بعد الجولة الأولى من الحوار الوطني: الغائب والحاضر والممنوع في نقاشات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة

تُطلق الجبهة المصرية لحقوق الإنسان سلسلة من المتابعات والأوراق التي تُسلط الضوء على أداء الحوار الوطني مع تركيز أكبر على أعمال لجنة الحقوق والحريات العامة. ويُعد هذا التعليق التقييمي هو الأول ضمن هذه السلسلة، والذي يتناول المرحلة الأولى من نقاش اللجنة والذي اٌختتم بالفعل برفع توصيات هذه المرحلة لرئاسة الجمهورية.

يُعلق التقرير على الثلاث جلسات التي عقدتها لجنة حقوق الإنسان -حتى تاريخه- وما تناولته الجلسات من نقاشات ومحاور، وما تم استبعاده بشكل واضح من النقاشات فيما مثل خطوطا حمراء، والموضوعات التي سُيستءناف النقاش حولها في الفترة المقبلة.  يأتي ذلك عبر استعراض أجندة لجنة الحقوق والحريات العامة، وما تم إنجازه بالفعل منها، ووضوح الالتزامات الدولية لحقوق الإنسان في نقاشات وخطاب المشاركين في التي أٌنجزت حتى الآن. 

خلفية السياق

دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في أبريل 2022 إلى إدارة حوار وطني مع كافة القوى السياسية ورفع توصيات الحوار إليه مباشرة، واستمرت التحضيرات للحوار الوطني عاما كاملا منذ إعلان الرئيس، وعلى الرغم من بعض الانتقادات من جانب الحركة الوطنية المعارضة تجاه تشكيل مجلس أمناء الحوار الوطني، إلا أن إدارة الحوار أعلنت في 26 يونيو 2022 تشكيل مجلس الأمناء مكونا من 19 عضوا.

أُدرجت لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة ضمن أعمال المحور السياسي، حيث جرى تعيين الدكتورة نيفين مسعد الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان مقررا للجنة، والأستاذ أحمد راغب المحامي المقرر المساعد، وتم الإعلان عن محاور عمل اللجنة والتي شملت 7 موضوعات جاءت على النحو التالي:

  1. التعذيب (التعريف- إقامة الدعوى الجنائية- حد الضرر).
  2. أوضاع السجون (مراكز الإصلاح) ومراكز الاحتجاز (الإشراف القضائي- اللوائح المنظمة).
  3. تعديل أحكام الحبس الاحتياطي وتقييد الحرية وقواعد التعويض عنهما والتحفظ على الأموال والمنع من السفر، واستئناف الجنايات، وحماية الشهود والمبلغين.
  4. حرية التعبير والرأي (أحكام حرية وسائل الإعلام والصحافة واستقلالها وحيادها وتعددها والعقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، وقانون حرية تداول المعلومات).
  5. قواعد وأحكام تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وحرية البحث العلمي ومتطلباته.

6.العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والعلانية، الإبداع وحرية الرأي.

  1. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض، مفوضية القضاء على التمييز.

محاور النقاش المنُجزَة بالفعل

ناقشت اللجنة حتى الآن ثلاثة موضوعات فقط وهي القضاء على كافة أشكال التمييز، وإصدار قانون لحرية تداول المعلومات، وقواعد وتشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج، وهي الموضوعات التي تم معالجتها بشكل جزئي بالتركيز على بعض البنود دون الأخرى، بشكل مختزل.

  • مكافحة التمييز 

استهلت لجنة حقوق الإنسان أولى جلساتها في 14 مايو 2023 بالحديث عن مناهضة التمييز في جلسة واحدة، وجاء بيان الحوار الوطني بخصوص الجلسة يحمل أغلب موضوعات النقاش التي تم تداولها خلال الجلسة، والذي تحدث عن تأكيد الدولة على التزامها بجميع الاتفاقيات التي تكافح التمييز وتعزز المساواة بين المواطنين، وتسليط الضوء على حقوق المواطنين في العلاج والسكن وعدم التعرض للاعتداء البدني، ومطالبات بإنشاء المفوضية الوطنية للقضاء على كافة أشكال التمييز وعمل وزارة العدل على مشروع القانون. وذكر البيان أيضا إلى ضرورة المساواة بين الجنسين ومناهضة التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتنقيح بعض التشريعات، وإيجاد حلول للثغرات الموجودة في بعض القوانين مثل قانون الأحوال الشخصية.

وتنوعت مفاهيم المشاركين عن التمييز؛ فتحدث بعضهم عن اللاجئين والمهاجرين، والتمييز ضد الريف والصعيد وذوي الإعاقة، ومفهوم التنمر، وأشار غالبية المشاركين في مستهل حديثهم عن منابع التمييز إلى الممارسات المجتمعية والثقافة المجتمعية، وضرورة تعديل المناهج الدراسية.

وعلى الرغم من أن بعض التوصيات تحدثت عن التمييز ضد النساء،وجاء في تعريف التوصيات النهائية للتمييز، بأنه التمييز بسبب الجنس؛ إلا أن الجلسة الأولى من جلسات الحوار الوطني، وكذلك مخرجاته النهائية خلت تماما من أية إشارة أو مراجعات وتقييم لأداء الدولة المصرية الطويل في التمييز ضد النساء في العديد من المجالات سواء بالتشريعات الصريحة أو بالقرارات الإدارية والتسامح مع الأعراف المجتمعية المعادية . وخلت الجلسة من التطرق لأي من هذه العوائق التي تقف حاجز عثرة أمام المساواة التامة بين الرجال والنساء، وانطلق النقاش وكذلك التوصيات النهائية من التأكيد على تثمين دور الدولة “ووعيها بملف حقوق الإنسان باعتباره ملفًا أساسيًا”، واتفق الحاضرون على أن الدولة المصرية، نفاذا لدستور 2014، قطعت أشواطا واسعة في سبيل تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص.

كذلك لم تتضمن مناقشات مكافحة التمييز قضية قلة أعداد النساء في جهاز القضاء، سواء من خلال استعراض الوضع الحالي والوضع المستقبلي المستهدف الوصول له عبر سياسة مستدامة ترمي لزيادة أعداد النساء في مؤسسات القضاء بما يُعزز من دلالة تعيين قاضيات في مجلس الدولة  لأول مرة في 2022 وذلك منذ نشأة المجلس في 1964، وليس كوضع استثنائي، وإنما استراتيجية مؤسسية مقصودة لتدارك الفجوة بين أعداد القضاة والقاضيات.

على الرغم من إشارة البيان إلى ضرورة إيجاد حلول للثغرات الموجودة في بعض القوانين، ذٌكر منهم الأحوال الشخصية وقانون العمل، لم يتطرق النقاش في الجلسة، ولم تحمل التوصيات النهائية المرسلة لرئيس الجمهورية أية إشارة إلى تعديل القوانين التمييزية ضد النساء السابق الإشارة لها، والتي تتسم بكونها محلا لجدل مجتمعي وسياسي عميق، كان يُفترض أن يتم التداول حولها للوصول لحلول تستوعب جميع القوى السياسية، وتكفل حقوق النساء.

لذلك؛ يبدو أن اللجنة آثرت البعد عن البنود  الخلافية في قوانين الأحوال الشخصية، والميراث، وقانون العقوبات الذي يحتوي تنويعات من أشكال التمييز ضد النساء مثل عدم تجريم الاغتصاب الزوجي، وتكييف أفعال مثل حالات العنف المنزلي والاغتصاب على أنها أفعالا تأديبيا بمقتضى الشريعة الإسلامية، وكذلك تخفيف عقوبات عدد من الجرائم بدواعي الشرف وفقا لذات القانون. كما لم يتطرق النقاش لموضوع جدلي مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء (السيداو) الصادرة في عام ١٩٧٩، والتي وافقت عليها مصر بتحفظات تحت دعوى تعارضها مع  الشريعة الإسلامية، بالرغم من أهمية التفاوض والحوار بين كافة القوى السياسية والمدنية حول كيفية التعامل مع هذه التحفظات بما يسمح بتحسين أوضاع النساء بشكل جاد.

كذلك لم يتعرض النقاش عن التمييز لعدد من القوانين سيئة السمعة التي صدرت في السنوات الأخيرة، والتي تضمنت اتهامات “أخلاقية” تسٌتخدم كذريعة لملاحقة النساء، وشن حملات ضدهن تحت دعوى مخالفة تقاليد الأسرة المصرية كالتي شنتها النيابة العامة ضد فتيات تيك توك والتي توسعت جهات التقاضي فيها لتشمل المحاكم الاقتصادية، والتي أصدرت إلى جانب النيابة أحكاما تؤسس للتمييز ضد النساء وملاحقتهن، والسيطرة على أجسادهن، وحرية ملبسهن. شملت هذه النصوص القانونية الإشكالية التي تغافل النقاش عنها، وهي المادة 278 من قانون العقوبات “ارتكاب فعل فاضح في الطريق العام”، والمادة 178 من ذات القانون المعروفة باسم “خدش الحياء العام”، والقانون رقم 10 لسنة 1961، قانون تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018. 

  •  حرية تداول المعلومات 

انعقدت الجلسة الثانية من جلسات لجنة حقوق الإنسان بتاريخ 11 يونيو 2023، وكانت بعنوان إصدار قانون حرية تداول المعلومات، ففي حين شارك البعض بمسودة مشروع قانون كامل لتداول المعلومات، عبر بعض المشاركين الآخرين عن مفاهيم قاصرة أيضا لمفهوم حرية تداول المعلومات، إذ ربط عدد كبير من المشاركين مفهوم حرية تداول المعلومات بالقضاء على الشائعات، وقالت نيفين مسعد، مقرر اللجنة، أن حرية الحصول على المعلومات حق للجميع نصت عليه المادة 19 في نقلها وتلقيها للآخرين، بشرط عدم التعرض للأمن العام.

والحق الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق حصري ومطلق لا يعيقه التعرض للأمن العام، وغير مقترن بالقضاء على الشائعات، وحتى التقييدات الواردة في المادة 19(3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والخاصة بالآداب العامة والأمن العام  تشترط أن تكون هذه القيود استثنائية وأن تٌفسر تفسيرا ضيقا.

تجدر الإشارة إلى أنه في السياق المصري، تُعتبر الدولة ممثلة في هيئاتها العامة المالك الأول والحصري لجميع الوثائق الرسمية؛ ما يضع على الدولة التزاما بأن تبادر إيجابيا بالإفصاح عن المعلومات، وأن تتضمن قواعد حفظها للمعلومات التعامل مع المعلومات كملكية عامة للمواطنين؛ وعليه لم يتطرق المشاركون للإجابة على عدد من الأسئلة الضرورية لإصدار قانون تداول المعلومات مثل مفهوم الأمن العام، فضلا عن النقاش حول خضوع الأجهزة الاستخباراتية والقوات المسلحة لهذا القانون، وما هو الحد الأدنى المسموح به لتداول المعلومات من قبل تلك الجهات.

وحاول عضو مجلس أمناء الحوار، نجاد البرعي، الاشتباك مع مثل هذه الأسئلة عندما طالب المشاركين بالإجابة عن بعض الأسئلة التي تتعلق بمفهوم الأمن القومي، وما هو الحد الأقصى والأدنى للحصول على المعلومات. لم يتطرق النقاش كذلك لمحاولات إصدار قانون تداول المعلومات في السنوات العشر الماضية، كنقطة للبناء عليها في نقاش اللجنة حول تداول المعلومات، والتي كان بعضها  بالفعل متضمنا جهات رسمية تابعة لجهاز الدولة؛ منها ما كان في صيف 2011 عُرف آنذاك بـ “مجموعة عمل قانون حرية المعلومات” والتي كانت تضم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع المدني والشخصيات العامة. من المحاولات أيضا، مسودة لقانون تداول المعلومات أصدرتها وزارة العدل بعد نقاشات مع عدد من الشخصيات العامة ومنظمات المجتمع المدني، لتُصدر الوزارة المسودة في مايو 2013 دون الأخذ بملاحظات المجتمع المدني، وكان من محاور الرفض والانتقاد من منظمات المجتمع المدني؛ غياب التعريف لمفهوم الأمن القومي، واستثناء القانون لكل من جهازي المخابرات العامة والعسكرية من الخضوع للقانون.

وكانت آخر هذه المحاولات عندما أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن انتهائه من مسودة قانون لتداول المعلومات في 2017، وهو أيضا ما لم يصدر حتى الآن في غالب الأمر تحت مسمى حماية الأمن القومي. لم يختلف أداء الحوار الوطني عن المحاولات السابقة المجهضة لإصدار القانون؛ إذ خلت التوصيات النهائية التي رُفعت إلى رئيس الجمهورية من أية إشارة تخص إصدار القانون، في حين أشارت مصادر لاستمرار مناقشة القانون في المستقبل، من خلال قيام اللجنة بعقد اجتماعات لاحقة تضم متخصصين.

  • البحث العلمي 

جاءت الجلسة الثالثة من جلسات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة تحت عنوان ” قضية تشجيع التفاعل بين الجماعة الأكاديمية المصرية ونظيرتها في الخارج ومتطلبات حرية البحث العلمي” وتحدثت التوصيات المحالة الى رئيس الجمهورية، والبالغ عددها 8 توصيات،  تيسير إجراءات سفر الأساتذة إلى الخارج، وتيسير إجراءات دخول وخروج أساتذة وطلاب الجامعات العربية، وتشجيع إقامة المشروعات البحثية المشتركة بين الجامعات ومراكز الأبحاث المصرية والأجنبية .

لم تركز التوصيات النهائية أو نقاشات وتوصيات المشاركين خلال الجلسة على الحديث عن سيطرة الأجهزة الأمنية على الجامعات المصرية، والبحث العلمي، والنشاط الأكاديمي عن طريق اشتراط موافقة الأجهزة الأمنية قبل سفر أعضاء هيئات التدريس وإقامة المؤتمرات البحثية، جدير بالذكر بأن بعض المشاركين أشاروا إلي تدخل السلطة التنفيذية في تعيين القيادات الجامعية. تأتي هذه التوصية دون نقاش واضح وشفاف حول الوضع القائم وتقييمه، والذي تٌخالف فيه ممارسة الرقابة على سفر أعضاء هيئة التدريس، المادة ٦٢ من الدستور المصري التي تنص على حرية التنقل وضرورة عدم منع أي مواطن من مغادرة الدولة إلا بأمر قضائي مسبب، وهو المبدأ الذي شدد عليه العهد الدولي  في المادة 12 من ضمان حرية التنقل؛ وحتى القيود التي وضعها العهد على التنقل لاعتبارات مثل حماية الأمن الوطني والعام، جاءت منضبطة لحد بعيد. كما فسرت اللجنة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية في التعليق العام رقم 27 على

المادة 12 الموضحة: “حرية التنقل الواردة بأنها يجب أن يكون منصوصا عليها في القانون الوطني، وأن تكون تلك القيود “متسقة مع الحقوق الأخرى المكفولة في العهد ومع المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز” .

إضافة للممارسات التي لم يتطرق لها النقاش حول الحريات الأكاديمية والتي تؤثر في النهاية على حرية البحث العلمي مثل كانت  تدخل الأمن بشكل مباشر في تعيين القيادات الجامعية، والفصل التعسفي إزاء المعارضين من أعضاء هيئة التدريس، وممارسة حظر البحث بشكل غير مكتوب في عدد من الموضوعات البحثية التي تُعتبر شائكة، والقبض على الطلاب المعارضين، ومنعهم من مزاولة أي نقاش سياسي داخل الحرم الجامعي.

الخطوط الحمراء في عمل لجنة حقوق الإنسان

على الرغم من أهمية موضوعات أجندة لجنة حقوق الإنسان بالحوار الوطني؛ إلا أنه جرى استبعاد عدد من القضايا الحقوقية العاجلة و بالغة الأهمية في المرحلة الأولى منه، والتي تتطلب تدخلا تشريعيا وإرادة سياسية على وجه السرعة نظرا لتأثيرها في حياة آلاف المصريين، والتي تتراوح بين إغفالها بشكل عمدي بالكلية، أو التباطؤ والمماطلة في الاستجابة لمطالب المشاركين في اللجنة بالبت فيها، أو إنكار وجودها تماما أو الرفض بكل صريح لأي معالجة لها سواء حاليا أو مستقبلا، أو في أفضل الحالات ترحيلها للمستقبل والجولات المقبلة من الحوار.

من بين القضايا التي غٌفلَت بالكلية؛ التوسع الكبير من قبل الحكومة المصرية في تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة المصري، حيث احتلت مصر في عام 2020 الترتيب الثالث عالميا في تطبيق العقوبة بعد الصين وإيران. وكذلك التوسع في استخدام القوانين الإرهابية في إدراج المواطنين والمواطنات على قوائم الإرهاب حيث بلغ عدد المدرجين بموجب قانون الكيانات الارهابية لأكثر من 8000 آلاف مواطن. وأيضا التوسع في تعريفات الإرهاب والفعل الإرهابي في قانون الإرهاب الذي تسبب في سجن آلاف المصريين بموجبه لفترات وصلت الى سنوات.

من بين القضايا التي شهدت صمتا أو استبعادا من خلال إنكار كونها أزمة أو موجودة بالكلية، أو من خلال تجاهل المطالبات الخاصة بها ما يلي:

  • الإغلاق التام لملف السجناء السياسيين

غاب تماما حتى الآن مناقشة العديد من القضايا الهامة على رأسها إنهاء ملف المحبوسين السياسيين في مصر، والذي كان محط تعليقات ونقاشات العديد من المتحدثين في الجلسة الافتتاحية للحوار الوطني، وكان من ضمن الشروط التي اتفق عليها جميع الأطراف للمشاركة في الحوار من البداية، وأبدت الحركة المدنية استيائها أكثر من مرة من تباطؤ  إغلاق ملف المحبوسين في قضايا الرأي.

وعلى الرغم من إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي بالتوازي مع دعوة الرئيس للحوار الوطني إلا أن عملها يتسم بالتباطؤ الشديد وعدم الجدية، ففي خلال أكثر من عام كامل من عمل اللجنة منذ أبريل 2022 وحتى يونيو 2023؛ تم الإفراج عن 1151 شخصا من المحبوسين في قضايا الرأي سواء بإخلاء سبيل أو بالعفو الرئاسي، وفي المقابل تم التحقيق في نفس الفترة  مع 3666 شخصا أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة قضايا مختلفة.

لحقت بأعمال اللجنة في الفترة الحالية سلسلة من الأحداث التي ترتبط بملف السجناء السياسيين، والتي تعكس غياب الإرادة في إغلاق هذا الملف أو المساس به بشكل هيكلي واستراتيجي في مقابل الاعتماد على التقييم الفردي لكل حالة بدون معايير واضحة. من هذه الأحداث الحكم على الباحث باتريك جورج بالسجن لمدة ثلاث سنوات، وإلقاء القبض على القيادي الطلابي السابق معاذ الشرقاوي وتعرضه للاختفاء القسري لمدة 23 يوما ومازال قيد الحبس حتى الآن. كذلك تأكدت أخبار عن تعقب أقارب المرشح المحتمل أحمد طنطاوي لإنتخابات رئاسة الجمهورية أحمد طنطاوي بالقبض. استجابت الحركة المدنية لهذه الأحداث بـ بيان لها بأنها تدرس الانسحاب من الحوار الوطني وقالت آنذاك “تفاجأنا بأخبار عن القبض على اثنين من أقارب وعدد من أنصار النائب السابق المعارض أحمد الطنطاوي، الذي أعلن عودته إلى مصر في السادس من مايو، وأنه ينظر في احتمال خوضه الانتخابات الرئاسية ربيع العام المقبل، كما لم يتم حتى الآن الإفراج عن معظم أعضاء الأحزاب الذين تم التعهد بخروجهم، ومن تبقوا من القائمة التي تم التوافق على خروجهم مع بدء الحوار”. 

ترتب على هذه التطورات انسحاب عدد من المشاركين من الحوار الوطني كان على رأسهم عضو مجلس أمناء الحوار الوطني نجاد البرعي وخالد داوود مقرر مساعد لجنة الأحزاب السياسية، ما كان مؤذنا بتفخيخ الحوار الوطني، والتعبير عن مضي الحوار في مسار مختلف عن مسار مؤسسات العدالة والأمن، حيث لم تشهد ممارسات “القبض على سجناء سياسيين” تجميدا ولو مؤقتا لحين انتهاء الحوار والوصول لاتفاقات واضحة بشأن معالجة هذا الملف.

للمفارقة شهدت الفترة الماضية عددا من الإفراجات عن عدد من المحبوسين السياسيين المعروفين إعلاميا مثل زياد العليمي والمحامي محمد الباقر والباحث باتريك جورج -والذين حظوا بعفو رئاسي- والباحث الاقتصادي عمر الشنيطي وآخرهم كان الناشط السياسي أحمد دومة بعد مضي 10 سنوات على حبسه، والتراجع عن قرار القبض عن أقارب أحمد طنطاوي من النيابة. وهو ما يعكس الضبابية وعدم الحسم حول هذا الملف وعدم وضوح المعايير في الإفراجات والقبض.

في المقابل، منذ بداية الحوار الوطني كان هناك تجاهلا للمطالبات بالإفراج عن عدد آخر من السجناء السياسيين وهم؛ الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية ونائبه محمد القصاص، وكذلك الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.

يبدو أن ملف السجناء السياسيين خارج نطاق التداول، وغياب الإرادة السياسية والقرار الاستراتيجي بإنهاء هذا الملف كاملا. حظي محور مثل الحبس الاحتياطي- وثيق الصلة بملف السجناء السياسيين- باهتمام بالغ من أعضاء اللجان، إلا أنه لم يتم مناقشته في هذه المرحلة من الحوار. لم يمض هذا دون انتقادات حول عدم شمول التوصيات النهائية للمرحلة الأولى إلغاء القرار الصادر في 2013 بتعديل المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، والإفراج النهائي عن جميع سجناء الرأي سواء من هم قيد الحبس الاحتياطي أو المحكوم عليهم. في مقابل هذه الانتقادات، ظهرت أخبار ووعود من عدد من أمناء الحوار حول استكمال الحوار الوطني في مرحلته القادمة لملف الحبس الاحتياطي. 

  • الاختفاء القسري

منذ عدة سنوات لم يخل ملف مصر الحقوقي في المحافل الدولية من الإشارة إلى وجود جريمة الاختفاء القسري وضرورة عدم إفلات مرتكبيها من العقاب. وكانت الحكومة المصرية قد تلقت 5 توصيات أممية خلال استعراض ملفها الحقوقي أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2019، وركزت التوصيات على ضرورة تصديق مصر على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والتحقيق في مزاعم الاختفاء القسري على أيدي قوات الأمن، وإعلان النتائج، ومحاكمة المسؤولين ومعالجة الإفلات من العقاب. كما أحال الفريق المعني بالإخفاء القسري بالأمم المتحدة 173 حالة إخفاء قسري إلى الحكومة المصرية للرد عليها في 2018، وأعرب الفريق عن قلقه إزاء تلك الحالات، وأشار إلى وجود مشكلة منهجية تتعلق باستمرار حالات الاختفاء القسري. وزادت وتيرة ممارسة الأجهزة الأمنية لهذه الجريمة بشكل مستمر وممنهج طوال العشر سنوات الماضية حتى أصبح إجراء  روتينيا في عمل تلك الأجهزة. وكانت حملة أوقفوا الاختفاء القسري قد تمكنت على مدار الثماني سنوات الماضية من توثيق 4000 حالة اختفاء داخل مقار تابعة للأمن الوطني، ومقار أخرى وذلك لفترات متفاوتة وصلت إلى سنوات في بعض الحالات، وقالت الحملة إنه لا يزال هناك 300 شخص قيد الاختفاء القسري حتى الآن.

بالمثل؛ غاب ملف الاختفاء القسري تماما من أجندة عمل لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في الحوار الوطني أو حتى الإشارة إليه في الجلسات التحضيرية للحوار، كما غاب تداول هذا المصطلح عن خطاب المشاركين في اللجنة، ما يتسق مع دَأْب السلطات المصرية وعلى رأسها وزارة الداخلية والأجهزة الإعلامية طيلة السنوات الماضية على نفي ممارسة الأجهزة الأمنية لهذه الجريمة في مصر؛ بل وتعدى الأمر إلى حد تصريح المستشار معتز خفاجي أن الاختفاء القسري “صناعة إخوانية” معلنا بذلك تكوينه عقيدة مسبقة لا تحتاج  إلى  تحقيقات أو أدلة أو إدعاء.

أما الموضوعات التي تم رفض النقاش فيها بالكلية فجاءت بالأساس في ملف التمييز على أساس الميول الجنسية.

  • التمييز ضد أصحاب الميول الجنسية المختلفة

برغم وجود حقوق أصحاب الميول الجنسية المختلفة على قائمة المواثيق الدولية، وتقاطعها مع ملف مكافحة التمييز؛ إلا أن جلسات اللجنة تضمنت بشكل واضح وصريح رفضا كليا من جانب عدد من المشاركين لمناقشة أوضاع المثليين في مصر وضمان حقوقهم.

تبنى بعض المشاركين آراء صارمة بلا لبس تجاه هذه المسألة مثل ما تحدث الكاتب ناجح إبراهيم، والذي طالب بشكل واضح بعدم منح المثليين أية حقوق في مشروع القانون الجديد الخاصة بمكافحة التمييز ومفوضية التمييز، عبر مطالبته نصا: “بوضع أسس ومحاذير ومراعاة القيم الاساسية للمجتمع المصرى حتى لا يخرج علينا من يطالب بحقوق المثليين وهو هدم الحضارة الإنسانية كلها..”.

كما تحدث أيضا أحمد محسن قاسم ممثلا عن حزب مصر الفتاة وقال إن الحزب تقدم بمشروع قانون لإنشاء المفوضية المصرية للقضاء على كافة أشكال التمييز، ولكن المشروع لم يتضمن “الميول الجنسية والشذوذ” لأنها ضد الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والإعلانات المنبثقة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وفي الأخير جاءت التوصيات النهائية التي رفعت للرئيس خالية من أية إشارة إلى وقف التمييز الواقع على المثليين، أو ترك الباب مفتوحا لإمكانية مكافحة أيا من صور التمييز التي تتعرض لها هذه الفئات في المستقبل كحد أدنى، وإن لم تصل حد تقنين أوضاعهم.

يُضاف هذا الملف لجملة الملفات الشائكة والمثيرة للجدل التي تم إهمالها ضمن الملفات الأخرى السابق الإشارة لها ضمن نقاش مفتوح وشفاف وواضح، لتقريب وجهات النظر، والتعامل الجاد مع مطالب حقيقية. كما أنها تطرح إشكالية بخصوص مدى القبول والتفاعل مع حقوق الإنسان العالمية بشكل عام مناهض للتمييز بالمطلق، إذ دعت الأمم المتحدة في العديد من المناسبات الدول إلى إلغاء القوانين التي تميز ضد المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، مستندة على التوسع في  تفسيرات المادة الأولى والثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لتشمل المثليين والمثليات ومزدوجي الجنس تحت مبدأي المساواة وعدم التمييز.

التوصيات التي طرحتها اللجنة

في نهاية المرحلة الأولى من جلسات الحوار الوطني رٌفع عدد من التوصيات النهائية مباشرة إلى رئيس الجمهورية للنظر فيها، وجاءت التوصيات النهائية للجنة حقوق الإنسان والحريات العامة في قضيتين اثنتين وهما القضاء على كافة أشكال التمييز وقضية الحريات الاكاديمية والبحث العلمي؛ فيما غابت تماما قضية إصدار قانون حرية تداول المعلومات.

توصيات مناهضة التمييز

انطلقت التوصيات من الإنحياز الواضح للدولة المصرية والتأكيد على مجهوداتها المبذولة في قضية المساواة وتكافؤ الفرص، والتوزيع الجغرافي العادل للتنمية، والإشارة إلي مشروع “حياة كريمة” باعتباره درة تاج هذه المشروعات. ثم انتقلت التوصيات إلى ضرورة إنشاء مفوضية مناهضة التمييز إعمالا لنص المادة 53 من الدستور المصري، وقالت التوصيات أن الأساس الدستوري للتشريع هو الدستور المصري والاتفاقيات الدولية المصدق عليها والنافذة ذات الصلة، وأن المفوضية يجب أن تمارس عملها دون الإخلال باعتبارات الأمن القومي والآداب العامة والنظام العام، ثم انتقلت التوصيات إلى الحديث عن استقلالية المفوضية المالي والاداري، وتشكيل وهيكل المفوضية، وصلاحياتها والتي تضمنت تلقي الشكاوى والبلاغات، ووضع الخطط اللازمة لبناء قدرات المؤسسات والأفراد القائمين على المؤسسات العامة ومؤسسات إنفاذ القانون وتدريب الإعلاميين.

لكن بشكل إجمالي، خلت توصيات مناهضة التمييز من أية إشارة إلى تغيير التشريعات التي تفرض واقعا تمييزيا ضد عدد من الفئات على رأسها النساء فالمفوضية في نهاية الأمر ما هي إلا هيئة مستقلة لا تمتلك سلطات تشريعية أو تنفيذية في مواجهة التمييز أو تمتلك أية صلاحيات لتغيير الواقع التشريعي الحالي. كما خلت التوصيات كذلك من تعريفات واضحة لاعتبارات “الأمن القومي والآداب العامة والنظام العام” والتي لطالما اتخذت ذريعة لزيادة رقع حبس العديد من المواطنين، وعليه كان من باب أولى أن تتضمن توصيات مناهضة التمييز اقتراح تعديلات عدد من النصوص المحددة التي تؤسس للتمييز ضد المواطنين، وضرورة إلغاء الحكومة المصرية تحفظاتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضـــد النساء لعام 1979 (سيداو)، وضمان مطابقة القوانين ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.

توصيات الحريات الأكاديمية والبحث العلمي 

 

جاءت التوصيات في ثمان نقاط من بينها تيسير إجراءات سفر الأساتذة للخارج في مهام عملية واختصار وقت الموافقات المطلوبة، وأيضا اختصار وقت الموافقات المطلوبة لدعوة الأساتذة والباحثين الزائرين، وتيسير دخول طلاب وأساتذة الجامعات العربية، وتيسير عقد الندوات والحلقات النقاشية والمؤتمرات، وتشجيع إقامة المشروعات البحثية المشتركة بين الجامعات المصرية ومراكز البحوث ونظيراتها الأجنبية.

كذلك خلت التوصيات تماما من الإشارة إلى القيود التي تضعها الأجهزة الأمنية على الجماعة الأكاديمية وحرية البحث العلمي، واكتفت التوصيات بالإشارة إلى “اختصار وقت الموافقات المطلوبة”، وهو ما يعد ترسيخا لوضع استثنائي وغير دستوري.

وفي الأخير لم تحمل التوصيات النهائية أية ملامح لإصدار قانون حرية تداول المعلومات الذي اتفق الحاضرون في جلسته على ضرورة إصداره، وهو ما يبدو نتاج عدم توافق الحاضرين على صيغته النهائية، أو اعتراض جهات سيادية على صدوره مثل ما حدث من قبل، وذلك بالرغم من ذكر مصادر استمرار النقاش حوله من قبل متخصصين.

خاتمة:

لا يٌعلم على وجه الدقة كيفية سير الجلسات الخاصة بلجنة الحقوق والحريات العامة، إن كانت النقاشات السابقة متضمنة في الجلسات الثلاث فقط، أو مضت المناقشات في لجان عمل فرعية مصغرة ومكثفة أكثر على النحو الذي تداوله عدد من الشخصيات المشاركة في الحوار. بالمثل لا يُعلم أن كانت المحاور التي تم مناقشتها ستُتبع بالمزيد من المناقشات في المرحلة القادمة من الحوار الوطني خاصة أن بعضها مازال مفتوحا، أو تم تناولها بشكل عام، كما في حالة قانون حرية تداول المعلومات، والذي لا يبدو، من المتاح في تغطيات الجلسات، أنه قد تم تناوله باستفاضة. كما لا يُعلم على وجه الدقة أن كانت التوصيات-بخصوص المحاور التي تم استعراضها في هذا التقرير- هي كل توصيات اللجنة النهائية أم أنها خضعت للفلترة والتنقيح قبل رفعها لرئاسة الجمهورية على النحو الذي صرح به بالفعل عدد من المشاركين في الحوار. بالتبعية؛ لا يُعلم ما تم استبعاده بالفعل وأسباب الاستبعاد.

 

رسم توضيحي لموضوعات المرحلة الأولى من الحوار الوطني (مايو – أغسطس 2023)

ضع ردا

where to buy viagra buy generic 100mg viagra online
buy amoxicillin online can you buy amoxicillin over the counter
buy ivermectin online buy ivermectin for humans
viagra before and after photos how long does viagra last
buy viagra online where can i buy viagra