نشر عدد من الخبراء التابعين للأمم المتحدة خطاباً كان قد وُجه إلى الحكومة المصرية بتاريخ 8 نوفمبر 2023، مُوقَع من اثنان من المقررين الخاصين، وهما؛ المقرر الخاص بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، والمُقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب. أعرب المقرران في الخطاب عن قلقهما بشأن الانتهاكات المُتكررة لحقوق الإنسان فى مصر، والخوف من إهدار المعايير الدولية فى هذا الصدد. كما أبديا استيائهما من الاستهداف المستمر لصحفيي الجزيرة، خاصةً فيما يتعلق بإعادة إدراج تسعة منهم على قوائم الكيانات الإرهابية، والإرهابيين الصادرة عن السلطات المصرية تزامناً عُقب انتهاء مُدد القوائم السابقة الصادرة الأعوام 2017، 2021 المدرجين بها. يفتح قرار التجديد الباب أمام وجود شبهات قوية لـ “إساءة استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب”، وكون ذلك “جزء من حملة قمع أوسع نطاقاً على قناة الجزيرة، والحريات الإعلامية في مصر بالتوازي مع القيود المستمرة المفروضة على الجهات الفاعلة في المجتمع المدني، والفضاء المدني بشكل عام… ”
تضمن الخطاب كذلك مخاوف المقررين من التوسع غير المُبرر فى استخدام الحبس الاحتياطى المُطول دون مُحاكمة، وسوء إجراءات الإدراج فى قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين التى تُصدرها السلطات المصرية؛ بما يُخل بضمانات المُحاكمة العادلة، واحتواء قوانين الإرهاب والأمن القومي، وتعديلاتها على مصطلحات فضفاضة من شأنها إهدار كافة المعايير الدولية.
فيما يتعلق بصحفيي الجزيرة، كانت محاكمة جنايات القاهرة الدائرة (13 – جنايات جنوب) لدى انعقادها فى غرفة المشورة -جلسة سرية- ودون إعلان سابق للمُدرجَين أو دفاعهم، واستناداً إلى محضر تحريات قطاع الأمن الوطنى، وبناءاً على طلب نيابة أمن الدولة العليا؛ قد أصدرت قراراً نُشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 أبريل 2023م، يتضمن إدراج (81) شخصاً على قوائم الإرهابيين تزامناً مع انتهاء مدد إدارجهم السابقة لمرتين متتاليتين.
يترتب على قرارات الإدراج بهذه القوائم آثارا جسيمة بشأن منَّ يتم ادراجهم أبرزها؛ وصمهم بالإرهاب دون حكم قضائى نهائى يمنحهم الفرصة للدفاع عن أنفسهم، إضافة للتحفظ الشامل على جميع أموالهم، ومُصادرة جوازات سفرهم، ومنع استخراجها، والمنع من مغادرة البلاد، وهو ما يمتد بآثاره لأسرهم وذويهم.
شمل قرار الإدراج بعض العاملين بقناة الجزيرة وهم: أنس خليل، وأحمد عبد الرحمن حسين، ومحمد عثمان ماهر محمد عقل، وعبد الرحمن حسين، وأيمن محمد عزام، وعمرو القزاز، وأبو بكر مشالي، وسمحي مصطفى، وسالم المحروقي.
تطرق الخطاب كذلك إلى أوضاع بعض الصحفيين المُعتقلين على خلفية عملهم مع قناة الجزيرة وهما: بهاء الدين إبراهيم نعمة الله، وربيع محمد الشيخ، واللذان قُبض عليهما فى واقعتين مختلفتين عند وصولهم لمصر في زيارات عائلية لأسرهما. وقد وجهت لهما نيابة أمن الدولة العليا اتهامات بالإنضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة بسبب عملهما فى قناة الجزيرة. وقد ورد تعرض كل منهما للإخفاء القسرى، والتعدى بالضرب، والصعق الكهربائى بغرض انتزاع أي معلومات عن عملهم بشبكة أخبار الجزيرة. كما استمرت هذه الإنتهاكات عقب العرض على النيابة العامة؛ والتي شملت كذلك تعرضهما للحبس الاحتياطى المطول دون محاكمة.
لذلك ارتأى مُقررى الخواص أن ما تقوم به السلطات المصرية من مطاردة العاملين في شبكة الجزيرة بسبب عملهم الصحفي، يُمثل انتهاكاً لحقهم في حرية التعبير، والحصول على المعلومات وتداولها، وعلى أثر ذلك؛ ناشد المقرران السلطات المصرية مجددا بوضع حد للتدهور المتزايد لمساحة العاملين فى مجال الصحافة والإعلام فى مصر؛ خاصة فى ظل ما تشكله هذه القوائم من تأثير مروع على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات في البلاد. كذلك ما تحمله هذه الإجراءات التعسفية الممنهجة من مطاردة الصحفيين، والزج بهم فى دوامة الحبس الاحتياطى التى لا تنتهى بسبب عملهم الصحفي، والتي تبعث برسائل لزملائهم بترك العمل فى الصحافة، أو اقتصار عملهم على المساحات التى ترضى بها أو تروج لها السلطات، والتي تُعيد تكرار ما ورد في مخاطبات سابقة حول وجود ادعاءات بانتهاكات مماثلة.
وعبر المقرران كذلك، وفقا للمخاطبة، عن مخاوف حقيقية بأن الحالات الخاصة بالعاملين فى قناة الجزيرة ليست حالات فردية أو معزولة؛ وإنما هى جزء لا يتجزأ من نمط ممنهج من سوء استخدام قوانين الإرهاب والأمن القومي بشكل يقوض الحقوق الأساسية للأفراد، وسيادة القانون فى مصر. وعليه فقد تضمنت المُخاطبة – والتى لم يتلق المقررين الأمميين ردا وتعقيبا من الجانب المصري عليها حتي تاريخ نشرها – عدد من الطلبات على النحو التالي:
- تفسير بشأن الإدراج المتكرر للأشخاص المذكورين من صحفيي الجزيرة على قوائم الإرهاب.
- مطالبة الحكومة المصرية بإفادة المقررين بمعلومات حول الانتهاكات الواردة بالمُخاطبة تجاه الصحفيين، وتوضيح الأساس القانوني والواقعي لإدراج صحفيي الجزيرة المذكورين في البيان، والمعتقلين منهم كذلك.
- التحقيق في ادعاءات الاختفاء القسري والتعذيب لصحفي الجزيرة المُعتقلين، ومحاسبة المسؤولين في حال ثبوتها.
- إعادة حث الحكومة المصرية على تعديل قوانين مكافحة الإرهاب والمراسيم المرتبطة بها بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، خاصة التي صادقت عليها مصر بحيث تتوافر فيها الضمانات الكافية لمنع سوء الاستخدام، مع ضرورة وجود وسيلة واضحة لضمان حقوق الأفراد فى ظل ما تؤدى إليه العقوبات الواردة بهذه القوانين من عواقب وخيمة فى جميع الجوانب للأفراد، والتي تنال كذلك من أسرهم وعائلاتهم.
- توضيح الحكومة المصرية لكيفية احترام مبادئ الشرعية، والضرورة، والتناسب فى القوانين التى صاغتها الحكومة المصرية في القوانين المنظمة لقوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
- تقديم كافة المعلومات التي تُبين مدى مُطابقة هذه القوانين- الإرهاب- للقانون الدولي وخاصة الاتفاقيات التي صادقت عليها مصر.
- طالب الخبراء أيضا بتقديم أي معلومات عن مدى اتساق قوانين الحبس الاحتياطي، وتدابير ضمان حرية الرأي والتعبير، وعمل الصحفيين، والتجمع السلمي مع التزامات مصر الدولية.
- المطالبة بتوضيح الضمانات التي اتخذتها مصر لضمان الإجراءات القانونية، والمحاكمة العادلة ﺑﻤﺎ في ذﻟﻚ اﻟﺤﻖ في اﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻤﺤﺎمي، واﻟﺤﻖ في ﻋﺪم اﻹﻛﺮاه على اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺬﻧﺐ، أو شهادة المتهم ﺿﺪ نفسه، واﻟﺤﻖ في اﻻﺗﺼﺎل ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ الخارجي، واﻟﻤﺜﻮل ﺳﺮﻳﻌﺎً أﻣﺎم القاضي بعد اﻟﻘﺒﺾ على المتهمين، ومدى توافق هذه الإجراءات مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.