن بالمنصورة يوم 8 فبارير 2020، في حين كان قد قبض عليه من مطار القاهرة قبلها بيوم كامل.
وفي انتهاك آخر كانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات وثقت عام 2019 احتجاز المواطن بهاء عادل طاهر بقسم شرطة ثان المنصورة بدون سند قانوني، ثم تعرضه بعدها للاختفاء القسري.
وحسب المعلومات الواردة بالمقابلة التي أجرتها الجبهة المصرية، فلم يشهد المحتجز السابق مجيء أية لجان تفتيش من النيابة العامة أو وزارة الداخلية أو المجلس القومي لحقوق الإنسان لتفقد أوضاع المحتجزين داخل القسم.