تدين الجبهة المصرية ممارسات البطش الواسع الذي مارستة، وما تزال، السلطات تجاه التظاهرات المنددة بسياسات الرئيس السيسي والمطالبة برحيله، في التظاهرات الأولي من نوعها الرافعة لهذا المطلب مباشرة، منذ تقلد الرئيس مقاليد الحكم في 2014. وتندد الجبهة المصرية بما صاحب هذه التظاهرات من هجمة أمنية ضد النشطاء السياسيين، والمحاولة الواضحة لتطويق الفضاء العام بما فيه الانترنت، في انتهاك صارخ لحرية الرأي والتعبير والتجمع، وبما يعد ترهيبًا لباقي المواطنين الراغبين في كسر حاجز الخوف والتعبير عن رغبتهم في التغيير السياسي السلمي.
كانت عدد من محافظات مصر قد شهدت مساء الجمعة 20 سبتمبر تجمعات عفوية من مئات المواطنين، والتى تطالب أغلبها برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الحكم والتنديد بسياساته. وتطالب بشعارات ثورة يناير مثل: “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية“، “الشعب يريد إسقاط النظام“، وذلك على إثر دعوة المقاول والفنان المصري محمد علي المتعاون سابقًا مع الجيش في أعمال إنشاء مختلفة إلي التظاهر ضد الرئيس والمطالبة برحيله، وذلك بعد نشره لفيديوهات ينتقد فيها قيامه ببناء قصور وفنادق فارهة، وهو ما لم ينكره الرئيس فى مؤتمر الشباب يوم 14 سبتمبر فى رده على هذه الانتقادات. كل ذلك في ظل سياسات اقتصادية تقشفية ينتهجها النظام تحت شعار الإصلاح الاقتصادي.
وفي ارتباك واضح، صعدت السلطات المصرية من استعمالها لأدوات البطش المختلفة بهدف حصار هذا الحراك وإجهاض إمكانية توسعه. فبعد تظاهر المئات في محافظات عدة، مثل السويس والاسكندرية والمحلة والسويس ودمياط ومرسي مطروح، بالإضافة إلي القاهرة، والتى شهدت تجمعات منددة في عدد من المناطق أبرزها علي أطراف ميدان التحرير، وشبرا الخيمة، لجأت الأجهزة الأمنية إلي استعمال القوة المفرطة تجاهها، حيث ألقت القبض وبشكل عشوائي على عشرات المتظاهرين، والاعتداء عليهم بالضرب،والقبض علي مصوري التظاهرات واستعملت الخرطوش والغاز المسيل للدموع لتفريق هذه التجمعات.
وبالنظر للمقبوض عليهم، تشير المؤشرات الأولية، وفقًا لمتابعة الجبهة المصرية، لبلوغ عدد المقبوض عليهم لأكثر من 300 شخص، من محافظات مختلفة، حيث ما تزال التحقيقات مستمرة في عدد من النيابات، على رأسها نيابة أمن الدولة ونيابة زينهم، والتى بدأت التحقيق معهم منذ مساء الأحد 22 سبتمبر2019، وقامت بوضعهم على ذمة القضية 1338 لسنة 2019 حصر أمن دولة، والموضوع فيها طبيب الأسنان حازم غنيم شقيق الناشط وائل غنيم، واتهامهم بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها وإنشاء موقع من مواقع التواصل الاجتماعي لترويج أفكار تلك الجماعة، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، والانضمام لمجموعة لتنظيم تظاهرة بدون الحصول على إخطار من الجهات المختصة.
وبعيدًا عن مواجهة قمع التجمعات مباشرة، عمدت الأجهزة الأمنية لاستعمال عدد من الاجراءات الاحترازية تحسبًا لاتساع رقعه هذا الحراك، حيث تم إلقاء القبض على عدد من نشطاء الأحزاب والحركات السياسية من منازلهم أو من أقسام الشرطة وترهيبهم أثناء وجودهم فيها على ذمة التدابير الاحترازية وسؤالهم عن علاقتهم بهذه التظاهرات. فعلى سبيل المثال: تم إلقاء القبض على الناشطة والمدافعة عن حقوق الإنسان ماهينور المصري من أمام نيابة أمن الدولة العليا أثناء مباشرتها عملها القانوني مساء 22 سبتمبر ثم إظهارها على ذمة القضية 488 لسنة 2019 أمن الدولة، واتهامها بمشاركة جماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، وهي نفس القضية التي وُضع فيها سابقًا الناشط العمالي كمال خليل والمقبوض عليه في 16 سبتمبر. كما ألقت الأجهزة الأمنية القبض على عبد العزيز الحسيني نائب رئيس حزب الكرامة يوم الخميس 19 سبتمبر، وعبد الناصر إسماعيل نائب حزب التحالف الشعبي يوم 23 سبتمبر. ومن ناحية أخري، ألقي القبض على الناشط والصحفي محمد رضوان “أكسجين” أثناء قضائه للتدابير الاحترازية في القسم يوم السبت 21 سبتمبر. في إجراءات تشير إلي سعي السلطات لإجهاض أى إتساع محتمل لرقعة الحراك.
وعلى مستوي الإعلام، ففي الوقت الذي عمدت فيه وسائل إعلام تابعة أو مقربة للنظام في اليوم الأول للتظاهرات بالإيحاء بعدم وجودها من الأساس، أو أنها عبارة عن فيديوهات لمظاهرات قديمة، شن عدد من الإعلاميين المقربين لدوائر الحكم بعد التظاهرات حملة إعلامية على هذه التجمعات واصفين أنها تابعة لجماعات إرهابية وإثارية. كما ألقت السلطات القبض علي عدد من الصحفيين أثناء قيامهم بعملهم وتغطية التظاهرات مثل الصحفية في جريدة المصري اليوم إنجي عبد الوهاب، والصحفي بجريدة البديل سيد عبد اللاه، كما قامت السلطات المصرية بحجب عدد من الشبكات الإخبارية العالمية مثل هيئة الإذاعة البريطانية BBC وقناة “الحرة” الأمريكية، على خلفية تغطيتها تلك المظاهرات. ومن ناحية أخري، أشارت مصادر تقنية متخصصة بسعي السلطات المصرية إلي حجب بعض تطبيقات التواصل والمحادثة مثلMessenger وWire ، وهو الأمر الذي قد ينذر بتكرار السلطات لتجربة قطع الاتصالات التي حدثت أثناء ثورة يناير 2011 بهدف منع انتشار الدعوات للتظاهر.
وعلى مستوي آخر، عمدت السلطات لاحتلال مناطق التجمعات الشائعة واستهداف المشتبه في مشاركتهم هذه التظاهرات، فوفقًا لشهادات واردة من أشخاص متواجدين في محيط منطقة وسط البلد في القاهرة، والتى انتشر بها ضباط وأمناء الشرطة بمختلف الدرجات، فانهم يقومون بايقاف المارة الذي يشتبهون فيهم، ويقومون بالكشف عن أسمائهم الشخصية والتفتيش في هواتفهم المحمولة وحساباتهم على فيسبوك. فيما تواردت المعلومات القادمة من مدينة السويس، والتي استمرت التظاهرات فيها ليومين على التوالي، بأنه قد تم القبض علي عشرات الأشخاص من منازلهم على خلفية هذه التظاهرات.
تؤكد الجبهة المصرية على أن المطالب التي عبر عنها مئات المواطنون منذ مساء الجمعة 20 سبتمبر في تجمعاتهم السلمية هي من حقوقهم الأصيلة، والمكفولة بالدستور والمواثيق الدولية، ويجب على السلطات المصرية الانصات إليها بحرص وحمايتها بدلًا من قمعها بوسائل البطش المعتادة. كما تطالب الجبهة المصرية السلطات القضائية بالوقوف على الحياد والإفراج الفوري عن عشرات المقبوض عليهم على خلفية هذه التظاهرات، والوقوف مع حقهم في التظاهر السلمي وحقهم في التعبير عن رأيهم بحرية.